كان شديد الإحساس بمآسي العالم وبؤس الوضع البشري، وعاش حياته القصيرة في المآسي والفواجع ولم يستطع أن يتزوج المرأة التي أحبها حتى درجة الجنون بسبب مرضه، حرمته الحياة من كل شيء ما عدا الشعر، لذلك قال الناقد الإنجليزي ماثيو أرنولد عنه إنه مع شكسبير في الصف الأول من الشعراء. تمر اليوم الذكرى ال193 على وفاة الشاعر الإنجليزي "جون كيتس"، الذي ولد في لندن عام 1795. قُتل أبوه الذي كان يعمل في تأجير الخيل والعناية بها في حادثة ركوب عام 1804 فتزوجت أمه بعد أسابيع من موظف مصرفي سرعان ما فرت منه واختفت تاركةً أطفالها الأربعة تحت رحمة القدر، لولا عناية جدتهم والأقرباء المحسنين، لتظهر بعد خمسة أعوام محطمةً جائعة ينهشها مرض السل الذي أنزل لعنته على الأسرة ليقتل الأم وأخاها ثم أبناءها الواحد بعد الآخر. ترك الدراسة وهو في السادسة عشرة من عمره مقررا الالتحاق كصبي عند أحد الأطباء المحليين فأظهر نجاحا لا بأس به واجتاز امتحان الطب والصيدلة عام 1816. لكنه سرعان ما هجر الطب وقرر أن يهب حياته للشعر وحده. في تلك السنة نشر أول قصيدة له وهي سونيتة "آهٍ أيتها العزلة" التي حاكى فيها أسلوب الشعراء الكلاسيكيين العظام في الوزن والقافية، متغنيا بعشقه الصوفي للطبيعة ومؤكدا أن "أعظم النِعَم" هي أن تكتب الشعر لا مراقبا خارجيا للوجود بل منغمساً في أعماق الوجود والطبيعة. وفي سونيتة أخرى نشرها في العام نفسه إثر قراءته لترجمةٍ لأعمال هوميروس يقارن كيتس بين قراءة الترجمات الشعرية والتجارب المليئة بالرهبة والخشوع من أمثال تلك التي يتعرض لها علماء الفلك حين يكتشفون كوكباً جديداً أو البحارة المغامرين حين يلاقون المحيط الشاسع الغامض. كتب عددا من القصائد والأناشيد (odes) التي عدها النقاد من بين أفضل القصائد القصار في تاريخ الأدب الإنكليزي ومنها "لاميا" و"عشية عيد القديسة أغنز" و"نشيد الى الكآبة" و "نشيد الى عندليب" و "نشيد للخريف". ليستسلم بعدها إلى السل الذي كان قد تسلل لجسده الواهن وأرغمه على الرحيل إلى إيطاليا حيث أغمض عينيه إلى الأبد موصيا أحد خلصائه أن ينقش على قبره: (ها هنا يرقد إنسانٌ كُتِبَ اسمه على صفحة الماء!). ومن أشعاره قصيدة «نشيد للشعراء»، يقول فيها: «شعراءَ الهوى والحُبور قد نسيتم أرواحَكم على الأرض ! فهل عندكم –في السماوات- أرواحاً أخريات يُبعَثْنَ للحياة .. في أقاليمَ جديدة ؟ ** نعم ، وتلك اللواتي في السماء يحّدِّثنَ الشموسَ والأقمارَ وضجيجَ الينابيعِ العجيبةِ وثرثراتِ الرعود وهمسَ أشجارِ الجِنان وهمسَ إحداهنّ للأخرى إذ يفترِشنَ –في رقةٍ.. وخلوِّ بال- عشبَ الفراديسِ الذي لا يرعاهُ إلا خُشوفُ دايانا ، تحتَ خيامٍ من زُرقِ الزهورِ وحيث الورودُ أعارت شذاها لأزاهير الربيعِ الصغيرات واتّخذت عطراً لها .. ما له في الأرضِ من شبيه. وحيث العنادلُ لا تنشد أوهامَ الذاهلين ، بل حقائقَ قدسيةً شجيّة وألحاناً عذبةً حكيمةً لحكاياتٍ وتواريخَ ذهبيةٍ عن السماءِ وأسرارِها ** هكذا تعيشونَ في العُلا وترجعونَ للأرضِ من جديد. والأرواحُ التي تركتموها خلفكم تعلِّمُنا ها هنا كيفَ نبحثُ عنكم هناك حيث تمرحُ أرواحُكم الأخريات ولا تهجعُ أو تشبع. وهنا تديمُ أرواحُكم الأرضيّةُ حديثَها الى الفانينَ : عن أيامِهم القصيرةِ عن بلاياهم وأفراحِهم عن هواهُم وأحقادِهِم عن مجدِهم ومخازيهم عما يُعليهُم .. أو يَجدعُ منهم الأنوفَ. هكذا تهَبوننا الحكمةَ في كلِّ يومٍ رغم أنكم .. فررتُم بعيداً.. بعيدا ** شعراءَ الهوى والحُبور قد تركتُم أرواحَكم على الأرضِِِِِِِِِِِِِ! فعندكم –في السماوات- أرواحٌ أخريات يُبعَثْنَ للحياةِ .. في أقاليمَ جديدة!»