أسخف سؤال لا يزال يوجه إلى حمدين صباحي، المرشح الرئاسي في انتخابات عام 2012، التي كانت أول انتخابات لرئاسة الجمهورية أعقبت ثورة 25 يناير 2011، هو سؤال: لماذا لم تتفق أنت والذين ترشحوا معك للرئاسة بعد الثورة، على مرشح رئاسي واحد يعبر عن الثورة وأهدافها، بدلاً من أن تتنازعوا ولا تتنازلوا.. فوقعت البلاد في قبضة جماعة الإخوان، ووجدت نفسها بين خيارين بائسين قاسيين، أحدهما من الإخوان والثاني من النظام القديم..؟!. وقد دأب حمدين في مرات كثيرة، على الرد بصيغة مهذبة راقية، تحمل نفسه المسئولية ضمن غيره، وبوعد يقول: نعم لقد وعينا وتعلمنا الدرس.. ونعد أن مثل ذلك لن يتكرر على أي نحو في المرة القادمة. إن ذلك في رأينا أكثر الأسئلة سخفاً وزيفاً، مما يوجه عادة إلى "حمدين".. سواء في لقاءات البرامج التليفزيونية السياسية، أو في مختلف المناسبات الأخرى!. والبعض كان ولا يزال يوجه السؤال بسوء نية، والبعض بحسن نية، وهؤلاء وأولئك بادروا بالقول، ونحن أمام استحقاق انتخابات رئاسية جديدة، في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، المكملة لثورة 2011 المنقذة المصححة لمسارها، بادروا بالقول الغريب: إن المرشحين "القدامى" أي الذين ترشحوا لانتخابات 2012، ينبغي أن يفسحوا الطريق "لوجوه جديدة" قادمة.. ولا يترشحوا هذه المرة.!! وفضلاً عن أنه ليس من حق أحد أن يطالب أحداً أو يقول بمثل ذلك، فإنهم قالوا به مبكراً، وحتى قبل أن يتركز الحديث على نحو ما هو دائر الآن على اسم الفريق عبد الفتاح السيسي..!. وإذا كنا لا نعرف كيف يمكن أن يقال عن المرشحين قبل عام أو أكثر قليلاً (القدامى!).. فإننا نكاد نعرف أو يبدو لنا أن المقصود، في كل هذه الحالات، هو: "حمدين صباحي"!. بل إن أكثر الذين سألوا "حمدين" أو رددوا ذاك السؤال السخيف المزيف: لماذا لم تتفقوا في 2012 على مرشح واحد.. كان هواهم، بل تحيزهم الواضح، هو للمرشح الإخواني المنشق عبد المنعم أبو الفتوح.. وبعضهم افتضح ارتباطه بجماعة الإخوان الآن بعد سقوط نظامهم، وانضموا إلى فرق وفيالق الهجوم المستعر ضد الثورة الشعبية في 30 يونيو 2013!. وهذه النوعية لا تستحق الحوار والنقاش لأنه لا يجدي معها، ومعظمهم كرهوا ترشح "حمدين".. لسبب أساسي هو أنه: جاء على طريق جمال عبد الناصر. وبينهم من ينتمي إلى توجهات من اليسار "الثوروي" الاشتراكي، أو الليبرالية.. لكنهم لمدى كراهيتهم المريضة لثورة يوليو ومصر الناصرية وقائدها، فضلوا عليه وروجوا بحمية.. حتى لمرشح إخواني منشق!!. لكن الذين يقولون ويسألون، بحسن نية وبقدر من التشويش طالهم وأربكهم، يمكن أن نناقشهم، ونقول لهم: (1) إن حمدين بتاريخه النضالي المعروف للكافة، منذ كان قائداً طلابياً بارزاً متميزاً في السبعينيات ضد النظام الذي أسس لكل هذا الهوان والتخريب الذي ساد وزاد في مصر ابتداء من 1974 إلى الآن، كان واضحاً بعد ثورة 25 يناير 2011 الشعبية، أنه بجلاء مرشح قوى الثورة وجماهيرها الأول والحقيقي… وفي تلك الانتخابات ذاتها، أعطته هذه الجماهير أصواتها، وكان هو الأول في النتائج خاصة بالنسبة للمدن الكبرى وفي المقدمة القاهرة والاسكندرية فضلاً عن محافظات كبورسعيد وكفر الشيخ ومدينة المنصورة وغيرها، وكان بالنتائج ثالث ثلاثة مرشحين، فارق الأصوات بينهم ضئيل، والفارق بينهم وغيرهم كبير..!!. (2) إن حمدين هو الوحيد من بين هؤلاء المرشحين الذي أعلن قبل قيام ثورة 25 يناير 2011، ترشحه للرئاسة في مواجهة "مبارك