يقول عميد المؤرخين الثقات «بلوتارخ»: إنه «لا يمكن تحديد تلك السن التي تنتهي عندها قدرة القائد على قهر أعدائه، ولا قدرة دون جوان على غزو قلوب العذارى. لكنه في الأغلب والأعم لا ينفع في الحرب وفي الحب إلا الشباب». وعندما ولى «فيليب» ملك مقدونيا ابنه الإسكندر، كان الإسكندر آنذاك شابا في التاسعة عشرة من عمره، وهي السن التي تولى فيها القائد الشاب «أسامة بن زيد» قيادة جيش فيه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص. والتاريخ المصري الحديث شاهد على دور الشباب في العديد من المجالات، لاسيما السياسي، وليست الحركات الطلابية التي مارست دورها التاريخي مع الزعيم مصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول ببعيدة، حتى إن المؤرخ الفرنسي والتر كير قال عنها: «لم يلعب الطلاب دورا في الحركة الوطنية مثل الدور الذي لعبه الطلاب في مصر». وحينما انفجرت ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، أجمعت كل الآراء والتحليلات على الشباب كان وقود تلك الثورة، وهكذا كان الحال في الموجة الثورية التالية في 30 يونيو 2013. وعاود دور الشباب الظهور في صدارة المشهد المصري مجددًا في فعاليات الاستفتاء الأخير على الدستور الجديد، لاسيما مع تأكيد البعض أن مؤشرات مشاركة الشباب في الاستفتاء سجلت نسبا متواضعة، وربط تلك المعدلات بما تنبئ به بالحسابات المعقدة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، خاصة أن هذه الفئة هي الأكثر نشاطا والأسرع استجابة للمشاركة في العملية السياسية بعد ثورة 25 يناير. ويكشف تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، دور وأهمية الشباب في بناء المجتمع المصري، من خلال رصده أن الفئة العمرية من "18 – 29 سنة" داخل الجمهورية، يصل تعدادها إلى حوالي 19.4 مليون نسمة، بواقع 23.6% من إجمالي السكان، أي ما يقرب من ربع عدد الشعب المصري، محددًا نسبة الذكور ب 51.2% مقابل 48.8% للإناث. من جانبهم، أرجع المحللون أسباب عزوف الشباب عن المشاركة في الاستفتاء على الدستور إلى أسباب غير مقنعة، مثل الامتحانات وظروف العمل. فيما أنكر آخرون ضعف نسبة مشاركة الشباب، مؤكدين أن الشباب تواجد بكثافة. حول هذه الكتلة وتوجهها أو دورها في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، تحاول «البديل» قراءة السيناريو المتوقع خلال الاستحقاقين المقبلين، وهل سيشارك الشباب في الاستحقاقين أم يحجم عن المشاركة! قال الدكتور صفوت العالم – الخبير الإعلامي وأستاذ الإعلام بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إن الشباب هم الأكثر نشاطا ومشاركة في العمليات الانتخابية والاستفتاءات، خاصة بعد ثورة 25 يناير التي جعلتهم يتطلعون إلى مستقبل سياسي أفضل، وهذا ما دفعهم إلى الإدلاء بأصواتهم في استفتائي مارس 2011 ، وديسمبر 2012 ، كما كانوا من أوائل المتواجدين في الانتخابات الرئاسية. وأكد أن كل ما تردد بشأن عزوف الشباب عن المشاركة في الاستفتاء الأخير على دستور 2014، معلومات تفتقد إلى الدقة ؛ حيث رجح البعض أن الامتحانات حالت دون مشاركة الشباب، رغم أن هناك شريحة كبيرة منهم أنهوا امتحاناتهم،وأغلبهم تخرجوا من التعليم العالي والفني والمتوسط، لكن الأرجح أن العنف في الجامعات وقانون التظاهر والانتقادات التي توجه لثورة 25 يناير والمشاركين فيها، كلها