ربما تختلف مع موليير في رأيه وترى أن الحياة أبيض أو أسود، وتجزم أن الفضيلة لابد أتباعها وإن كانت مملة، وتهرع هربًا من النقيصة وإن كانت مبهجة، إلا أن الحياة لا تصير هكذا، فقد تبدو الفضيلة مبهره تجذب من يتحلى بها في نفوس العامة لكن إذا اقتربت من مقتنيها ربما تجد في الفضيلة عين النقصية، وكذلك العكس، فموليير كان دائما يرى أندور الملهاة أن تصلح أخطاء الإنسان من خلال إضحاكه. تحل اليوم ذكرى وفاة الكاتب الفرنسي الشهير الذي اتخذ من الملهاة سبيلًا ليواجه حياته البائسة؛ فشهدت العاصمة الفرنسية في الخامس عشر من يناير لعام 1622 ميلاد جون باتيست بوكلان "موليير"، الذي شغف بالمسرح منذ نعومه أظافره بفضل جده العاشق للفن، إلا أن الحيرة لازمت موليير الذي كان يفكر في مهنة والده الذي كان يعمل في صناعة الأثاث والمفروشات وقد جذبه المسرح وأخذ يتابع كل ما يعرضه الممثلون والممثلات وأعجب بها خصوصاً ما كان يعرض من أدوار كوميدية، ولازمه الحلم بأن يصبح يوماً ما ممثلاً. انضم موليير لفرقة مسرحية تدعى "بيجارت" وحاول المجموعة أن توفر قدراً من المال لأنها كانت محط إعجاب الكثيرين، لكن الحظ لم يكن يحالفها، ولم يعطيه حلمه وسرعان ما أفلست وكان لهذا الحدث أن زج به في السجن بسبب الديون التي تراكمت عليه. غادر باريس هو ورفاقه عام 1645م وانضم لفرقة أخرى، حيث كان الهدف الذى يسعى إليه الكاتب حينها هو جمع ثروة مالية كبيرة. وأصبح موليير مفتونا بالمسرح، مؤمنًا أكثر من أي وقت مضى، بأنه المجال الوحيد الذي يمكن أن يساعده على أن يعطى لحياته معنى وهدفًا ساميًا، وفي تلك السنوات الصعبة والكالحة التي كان يعيشها، قام مع رفاقه القدامى في "المسرح المجيد" بأعداد مسرحيات تراجيدية قديمة لم تسمح لهم بالحصول على المال، لكنها ساعدتهم على البقاء في قلب العالم الذي اختاروا العيش فيه، أي عالم المسرح. وبعد جولة في المحافظات الداخلية، عاد موليير وزملاؤه إلى باريس. إلا أن الحظ خذله للمرة الثانية، لكثرة التنقل بين مدن متفرقة، وكان عليه أن يستقر في مدينة "ليون" عندها دعاه الأمير "دي كونتيس" لكي يعمل في ولايات الجنوب، عند ذلك تنقل موليير في أماكن مختلفة وقضى شهوراً طويلاً متنقلاً. هذا وقد لاقت إحدى مسرحياته الإعجاب، مما جعله يهتم بأشياء كبيرة وصغيرة ويعطي بعضاً من ملاحظاته على أشياء كثيرة منها وهذا الأمر أثار غضب "الأمير كونتي" وقام بطرده هو ومن معه من أعضاء فرقته. وبعد طرده قام بجولة في المحافظات الداخلية، فعاد موليير وزملاؤه إلى باريس، وهناك قدموا عرضا أمام الملك لويس الرابع عشر، وفي هذا العرض أبرز موليير قدرته الفائقة في مجال الفكاهة حتى أن الملك قهقه أكثر من مرة، وعقب هذا العرض، بدأ موليير يرتقى سلم الشهرة بسرعة ومن دون أن تعترضه عراقيل أو صعوبات معنوية كانت أم مادية. وكانت مسرحية "الطائش" هي الأولى التي كتبها موليير. وقد حقق بها نجاحا لفت إليه انتباه أحباء المسرح الذين ظلوا يضحكون على مدى ثلاثة أشهر. غير أن النجاح الكبير تحقق مع "المتزحلقات". وبعد ما قدم موليير "الطائش" أصبح نجما ساطعا في مسارح باريس، قام بتقديم عدة عروض مسرحية نثرية وشعرية للبلاط الملكي ولجمهور المشاهدين الباريسيين، كتب أعمالا خاصة ومتنوعة في كل أصناف الكوميديا التي كانت معروفة في عصره: كوميديا الباليه، الكوميديا الرَعَوِية "تصور حياة الرعاة في الريف"، الكوميديا البطولية وغيرها. فكان "موليير" ممثلا ومديرا للفرقة في نفس الوقت، ساهم بقدر كبير في وضع أصول الإخراج المسرحي، من خلال إدارته وتوجيهاته الدقيقة لأداء الممثلين على خشبة المسرح. أما عنه كمؤلف فقد قام لأجل خدمة أعماله الكوميدية وتوصيل أفكاره إلى جمهور المشاهدين، بتوظيف كل أنواع ودرجات الفكاهة، من المقالب السخيفة وحتى المعالجة النفسية الأكثر تعقيدا، هاجم في أعماله المشهورة الرذيلة المتفشية في أوساط المجتمع، وكان يقوم بخلق شخصية محورِية تتوفر فيها هذه الصِفات، وتدور حولها أحداث القصة. انتهت حياة الكدح والمعاناة للكاتب الفرنسي موليير في 17 فبراير عام 1673م وقدم آخر أعماله "المريض الوهمي"، ليفارق الحياة ساعات فقط بعد تقديم العرض الرابع لهذه المسرحية.