يحدث في هولندا فقط أن يتاجر سماسرة العقارات بأسماء أشهر كتابهم ومثقفيهم، فهناك تقرأ إعلانًا يقول: «شقة مفروشة أنيقة ومشرقة مؤلفة من غرفة نوم واحدة وحمام وتستقبل شخصين، موجودة في الطابق الثالث من مبنى قريب جدًا، سكن باالقرب منها أحد أهم الكتاب وهو (مولتاتولي)، المنطقة مليئة بالمطاعم وقريبة من المحطة المركزية». مولتاتولي، هو الاسم المستعار للكاتب الهولندي إدوارد دوواس ديكر 1887- 1920، ويعني اسمه المستعار في اللاتينية «إني تعذبت طويلًا»، تمر اليوم ذكرى وفاته ال94، والذي فشل في مهمته نائبًا عامًا للمندوب السامي الهولندي في لوباك، غرب باتافيا جاكارتا الآن، لكنه نجح كأديب وألف كتابه الشهير "ماكس هافلر" الذي انتقد فيه النظام الإداري للمؤسسة الاستعمارية في إندونيسيا. وتأسيسًا على الأفكار الواردة في هذا الكتاب ألف الأديب الإندونيسي ميهارجا المولود في مارس 1911 في شيباتو وسط جاوه كتابه "تمزق وتوتر" مركزًا على نفاق وأنانية بعض السياسيين غداة الاستقلال. ومن هذا الكتاب ننشر حكاية بعنوان: "نشتغل ونأكل"، ترجمها إلى العربية عبد العزيز دمق، إليكم الحكاية: «أمازلتم تتذكرون أفكار مولتاتولي خصوصاً فكرته رقم 477 وما بعدها وكلها أفكار أهتمت بمسألة "الأكل" أو لنكون أكثر دقة مسألة "الأكل والشغل" أو "الشغل والأكل". أليس هذا موضوع الساعة؟ لا سيما مسألة "الأكل"؟ انها أهم المسائل. وقد أراد القائد السياسي فلان ان يظهرها في شكلها التطبيقي في محاضرة ألقاها أمام بعض الكوادر. قال: الأكل مسألة في قمة الأولويات، للانسان! وأمامكم الدليل القاطع في موقف الرضيع حالما يولد. فما ان يخرج هذا المخلوق الصغير من بطن أمه حتى يصرخ باكياً. انه لن يتوقف عن الصراخ إلا عندما تضع الأم ثديها في فمه. هذه هي الحجة التي استعملها القائد السياسي فلان لإقناع الكوادر، وكالمعتاد اقيمت هذه المحاضرة في مستودع قديم جدرانه ألواح من الخشب تسوست بعض أجزائها. كانت الكوادر تجلس في ثلاثة صفوف على كراسي عرجاء، وعلق في أحد الأركان لوح اسود يلمع تحت ضوء فانوس مثلما كانت تلمع جبهة المحاضر وأنفه وكأنهما مغموستان في الدهون، وبصوت أجش يناسب حجم تفاحة آدم التي تعلو وتنزل من دون توقف على طول عنقه، واصل محاضرته: "حتى اذا قمنا بمقارنة القوت بالأشياء الأخرى الضرورية للكائن البشري كالملابس مثلاً فإن القوت يبقى الأهم، الضرورة القصوى. تصوروا ببساطة ما يلي: انكم عراة كما ولدتكم أمهاتكم وانكم تتضورون جوعاً لأنكم لم تأكلوا منذ أيام، ويأتيكم بغتة شخص يقدم لكم كساء وصحناً من الرز: بماذا تبدأون؟ بالكساد يغطي اجسادكم أم بصحن الرز تلتهمونه؟". - "الرز أولاً" هكذا أجاب أحدهم رافعاً يده. - "الكساء أولاً" حسب كادر ثان رفع هو الآخر يده. قال ثالث: "أريد ان أتأكد أولاً هل ان الشخص الذي أتاني بالكساء وبصحن الرز سينصرف مباشرة أم سينتظر ليرى كل حركة آتيها. هذه نقطة اعتبرها مهمة. فإذا كان الشخص سيبقى واقفاً كحارس أو كرقيب فإني سأبدأ بالتأكيد بارتداء الكساء ثم آكل". أيده رابع قائلاً: "هذا مهم، ويجب ان نعرف من أي جنس هذا الشخص، أذكر هو أم أنثى؟". من إحدى الزوايا في الصف الأخير وقف شخص وهو يقضم قلمه وقال: "هل خضعت هذه المسألة لدراسة علمية أو تجريبية؟ أريد ان أقول: هل حقق العلماء في ذلك، لدى مختلف شعوب العالم؟ وفي حال الإيجاب ماذا كان مثلاً رد فعل مليونير اميركي يطالبونه بنزع ملابسه والإمساك عن الطعام… مليونير أميركي معتاد على الرفاه؟ وما رد فعل زنجي في أدغال افريقيا الوسطى… زنجي غير معتاد على اللباس؟ أو رد فعل واحد من الاسكيمو يعيش وسط الثلوج؟ ولكن، لماذا نذهب بعيداً، هيا نرى رد فعل اخواننا، في بلادنا، هؤلاء الذين لا يريدون ان يبقوا عراة ولكنهم عراة، ولا يريدون ان يبقوا جياعاً ولكنهم جياع، هؤلاء الذين نراهم يهيمون زرافات يتسولون… هل أجرى العلماء أبحاثاً أو تجارب في هذا الاتجاه؟ اذا كان الأمر كذلك، ماذا كانت الخلاصة، واذا كان الأمر غير ذلك فليبادروا بالبحث فوراً. بهذه الطريقة وحدها نستطيع ان نتصرف بحكمة على قواعد علمية وليس عشوائياً عن طريق التكهنات كما نفعل الآن". نهض كادر آخر وعبر عن مساندته لهذا الرأي مضيفاً بلهجة جافة، مفاجئاً الحضور: "معه حق! ان نتصرف بطرق عمياء معتمدين على الافتراضات والتكهنات راضين بالايمان الباطني، فهذا لا يحدث الا في مسجد او في كنيسة وليس في مجال السياسة! في السياسة لا بد لنا ان نعمل بطريقة علمية...يتجب علينا ان نَعْلَم لا ان نظن". أتصور انكم تخيلتم جيداً مظهر القائد السياسي فلان في اثناء هذا النقاش. كان يبدو عليه انه يريد ان يسأل: "من هو المحاضر هنا، انا ام انتم"؟ على رغم اللائحة التي صودق عليها لفائدة الابحاث العلمية، فان غالبية الحضور قد بدا عليه الميل الى "الرز اولاً". غير ان هذا الحوار كله كان يدور حول هذا السؤال: نأكل ام نبقى عراة؟ هي مسألة حيوية في حد ذاتها واساسية حتى، ولكننا لن نتابع هنا مناقشتها لانني اريد ان احكي هنا قصة القائد السياسي فلان اي ما يهم السؤال "نأكل ونشتغل" او لنكون ادق "نشتغل ونأكل". تقول الفكرة رقم 477: "من لا يشتغل لن يأكل". يعلّق القائد السياسي فلان: "هذه هي الحقيقة من لا يشتغل لن يأكل". ويضيف: "الحرب العالمية الثانية كانت مصدر ثورة 1945. وثورة 1945 كانت نتيجتها العدوان الهولندي الاول والثاني لمحاولة اعادة الاستعمار. وهذا العدوان قاد الى "الخط الجديد" للزعيم سوكارنو. هذا الخط الجديد ادى الى عقد ندوة المائدة المستديرة "كل هذا جعل غلاء المعيشة يرتفع يوماً فيوماً ويرتفع معه عدد عصابات السطو، وعدد المتسولين، وبنات الشوارع، وايضاً عدد اللوائح والاجتماعات والاضرابات، وكذلك عدد حفلات الاستقبال، والكوكتيل، والاستجوابات الصحافية". في صباح أحد الأيام خلال اجتماع جماهيري في ملعب رياضي تسيجه اشجار كبيرة مزهرة عناقيدها، صعد القائد السياسي فلان