في معالجة درامية لنص «ميراث الريح» ل «جيروم لورانس»، تقدم حاليا باسم «المحاكمة»من إنتاج المسرح القومي، يحذر المخرج طارق الدويري في عرض «المحاكمة» من كارثية متاجرة الحكام بالدين، وتسخير رجال الدين لخدمة مطامعهم، واستغلال جهل العامة للسيطرة على عقولهم، وهو ما وصل ب"المدرس-محور الأحداث" إلى منصة القضاء، بتهمة الدعوة للتحرر وإعمال العقل رفضًا لهيمنة وسطوة من يدعون أنهم وسطاء "الله" في الأرض. طارق الدويري.. في حواره ل"البديل" يبدي قلقه من تكرار عدم إعمال المصريين لعقولهم في التجربة الانتخابية الرئاسية المقبلة، وهو ما يجعله غير متفائل بالقادم.. * إعداد «المحاكمة» استغرق عامًا ونصف، هل السبب في ذلك يعود لمواجهة التدخلات الرقابية لمنع إنتاجه، خاصة أن ذلك كان في ظل حكم الإخوان للبلاد؟ لم يواجه العمل أي مشكلات مع الرقابة، والحقيقة أني قدمت النص لعدة فرق تابعة للبيت الفني للمسرح، وكان الرفض هو الرد دون إبداء أسباب واضحة، وزاد إصراري على تقديمه بعد تولي الإخوان للحكم لمناسبة ما يطرحه مع الفترة الحرجة التي عشناها جميعا. وبعد الثورة مباشرة، وجدت أن الإخوان تحولوا إلى مرحلة "الصوت العالي"، وأصبح لسان حالهم ناطقًا باسم الدين، وهو ما زادني حماسًا لتقديم المشروع إلى الفنان خالد الذهبي، مدير المسرح القومي، ووافق عليه في الوقت الذي تم تأجيل تنفيذ المشروع لعدة مرات بدعوي عدم وجود ميزانيات للإنتاج، ولا أخفي سرًا أن شكوكًا انتابتني تتعلق بعرقلة خروج العرض لأسباب تتعلق بما يشهده الشارع المصري وقتها، إضافة إلى وجود الإخوان على رأس السلطة، ودعم "السلفية" لهم في الشارع، وبعد سقوط حكم "المرشد" وأتباعه، بدأ المشروع يتحرك ببطء شديد حتى ظهوره على خشبة مسرح ميامي مؤخرًا. * ولكن ألا ترى أن تقديم هذا العرض في ظل حكم الأخوان، أكثر ملائمة من عرضه الآن؟ هذا ما كنت أتمناه، ولكن تقديمه الآن لا يقلل من أهمية عرضه، لعدة أسباب أهما التحذير من عدم الوقوع في فخ تكرار التجربة، في «المحاكمة» نكشف عن سوء حياة البسطاء على كافة المستويات، خاصة الاقتصادية والسياسية، ومدي الانزعاج الذي يمكن أن يسببه من يحكمون عبر شعارات زائفة وسحرية تجعل من "الدين" ستارًا لكل أفعالها، وهو ما أدى إلى سرعة السقوط، لأنهم أرادوا تجنيب العقل، وهو ما نناقشه في العرض بشكل دقيق، من خلال واقعة اتهام "المدرس" بتلويث عقول الأجيال الجديدة، وتثوير عقولهم حتى تصبح قادرة على الوعي بزيف ما يرمي إليه المتاجرين باسم "الله" على الأرض. * ولماذا لجأت إلى إعادة كتابة نص «لورانس» وتغيير اسمه إلي «المحاكمة»؟ كان ملحا قيامي بإعادة كتابة النص، ليتناسب ووجهة النظر التي أطرحها وأتبنى تقديمها في العرض، دون الإخلال بالدراما التي يقدمها مؤلفه، نسير معًا في نفس الاتجاه، ولكن الرؤية التي أقدم بها العمل كانت في حاجة لإعداد النص وكتابته مرة أخري بما يتسق وواقعنا، وفي البداية قدمت الشخصيات مجردة من الأسماء التي تعرفها، ولكن بعد نقاش مع إدارة المسرح توصلنا إلي ضرورة تعريفها، كما نشاهد في العرض لتصبح ما بين "السيد الفاضل"، و"المحامي" وهكذا.. * ولكن ألا ترى أنك تناقش قضية مجتمعة يشعر بها كل الناس في الوقت الذي جاء فيه خطاب العرض أقرب إلي الجمهور "النوعي"، بما يجعل العمل مجهد ذهنيًا للجمهور العادي؟ هذه أكاذيب بعيدة تمامًا عن العمل، الذي يقدم بلغة أعدت لتصل إلي قلوب الناس، دون معاناة أو إجهاد، وليس ملحًا أن يأكل الجمهور كل الوجبة، ومؤكد أنهم يستوعبون في النهاية بعض الأسئلة والأفكار التي يثيرها العرض، ويجب أن ندرك أن البسطاء يدركون ويستوعبون أكثر مما نتخيل، ومن يروجون لغير ذلك يقدمون دعاية للمثقفين دون غيرهم. لذلك قصدت في العرض إبراز ضرورة الالتفات إلي البسطاء، الذين يجب أن نشعرهم بالاطمئنان من خلال سد احتياجاتهم الحياتية، وليس كافيًا أن يبذل المثقفون جهدًا لمقاومة الفكر الظلامي، هناك معركة أخرى تتعلق بتوفير الخبز لمن لا يجده. * ولكن ما هو سر خفوت "الإضاءة" في العرض، هل يعزز ذلك من محاولتك تقديم صورة بصرية خاصة تتميز بها عروضك؟ الإضاءة مثل الكاميرا، ترى أشياء ولا ترى غيرها، من هنا يمكننا التحكم في عين المشاهد، وتوجيه نظره لمنطقة معينة دون غيرها، للوصول إلى حالة التركيز التي نريدها، إضافة إلى عملي بأسلوب أقرب إلى لغة السينما التي تهتم بالكادر وزواياه، وأعمل بالتعاون مع مصمم إضاءة العرض على تحقيق ذلك بشكل مدروس يتناسب ولحظات العمل، إضافة إلى تأكيد بعض وجهات النظر التي تضمنها الدراما هنا، والمؤكد أن الإضاءة لا تنفصل عن الإيقاع العام للعرض. * هل عانيت أثناء مراحل إنتاج العرض من تقصير "الإدارة"، وإن حدث ذلك بما تفسر الأسباب؟ الاهتمام بالعروض في البيت الفني للمسرح يختلف من عمل لآخر، بحسب طبيعة المشاركين فيه من النجوم من عدمه، لأنهم يعتقدون أنه من الضروري وجود "نجم شباك" للحصول على مزيد من الاهتمام بالعرض والترويج له دعائيًا، وهو ما يهدر كثيرًا من الطاقات الموهوبة والقادرة على تقديم مسرح نحتاجه كثيرًا، ويجب أن تتحدد قيمة العمل بحسب ما يتضمنه من قيمة فنية، وبشكل شخصي لا أستعين بالنجوم إلا بأصحاب القيمة ووجهات النظر، ومن لديه القدرة على مشاركتي في تقديم مسرح يحترم جمهوره، وذات توجه تنويري، والرهان على غير ذلك جريمة في حق مسرح الدولة. * تشير في عرضك إلى هزلية «المحاكمة» وزيفها، بما يقربها إلى الواقع، كيف ترى وقائع محاكمات رموز الإخوان، ومن قبلها رموز نظام «مبارك»؟ المحاكمات الدائرة الآن لا تتناسب وما تمناه شباب الثورة، لذلك تنتهي جميعها إلى اللا شيء، وبصرف النظر عن كوني ضد "الإخوان" إلا أن ذلك لا يعني قبولي بفكرة القبض العشوائي علي شبابهم وتعذيبهم بما يهدر حقوقهم وكرامتهم دون سند، علينا المقاومة بالفكر دون اللجوء للحلول الأمنية، هذا ما ندعو ونروج له في «لمحاكمة».