«عبد الناصر يا أسطورة.. حمدين شبهك أصل وصورة».. لم يكن يدور ببال الآلاف من مؤيدى المرشح للانتخابات الرئاسية حمدين صباحي الذين هتفوا بهذه العبارة إلا تلك الصورة الذهنية لدى بسطاء الشعب المصرى عن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، المتمثلة فى الثورة والاستقلال الوطنى والإصلاح الزراعى وحقوق العمال والمشروع القومى الكبير الذى يلتف الجميع حوله، أن يجد الفقراء ولو نفحة من تلك الجنة التى يوعدون بها فى الآخرة على الأرض. بالطبع لم يتطرق مرددو الهتاف بعفويتهم إلى تفاصيل الحقبة الناصرية ولا قصدوا إحداث صراعات سياسية، هم ببساطة وانسيابية ودون تعقيدات سياسية ربطوا بين أهداف ثورة 23 يوليو منذ ستين عاما، التى درسناها وحفظناها وكتبناها وكتبنا عنها وبين أهداف ثورة 25 يناير التى عشناها وشاركنا فيها وبذل فيها شباب مصر من أرواحهم ودمائهم، كذلك ربطوا بين خطاب ذلك الزعيم الراحل ومقاصده وبين خطاب هذا المرشح الذى أكد انتماءه إلى التيار الناصرى، رغم أنه لم يحصر نفسه بداخله متجاوزا حدود هذه الدائرة إلى الدائرة الأوسع، بكونه مرشحا شعبيا مستقلا يحمل أهداف المصريين جميعا، التى هى فى جوهرها أهداف ثورة يوليو.
أمين إسكندر -القيادى بحزب الكرامة- قال إنه بتحليل الأصوات التى حصل عليها صباحى سنكتشف أن أغلبهم ينتمون إلى الطبقات الاجتماعية التى استفادت من مشروع ثورة يوليو، فنجد فئات العمال والمحافظات التى يرتكزون فيها كما سنجد أن مدن الإصلاح الزراعى صوتت لصالح حمدين، فهذا هو العامل الأول حيث الطبقات الاجتماعية التى استفادت من مشروع يوليو وتمنت عودته.
العامل الثانى للتصويت لصالح صباحى ،كما يراه إسكندر، هو أنه نجح فى أن يقدم رؤية جديدة لمشروع ثورة يوليو برؤية عصرية وبلغة بسيطة عن طريق شمول برنامجه الانتخابى على العدل الاجتماعى وقيام النظام الاقتصادى به على المزج بين القطاع العام والخاص والتعاونى، والحديث عن قضايا الحرية والدور المصرى الريادى، فكان عبد الناصر جوهره وبوابته الرئيسية، مشيرا إلى الكاريزما التى تمتع بها صباحى مؤكدا أن الشعب المصرى يشعر بحاجة الآن إلى أهداف ثورة يوليو.
لذلك كان منطقيا أن يحصل صباحى على المركز الأول فى محافظات الثورة -كما سماها البعض- كالقاهرة والإسكندرية، كما حاز أصوات عدد كبير من الفلاحين والعمال والصيادين خصوصا فى مسقط رأسه محافظة كفر الشيخ. والأسئلة هنا هى هل كانت فكرة الإصلاح الزراعى تسيطر على عقل الفلاح وهو يضع إشارته على بطاقة التصويت لصالح صباحى، وهل كان العامل يستعيد أحاديث ناصر عن حقوق العمال وفضائلهم؟ وهل كان الشباب الثورى الجامح يحلم بوحدة عربية وبندية حقيقية مع التعامل مع القوى العظمى فى العالم، وبكرامة العيش فى الداخل والخارج للمصرى العربى الإنسان؟
رغم تعرض ثورة يوليو لعملية تشويه وتعرض تاريخها للاختصار حتى فى مناهج المدارس وتشويه الحقبة الناصرية، مما أثر على وعى الشعب سلبا، إلا أنهم فى وقت الاختيار وجدوا أنفسهم يميلون لا إراديا إلى أهداف تلك الثورة وأفكارها، هذا ما يؤكده الدكتور حسن أبو طالب -الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
أبو طالب أشار إلى أن برنامج صباحى تشابه كثيرا وتلامس مع مشروع عبد الناصر وأهداف ثورة يوليو، وذلك يتضح فى العدالة الاجتماعية وحماية الأمن القومى المصرى من الداخل والخارج واستقلال القرار المصرى لينبع من داخله، بالإضافة إلى الاتجاه القومى بالامتداد عربيا حيث التاريخ والحضارة والطموح المشترك تحت شعار الوحدة العربية.
وأوضح أن هذه الأمور جاذبة للأصوات لا سيما الاستقلال الوطنى والتعامل بندية مع جميع الدول، وهو ما جذب الشباب علاوة على العدالة الاجتماعية فى ظل نسب فقر متزايدة، وأن قطاعا من ناخبيه كان يؤمن بأن صباحى يمثل هذه الأفكار ويستطيع تحويلها إلى حقيقة، والبعض رآه رمزا من رموز الثورة، بينما نحو 25% منهم كان تطلعا إلى وجه جديد فى الحياة السياسية.