الأب" إذا ترشح في الانتخابات المقبلة، أو "مبارك الابن" إذا حل محله، بكل ما يعنيه ذلك من مخاطر داهمة هائلة.. من قبل نظام يزداد حمقاً وشراسة، لكن حمدين تقبل ذلك راضياً معرضاً حريته وحتى حياته لأخطار بكل الاحتمالات، بوطنية وشجاعة معهودة، لدى قيادي وطني ضحى في كل مراحل ومحطات حياته وارتضى السجن لمرات تقرب العشرين، في سبيل قضايا حرية وطنه وأمته والعدل الاجتماعي الحقيقي لأوسع الجماهير الشعبية. (3) نرجو من كل من لا يزال يشكك، أو يسأل السؤال السخيف المزيف، أن يرجع إلى صفحتين كاملتين من جريدة "الوطن" في عددين على التوالي، عقب انتخابات 2012، للكاتب الباحث البارز د. عمار علي حسن، يقدم فيهما شهادته وهو الذي كان في مقدمة من أداروا "لجنة المائة" لبذل المساعي في سبيل اختيار مرشح واحد لقوى الثورة بعد 25 يناير، وهو يؤكد بوقائع وتفاصيل وحوارات بالحرف.. كيف أن "حمدين صباحي" كان يبدي استعداده دائماً وفي كل لحظة للتوافق وللتنازل، وللنزول على الرأي الذي تصل إليه اللجنة!.. بينما كان يتعنت "أبو الفتوح"، يتهرب تارة.. أو يرفض بوضوح عند الاضطرار، مؤكداً قولته المشهورة آنذاك: (حتى لو ترشحت زوجتي نفسها، فإني لن أتنازل أمامها!!). وهي عبارة منشورة أيضاً في حواراته الصحفية قبيل إجراء الانتخابات!. (4) إن حمدين الآن.. لم يقل أكثر من استعداده للترشح في انتخابات 2014، من أجل تحقيق أهداف (ثورة 25 يناير 30 يونيو).. لكنه بنفس القدر على استعداد للتنازل عن هذا الترشح على الفور، عند التوافق العام على أي مرشح آخر يكون برنامجه هو برنامج الثورتين.. سواء كان الفريق السيسي إذا أعلن ترشحه أو سواه. لم يقل "حمدين صباحي" أكثر من ذلك. لكنها حملة التشويش بل والتشويه ضد حمدين، التي لم تتوقف يوماً خاصة خلال السنة الماضية، سواء عبر أبواق جماعة الإخوان.. أو على ألسنة كل خصوم طريق جمال عبد الناصر.. ومع الأسف حتى على ألسنة بعض من اعتادوا تقليدياً أن يشعروا "بغيرة" حمقاء تجاهه ممن يقدمون أنفسهم على أنهم تحت الراية الناصرية!!. (5) وحتى أولئك الخصوم لطريق جمال عبد الناصر فإنهم حينما يرفعون اليوم صور الفريق السيسي.. لم يكتفوا بصوره ملتصقة بصور عبد الناصر.. أو حتى بصور عبد الناصر وصور النقيض الكامل لطريقه "السادات"!!.. بل باتوا لفرط الوقاحة والبجاحة يرفع بعضهم صور (السيسي إلى جانب مبارك!!). البعض، شعبياً، يريد بإخلاص وصدق ويرجو ويحلم.. بالسيسي على طريق جمال عبد الناصر. لكننا وصلنا حتى إلى منحدر.. ليس الذين يأملون في (السيسي.. كناصر جديد)، ولكن في (السيسي.. مبارك جديد)!!. وإذا أفصح السيسي عن برنامج للاستقلال الوطني اجتماعي ثوري بحق.. سيكون كثيرون ممن يتشدقون باسمه الآن: أول من يتمنون إزاحته وأعنف من يشنون عليه حرباً محمومة بلا هوادة وبلا عقل..!. .. رسالتان: (1) إلى المناضل الثوري النبيل حمدين صباحي: ستهاجمك كل النفوس المريضة.. وستكشف نفسها ووضعيتها ومدى وضاعتها: في دائرة السوء. فلا تحزن. إن الله معك. ولسوف ييسر لليسرى. ولكل ما في صالح وخير الكنانة وأمتها الكبرى وثورتهما المستمرة المنتصرة. (2) إلى صديق ورفيق العمر المناضل عزازي علي عزازي: بإذن الله العلي القدير اللطيف، سوف يطمئننا عليك ويتم شفاءك على أكمل وجه.. صديقي الثائر المثابر الشاعر، يقولون عمر الشقي بقي وأنت الولد الشقي في جيلنا.. وأحد أكثر صعاليكه تميزاً وجمالاً.. وأحد أعمق وأرقى ظرفاء عصرنا.. يباركك الله سبحانه.. ويقويك ويديمك لنا.