الى المنصة، كانت جبهته تبدو لماعة وأنفه كذلك تحت اشعة الشمس المرتفعة بعض الشيء، فالساعة كانت الحادية عشرة. كان يقوم بحركات امام الميكرو، وكانت تفاحة آدم تعلو وتنزل على طول عنقه، وصوته يبدو كأنه لا يخرج من بين شفتيه ولكن ينزل من السماء من نقطة غير مرئية، من المكان الذي يأتي منه عادة البرق والرعد. كان يقول: "اخواني، لا يمكن أن يتواصل الوضع هكذا! سنموت جوعاً! اجورنا ومرتباتنا لم تعد تكفي، صحيح ام لا؟ الجماهير: نعم! لهذا ينبغي ان نطالب بإصرار برفع مرتباتنا واجورنا، هل انتم موافقون؟ الجماهير: موافقون! واذا لم يقبلوا بمطالبنا نشن الاضراب! كلنا نشن الاضراب... كلنا في وقت واحد! كلنا متضامنون! نعم ام لا؟ الجماهير: نعم!. وبرهن العمال عن تضامنهم... اعلنوا الاضراب كلهم. فوراً سكنت الآلات، والمزارع هجرت، وحافلات النقل توقفت حركتها انقضى يوم واثنان بدا الحوار مع الأعراف أصحاب المؤسسة ثم اسبوع، اثنان الاضراب متواصل والحوار مستمر ثم: "هووررااا!" الاجور سترتفع. مع ارتفاع الأجور ارتفعت ايضاً ثقة العمال وودهم وتقديرهم للقائد السياسي فلان. لكن مستوى المعيشة ارتفع غلاؤه هو الآخر وراح يرتفع باضطراد. ولما كان الأمر هكذا كان لا بد من العودة الى الاضراب. انقضى يوم وآخر استؤنف الحوار، اسبوع وآخر… ثم: "هووررااا!" الأجور سترتفع من جديد وأيضاً سمعة القائد السياسي فلان. لقد انتخب نائبا في البرلمان. إلا أن غلاء المعيشة متواصل في الصعود… متفاقم. الحالة لم تعد تحتمل… ومن جديد عقدوا اجتماعاً، ومن جديد أوصى القائد السياسي فلان بالاضراب. ونفذه العمال. انقضى يوم فيومان فأسبوع المداولات لم تؤد الى نتيجة اسبوعان، ثلاثة دائماً لا شيء أربعة أسابيع… ماذا يحدث؟ لماذا لم نسمع "هووررااا!" لماذا لم نسمع الآلات تدور؟ تجمع العمال في تقاطع الطرقات، أمام المصنع، تحت الأشجار، يسأل بعضهم بعضا: ما الجديد؟ أأخبار سارة؟ كانت الأخبار غير سارة، فالمصنع بقي مغلقاً، والمؤسسة أفلست. وظلت الآلات خرساء، والغبار يغطي الحديد والخشب والأرضية، والعناكب خلا لها المكان وجعلت تنشر نسيجها. لم يعد العمال يعرفون ما يفعلون، تجمعوا أمام بيت القائد السياسي فلان، كان سياج الصحن مقفلاً فاخترقوه وقفزوا فوقه. "إخواني، لمَ اليأس؟" هكذا استقبلهم القائد السياسي فلان على عتبة بيته. ألأن مؤسستكم مغلقة؟ ولأنكم خائفون من البطالة. ومن قلة الشغل، ولا تجدون ما تأكلون؟ لا عليكم، لماذا البطالة، أليست لنا حكومة؟ والحكومة أليست حكومة وطنية؟ لأي شيء تصلح اذن حكومة وطنية ان لم تنجد المصالح الوطنية، أي مصالحنا؟ صحيح أم لا؟ العمال مرهقين يشيرون برؤوسهم ايجابا سنطالب حكومتنا الوطنية، سنصر في مطالبتها، سنضطرها الى انتزاع هذه المؤسسة من أيدي الرأسماليين. هذه المؤسسة أنتم الذين ستتصرفون فيها، ستستغلونها! هذا ما نسميه "التأميم". أنتم تتذكرون بالتأكيد ما كنت قد قلته لكم في ندواتنا، أليس هدفنا جميعاً أن يجري تأميم كل المؤسسات الرأسمالية؟ لتطمئنوا أيها الاخوة. عودوا الى بيوتكم وانتظروني لأتحدث اليكم مجدداً. كل شيء سيسير على ما يرام! سنضغط على حكومتنا الوطنية، ولتثقوا في أنا!". هدأ العمال واطمأنوا وامتلأوا أملا. تجاوزوا السياج الذي خربوه منذ حين وعادوا إلى مساكنهم. كان البرلمان في جلسة عامة، القاعة مزدحمة، والعمال أيضاً مزدحمون في حدائق البرلمان، تحت الأشجار، ينتظرون نتيجة المداولات. في الاقتراع أصوات مؤيدة وأصوات معارضة وأصوات غاب أصحابها. من حسن الحظ ان النصاب حصل، والأصوات المؤيدة شكلت الغالبية، وبهذا صودق على القرار: الحكومة ستؤمم المؤسسات ذات الحيوية القصوى للمصلحة الوطنية. "وأخيراً" قالها القائد السياسي فلان لأنصاره بابتسامة عريضة. وعاد العمال الى مزاجهم الطيب وارتفعت ثقتهم وتقديرهم أكثر فأكثر، ودفعوا هكذا بالقائد السياسي فلان لأن يصبح قابلا للتوزير، وهذا ما حصل عليه بالفعل… أصبح وزيرا. هو الآن يروح ويغدو في سيارة بويك، يتجول بالطائرة، يقوم بجولات هنا، وبجولات هناك، يدشن معارض، يقطع أشرطة. وزوجته ليست أقل منه انشغالا: ترافقه في زياراته، تدشن مثله المعارض، تقطع أشرطة، تلقي خطبا. لكن غلاء المعيشة يرتفع، أصبحت الحياة صعبة… صعبة أكثر فأكثر. إلى الآن لم تطبق التأميمات، وظلت الآلات خرساء والعنكبوت ينسج بيوته باستمرار… جو مظلم حزين يخيم على المصنع، سكون كأنه الموت. اضطرب العمال من جديد قلقين حيارى، خاوية بطونهم، تطحنهم من الداخل، فارغة مطابخهم، اما أطفالهم فزاد بكاؤهم. لهذا ذهبوا جماعات الى القائد السياسي فلان، وهو الآن وزير. استقبلهم ببشاشة ولطف قائلا: "استمعوا اليّ يا اخواني، ينبغي أن تفهموا جيداً أن…". وفي ما يأتي قائمة بالأشياء التي ينبغي أن يفهموها: ان الحكومة لا تستطيع أن تطبق التأميم لأن الصناديق خاوية، والديون على الحكومة متراكمة، وأن عليهم أن يكونوا واثقين من ذلك ما دام هو الوزير على يقين كامل. وان أمام الحكومة مصاريف كبرى: تسديد الديون، ودفع مرتبات الجيش وضباطه ودفع مستلزمات عربات "الجيب" والسيارات، والتسليح، ومرتبات الموظفين وعددهم أكثر من اللازم، ويتمتعون أكثر من اللازم بأيام الأعياد، ومرتبات السفراء ونفقات سفاراتهم، ونفقات الرئيس وحاشيته وتنقلاته داخل البلاد ورحلاته الى الخارج الرسمية وشبه الرسمية. دفع نفقات المدارس والمستشفيات والبقية. الأمر لا يتعلق اذن ببضع سنتيمات وانما بمبالغ طائلة، طائلة جداً… طائلة جداً جداً. وزودهم مرة اخرى بنصائح لا تنتهي. لا شك ان قرائي سيجدون من جديد ان كل هذا يبعث على السأم و... فعلاً كان العمال هذه المرة من هذا الرأي. كانوا من الضجر بمكان. كانوا يستمعون اليه بنظرة هائمة من عيون غائرة. وفي النهاية عاد كل واحد الى مسكنه وقبع في مكانه في ذلك الركن المظلم. ومن جديد أخذوا يفكرون... ومن جديد لفوا ركبهم بأذرعهم، ولكنهم هذه المرة كانوا يتساءلون كيف نستطيع ان نطبق الشعار؟ وبقوا طويلا على هذا النحو تائهين في افكارهم. الشعار يثير فيهم الدوران والجوع يمزق احشاءهم. ومن حين لآخر تصعد من الصدر زفرة قهر. * * * هذا ما أردت ان اقصه عليكم. هي كلمات بخصوص مسألة "نشتغل ونأكل". "من لا يشتغل لن يأكل" تلك هي الحقيقة وقد أكدها القائد السياسي فلان. هل تريدون ان تعرفوا كيف انتهت هذه القصة؟ ستتصورون بلا شك ان العمال... اردت ان اقول العاطلين ... الراغبين في تطبيق الشعار سعوا بكل الجهد في البحث عن عمل للاسترزاق والحصول على القوت. هذا هو بالضبط ما تفكرون فيه. اليس كذلك؟ تفكيركم صحيح... كان هذا بالذات موقف العمال، سعوا الى العمل، سعوا الى العمل، بحثوا عن شغل، بحثوا، سعوا... حتى كدنا نسمع "مولتاتولي" يتمتم في قبره: "من لا يأكل لن يستطيع ان يشتغل". تبين في ما بعد ان هذا المبدأ هو عين الواقع. اذ تأكل حسب قانون الطبيعة الذي ثبتت صحته عبر مختلف العصور من عهد آدم الى عهد ستالين، والذي لا زال محتفظاً بقيمته "ان من لا يأكل يموت". وقد حدث ان كثيراً من هؤلاء العطالين اصيبوا بانتفاخ في بطونهم وماتوا منتفخين كالقرب. أما الآخرون الذين ما زالوا على قيد الحياة فانهم ما انفكوا يلاحظون ان قانون الطبيعة من حديد. الا انهم يرفضون ان يموتوا. لهذا لم يعودوا يسعون للبحث عن شغل وانما البحث عن الأكل. انهم يواصلون البحث، لا يفعلون شيئاً غير البحث عن الأكل مثل الكلاب، وذلك من دون الاكتراث بالمخاطر، فأكبر المخاطر بالنسبة إليهم الموت، ولا توجد مخاطر غيره. هذا هو "محل الشاهد"... خلاصة مسألة الشغل والقوت، وصوة القائد السياسي فلان وأنصاره. قصة تذكرتها منذ حين وانا اعبر "السوق الجديدة". رأيت جماعة من الناس مذعورين يطاردون رجلا بين عمرين وكأنهم يطاردون كلباً مسعوراً. وبعدما قبضوا عليه أشبعوه لطماً ورفساً... ضربوه... شتموه... وقادوه الى مركز الشرطة. كسروا له في فمه سنتين، انفجرت شفتاه وسال الدم من فمه على ذقنه وصدره تاركاً بقعاً حمراء على قميصه. يبدو انه سرق اكياساً من الحلوى والخبز من مقهى صيني. وقيل انه سرقها لتغذية صغاره الستة الذين يتضورون جوعاً في بيت قصديري على حافة القناة. وأضافوا انه "عامل بطال". ما زالت ماثلة أمام بصري صورة ذلك الجسم الشاحب، الدامي تحت وقع الضرب، المتعثر، المجرور فوق الأسفلت، ميتاً اكثر منه حي... أجل، فكرت مرة اخرى في هذه القصة، في القائد السياسي فلان، في نصائحه وشعاراته وأوامره، في العمال الصغار ذوي الاجسام الضامرة، اصحاب المساكن الخربة المتلاصقة على الانهج والأزقة الموحلة، وأعدت التفكير في المسألة اياها "الأكل والشغل"، فكرة الرقم كذا لمولتاتولي. لو أن مولتاتولي يستطيع هو الآخر ان يفكر من جديد في كل هذا، واذا لم يكن متأثراً بعقلية سيئة، لكان في امكانه بالتأكيد ان يضيف الى قائمته فكرة صالحة ايضاً لكل الأزمان وهي: "من لا يستطيع ان يشتغل، فان شغله الوحيد الاستهلاك".