وأضاف الخبير السياسى أن بعض الأفكار التى مثلها صباحى وتلاقت مع ثورة يوليو هى الريادة المصرية والعدالة والمساواة بين الجميع ودعم مؤسسة عسكرية قوية تحمى الوطن، وتردع العدوان ولا تتدخل فى الحكم، وتعامل مصر بكرامة واعتداد وثقة بالنفس مع الآخر، سواء جيران أو قوى استعمارية قديمة أو جديدة، مؤكدا أن التحدى الحقيقى كان تقديمها فى ثوب جديد ووضع تصور منهجى عملى يحولها إلى خطة عمل، وهو ما اعتبره يمثل عبئا معنويا على حمدين ورفاقه لتطوير الأفكار داعيا إياه إلى إحيائها من خلال حزب.
نعم، ربما لم يعِ كثيرون ممن اختاروا صباحى تاريخه الناصرى ولا انتماءه لمدرسة الزعيم جمال عبد الناصر، ولا هم يتذكرون ثورة يوليو ولا أهدافها ولا ما تحقق أو لم يتحقق منها، ولم يتسم أغلبهم بقدر كاف من الثقافة التى تجعلهم يختارون مبادئ يوليو وينظرون لها، ولكنهم -وهو الواقع- صوتوا ضمنيا ودون وعى لأهداف ومبادئ هذه الثورة بشكل عفوى من خلال تصويتهم لصباحى.
الدكتور وحيد عبد المجيد -الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية- قال إن المصوتين لصباحى لم يختاروه باعتباره مرشحا ناصريا أو يمثل امتدادا لمشروع ثورة يوليو، لأن أكثر المصريين لم يعاصروا الثورة، والشباب لا يملك معلومات عنها فالذين انتخبوه أغلبهم لا يعرف شيئا عن ثورة يوليو، حسب قوله.
عبد المجيد أضاف أن الربط بين التصويت لصباحى كمرشح رئاسى فى الانتخابات الماضية وبين ثورة 23 يوليو غير صحيح، وأن قليلا فقط ممن أعطوا أصواتهم لصباحى لا تزيد نسبتهم على 10% هم الذين يعون صلته بثورة يوليو، أما الأغلبية فهم الذين لا يجدون تعبيرا عنهم فى الأحزاب والقوى السياسية المطروحة، فتوزعت بين صباحى وأبو الفتوح، فالأكثر محافظة اختاروا أبو الفتوح، بينما الأكثر انفتاحا وانشغالا بالعدالة الاجتماعية اختاروا صباحى.
الملايين لم تنتخب صباحى لأنه ناصرى، هكذا يرى عبد المجيد مؤكدا أنهم اختاروا الرجل المنحاز إلى الفقراء، مضيفا: لو كان شخص آخر غير حمدين رشح نفسه وقال «أنا ناصرى» لم يكن ليحصل على أصوات حمدين ولا شعبيته.
القيادى بحزب التحالف الشعبى الاشتراكى عبد الغفار شكر، قال إنه لم تكن هناك علاقة بين الفئة التى أدلت بصوتها لصالح حمدين صباحى فى انتخابات الرئاسة وثورة يوليو. مضيفا أن حمدين فى الفترة الأولى من الانتخابات كانت أسهمه منخفضة، ولكنها ارتفعت فى آخرها بعد أن اختلف خطابه وبدأ يتحدث كثيرا عن العدالة الاجتماعية والبطالة، فى الوقت الذى تجاهل فيه بقية المرشحين تلك القضايا وبالتالى الشباب الذين كانوا رافضين لترشح أى من رموز النظام السابق أو المرشحين المنتمين إلى تيار دينى بعينه، شعروا أن حمدين صباحى هو المرشح الرئاسى الوحيد الذى سيحقق لهم أحلامهم.
شكر أوضح أنه رغم من أن صباحى لم يتحدث عن ثورة يوليو فى أثناء الانتخابات ولم يستند عليها، فإن برنامجه كان يحمل نفس القضايا الإنسانية التى طرحتها ثورة 23 يوليو.
أما الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فيرى أن بعض الذين أعطوا أصواتهم لحمدين صباحى كانوا يرون أنه ممثل ثورة يوليو، وأنه سيحقق أهدافها، بينما البعض الآخر رأى أنه المرشح الوحيد من بين المرشحين للرئاسة الذى سيحقق آمالهم فى تطبيق العدالة الاجتماعية، حيث إن بقية المرشحين كانوا متمثلين فى اتجاهين، إما أنهم كانوا فى مرحلة من المراحل من نظام مبارك مثل الفريق أحمد شفيق والسيد عمرو موسى، وإما الذين كانوا يرفعون راية الإسلام، مؤكدا أنه لذلك فهؤلاء الشباب الرافضون أن يحكم مصر جماعة تدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، أو الذين ينتمون إلى النظام السابق وجدوا صباحى هو المرشح المناسب، باعتباره لا ينتمى إلى نظام مبارك، كما أنه لم يدع إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وإن لم يكن رافضا للإسلام ولذلك اكتسب أصوات كثير من الناخبين.