مازال ضمن ألقاب إمبراطور اليابان لقب "ابن الشمس المشرقة" ولقب "ابن الإلهة آماتيراسو" وهي ربة الحياة في معتقدات الشنتو، ولكن بعيدا عن الألقاب الرسمية والتشريفات، هي يعتقد الياباني العادي بأن الإمبراطور إله؟ لم أر حتى الآن من بين من قابلت من يعتقد بهذا، فهم يرونه أيقونة ورمز لوحدة الشعب الياباني ويرون الشنتو فلسفة حياة. لكن أحدا منهم لا يدعو في الصباح ويقول:استرها معانا يا آكيهيتو في مصر القديمة، هناك ظاهرة تثير الشكوك في موضوع تأليه الفرعون، وتثير احتمالا بأن موضوع ابن قرص الشمس "رع" أو ابن الإله "آمون" وخلافه، ربما كان موضوعا يتعلق بالتشريفات الرسمية وما يردده الكهان في المناسبات، ويردده بلاط الحاكم وطبقة النبلاء، ولم يكن معتقدا راسخا ضمن اللاهوت المصري القديم بين البسطاء. تلك الظاهرة هي كيفية تعامل المصري القديم مع جسد الفرعون خلال السطو على مقبرته. هذا هو الانطباع الذي أخذته من قراءة بحث رائع لعالم الآثار المصري الدكتور "أحمد صالح" في كتابه "راهب في محراب التاريخ"، حول لصوص المقابر القدماء. والقضية هنا ليست في السرقة نفسها ولكن في هوية اللصوص أولا، وفي تعاملهم مع جثمان الفرعون ثانيا نبدأ بهوية اللصوص؛ وقبل أن تقول أن اللصوص لا يمثلون الشعب، يجب أن تعلم أن البرديات نفسها تخبرنا بأن عمال المقابر الذين بنوها وزخرفوها ونقشوا عليها ألقاب الفرعون الإله هم أنفسهم من تحولوا إلى لصوص عندما ضعفت الدولة المركزية وسادت الأزمة الاقتصادية كما حدث في نهايات الدولة الحديثة، وبرديات سرقة المقابر التي نظمها الباحث "إيريك بيت" تخبرنا عن فضيحة مدوية تورط فيها رجال من بلاط الملك وعمدة غرب الأقصر والموظف المسئول عن وادي الملوك شخصيا، فساد تاريخي يعني. وهناك وقائع في البرديات عن ضبط بعض عمال البناء وهم يسطون على المقابر مثل بردية التورين التي تخبرنا عن عاملين هما "سر-حات" و"باتو-رع" قاما بسرقة مقبرة رمسيس الثاني شخصيا، وتشير إلى لجوء بعض نحاتي الأحجار لسرقة المقابر التي يعرفون دقائقها وخباياها عندما تأخرت رواتبهم!!! إذن فالفنان المبدع في وقت الرخاء، كان يترك الأزميل ويمسك المطوة في وقت القحط، فهو ليس لص محترف ولكنه لص موسمي. نعم هذا لا يعني أن الجميع قد تحولوا إلى لصوص، لكنه يغير من المفهوم السائد بعض الشيء ثم نأتي للتعامل مع الجثامين التي يفترض أنها مقدسة؛ لو كان اللص يعتقد بألوهية أو قداسة للفرعون، وسرق المقبرة تحت ضغط الحاجة والجوع (كما قال معظمهم في تحقيقات مثبتة بالبرديات)، لتسلل ليختلس بعض المنقولات الثمينة في المقبرة، وهو يدعو الفرعون الإله الحي أن يسامح جرأته!! ولكن تعامل اللصوص وتقطيعهم لمومياوات الفرعون للحصول على الحلي الذهبية الملفوفة داخل الكتان، تقول لنا أنهم لم يتعاملوا بأدنى احترام مع تلك الجثامين، وأن تعاملهم كان مماثلا لتعامل أسرة عبد الرسول التي كانت تسرق الحلي من خبيئة القرنة قبل اكتشافها في العصر الحديث، وكانت تقول على المومياوات "مساخيط"، ألا يثير هذا شكا في الحكم المطلق حول تأليه المصري القديم للفرعون؟ ومدى جدية هذا التأليه بعيدا عن التشريفات والوثائق الرسمية؟ تعالى نطالع معا ما رصده الدكتور "أحمد صالح" من تضرر المومياوات من السرقات القديمة. علما بأن بعضها وفقا لما أشارت البرديات تم خلال أسابيع قليلة بعد الدفن في بردية ماير يعترف عامل قطع الأحجار "آمون-بانفر" فيقول: انتزعنا الذهب الذي يغطي مومياء الملك "سوبك-ام-ساف" وكذلك التعاويذ والحلي التي كانت على عنقه، ووجدنا كذلك مومياء الزوجة الملكية وانتزعنا ما يوجد عليها أيضا ثم أشعلنا النار في تابوتيهما قطع رأس الملك سيتي الأول، وشق بطنه، قطع رأس الملك رمسيس التاسع قطع ذراعي الملك سيتي الثاني من الجذع تماما قطع الساق اليمنى لأمنحتب الثاني وتحتمس الثاني تحطيم رأس وجذع رمسيس السادس بحثا عن الجواهر الملفوفة في الكتان قطعوا الذراع اليسرى للملك أمنحتب الأول قطعوا ساق أمنحتب الثالث اليمنى وكسروا ظهره قطعوا أصابع مرنبتاح وعضوه الذكري حالة حرق التوابيت بعد السرقة، وحالات وجد فيها تقطيع بالسكين في جبهة الفرعون ووجهه، وحالة قطع العضو الذكري، كلها حالات لا يمكن تبريرها بهدف السرقة، وإنما تشير إلى احتمال الفعل الانتقامي والحقد الطبقي على من يدفنون ومعهم الذهب بينما الشعب جائع. أمر آخر له دلالة عميقة، فقد حاول الكهنة تدارك تلك الفضائح أمام العامة، وتخبرنا البرديات أن الكاهن "حريحور" أطلق تعبير "رديت-أوزير" ويعني "أوزرة" المومياوات كلفظ أنيق للتعبير عن تقطيعها بالسكاكين! يشبه ما حدث للفراعنه بما حدث للإله أوزيريس من تقطيع جسده بيد أخيه ست!! يعني محدش كبير على التقطيع حتى الإله أوزير وهذا الأمر لا ينتقص من الألوهية في شيء. طيب ندع سلوك اللصوص جانبا وننظر لسلوك الكهان أنفسهم ومدى إيمانهم بقداسة تلك المومياوات، عندما كان يأتي فرعون جديد قوي ويضبط البلاد كان يطلب عادة إعادة ترميم ودفن المومياوات المخربة، وهنا ترك لنا الكهنة وفقا للدكتور أحمد صالح في كتابه تراثا من الفهلوة والفبركة يتنافى مع أدنى إيمان بالقداسة، فلفوا جثمان تحتمس الثالث بالكتان وحوله أربعة مجاديف خشبية للإيحاء بتماسك الجثمان، ووضعوا قطع من عظام طيور مكان بعض القطع المفقودة من مومياء أمنحتب الثالث، ووضعوا ساق رمسيس القادم المقطوعة عند رأسه ولفوها بالكتان، وياما الكتان بيداري!! كما قلت، تلك السلوكيات من عمال المقابر الذين صاروا لصوصها، ومن الكهنة أنفسهم، لا تقوم دليلا ينفي تأليه المصري القديم تأليها حقيقيا راسخا للحاكم، ولكنها تثير شكوكا وتدعونا للبحث أكثر، وتطالبنا بأن نفسر كيف يتسق تأليه الفرعون مع "تقليبه"؟ وتدعونا للتدقيق أكثر فيما نردده من مقولات تتحول مع الوقت لتابوهات