من الأسباب التي جعلت شريحة كبيرة يقاطعون الاستفتاء، رغم عدم انتمائهم إلى جماعة الإخوان. وأضاف «العالم» أن الخطاب الإعلامي المتحيز، والدعوة للنزول والتصويت ب"نعم" لها دور في تخوف البعض من الدستور، وضعف أو انعدام ثقتهم فيما تبثه بعض القنوات ومواقع الأخبار، مطالبا بالالتزام بأساس العمل الإعلامي المتمثل في الحيادية والموضوعية، و نقل الوقائع دون توجيه أو إبداء رأي، منتقدا المستشار نبيل صليب الذي حاول تفسير بعض الأمور خلال إعلان النتيجة الرسمية للاستفتاء، قائلا: «"صليب" قامة كبيرة، وكان يجب أن ينأى بنفسه عن إعطاء معلومات غير صحيحة فيما يخص عزوف الشباب عن المشاركة». أما الدكتور يسري العزباوي – الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، فقال إن الوجوه المعروفة من الشباب المشاركين في الصورة، صدرهم البعض كأنهم يمثلون فئة الشباب كاملة وهذا غير صحيح؛ حيث توجد شريحة كبيرة ليست لها أي توجهات سياسية، ولا قائد لهم يقود تحركاتهم، ومن ثم فالنسبة التي شاركت في الاستفتاء تعد معدلا طبيعيا، حين تؤخذ في الحسبان الظروف السياسية وحالة الاقتسام التي نمر بها. وأكد «العزباوي» أن كل من صوتوا في الاستفتاء غير مسيسين وغير مشهورين، وربما كان تواجد السيدات وكبار السن بكثافة سببا في عدم وضوح الأعمار الأصغر، رغم أنها تمثل المشاركة الكلية طوال الوقت؛ لافتا إلى أن الفريق أول عبد الفتاح السيسي – وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، عندما خاطب السيدات والريفيات كان يهدف إلى تشجيعهن على النزول والإدلاء بأصواتهن؛ لأنه يعلم أن الشباب لا يحتاج من يحشده، عكس كبار السن والنساء الذين كانوا يتهمون بأنهم ضمن «حزب الكنبة». وأضاف أن التخوفات من عزوف الشباب عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلتين ليست في محلها؛ لأن الاستفتاءات ليست لها نفس شعبية الانتخابات، خاصة أن الحكومة وقتها بوسعها إحكام السيطرة على الجماعات، وتهدئة حالة الغليان المستمرة فيها، مشيرا إلى أن أصحاب المصالح يظهرون وقت الانتخابات والمال وحده من يحكم، لأن «الزيت والسكر بيجيب نتيجة مع ناس كتير من حزب الكنبة». فيما قال محمود السقا – أمين تنظيم حملة مرشح الثورة وأحد المنشقين عن حملة تمرد، إن مقاطعة البعض جاءت رفضا للجنة الخمسين؛ التي ضمت بعض من لا يحظون برضانا، كما غابت الشفافية والوضوح عن «الخمسين»، وفضلوا وجود الفئات العمرية الكبيرة، وعدم التمثيل الكافي للكوادر الشبابية؛ وهو ما أدى إلى الاعتراض على بعض المواد مثل المحاكمات العسكرية وغيرها. وأشار إلى أن الإسراف في الدعاية والتوجيه من الإعلام؛ ربما مثلا عوامل استفزاز للشباب الذي شارك في ثورة 25 يناير وفي موجتها الثانية في 30 يونيو، خاصة أنهم رأوا أن الاستفتاء لم يكن على الدستور لكنه كان على شرعية «السيسي»، وهذا الوضع لن يختلف كثيرا في الانتخابات المقبلة، إذا استمرت تلك الممارسات كما هي. وأضاف «السقا» أن الشرعية لشباب الثورة، رغم أنهم غير قادرين على التوحد؛ بسبب ضعف الإمكانيات ومهاجمة الإعلام لهم ووصفهم بالعملاء، لافتا إلى أن الدولة عجزت عن استيعاب هذا الجيل وفشلت كذلك في تقديم بديل يحتوي طموحه ومطالبه، وانشغل المسئولون بال «تطبيل» للسلطة؛ فلم يجدوا غير «العواجيز» الذين اعتادوا قول "نعم" في أية انتخابات أو استفتاءات.