مازال فقراء مصر يحلمون بدخول جنة الأغنياء، ولكنهم رفعوا راياتهم البيضاء وعلموا أنهم مدحورين، وليس لهم مكان فيها حتى لو لأيام معدودة، فقد كانت ثورة 25 يناير أملًا وحلمًا في التغيير إلى الأفضل؛ خاصة بعد التخلص من فساد مبارك وحاشيته، ولكن تلك الأمال دُفنت بوجود المجلس العسكري في المرحلة الانتقالية، وبعد مرور ما يقرب من 3 سنوات من الثورة لم يحصد المواطن المصري إلا مزيدًا من الفقر والمرض والجهل، وخلال عام كامل من حكم الإخوان لم يقدم مندوبها في قصر الاتحادية أي مشروع لإنقاذ الوطن من ثالوث الفقر والمرض والجهل، وهو ما يعني فشل الإخوانيفى إصلاح أحوال البلاد والعباد؛ بل إن سياسات مرسي أدت إلى مزيد من الفقر؛ وهو أحد العوامل التي ساعدت على الإطاحة وعزله عن الحكم في أعقاب مظاهرات 30 يونيو. ورغم الإطاحة بعرش "الجماعة" وعزل الرئيس، إلا أن لعنة الفقر والمرض مازالت تطارد أبناء الشعب أينما ولّوا وجوههم، فلا مأوى لهم سوى الشوارع وأرصفتها، ومن هم أحسن حالًا يسكنون في بيوت أشبه بالمقابر -إن لم تكن هي المقابر- وهم يحملون أرواحهم على كفوفهم، لأن الموت محتوم في حادث مروع أو إهمال طبي أو ظلم أمين شرطة وربما موت من الجوع. ما بين عوادم السيارات والأتربة التي تتصاعد من كل الاتجاهات، تجلس عواطف رجب، وهي في العقد الخامس من عمرها، فقد وضعت بعض المناديل و"العسلية" أمام السجل المدني بمنطقة شبرا الخيمة، وتروي أنها تأتي إلى هذا المكان مع سطوع الشمس، ولكنها لا ترحل مع الغروب، بل تنتظر إلى منتصف الليل أحيانًا؛ طمعًا في "أهل الخير" الذين يعطوها القليل من المال، ولكن بيتها يحتاج لهذه الأموال البسيطة. وتحكي «عواطف» عن سكنها في غرفة في الدور الأرضي وحمام بمنطقة "بيجام"، ولم تستطع أن تدفع إيجار شقة في العقار نفسه، نظرًا لوفاة زوجها منذ 10 سنوات، وأنها لم تنجب سوى ثلاث بنات، وبحكم التقاليد "الصعيدية" يرفض أعمامها أن تذهب فتياتهم إلى العمل في مصانع الملابس، وفي الوقت نفسه لا يستطيعون الإنفاق على أرملة وثلاث بنات كلهن "على وش جواز". واستطردت قائلة "أنا باخد معاش السادات وده مش بيكفي حق العيش بس، وكل ما نقول حالنا هيتصلح بيتعقد أكتر"؛ فهي طالبت بتوفير معاش يكفيها شر "البلدية" و"البلطجية" وغيرهم ممن يحاربونها في رزقها، كما أن لديها فتاة تُعالج من الفشل الكلوي، حالتها بأنها "مآساة"؛ نظرًا لما تحتاجه من علاج واموال وأيضًا تفرغ لعنايتها. من جانبه قال مصطفى غنيم، عامل نظافة في مترو الأنفاق، إنه يعيش في منطقة عشوائية تنعدم فيها المرافق الأساسية، من حيث مياه الشرب والصرف الصحي، بالإضافة إلى انقطاع الطرق والمواصلات بينهم وبين باقي المناطق المجاورة لهم، مشيرًا إلى بعض السكان تم حبسهم وطردهم؛ بسبب عدم قدرتهم على دفع إيجارات الأملاك كونهم لا يملكون شيئًا غير ما يتحصلون عليه مقابل أجر يومي، في أعمال بسيطة لا توفر لهم حتى حق طعام أبنائهم. ويستكمل «غنيم» حديثه قائلًا "الدولة لا تعاملنا على أساس أننا بشر، المجاري في كل مكان، والطرق كلها بلطجية، والفقر بلغ مداه ولا يحرك أي مسئول ساكنًا لما نعاني منه على الرغم من شكوانا المستمرة، ما نطلبه ليس بكثير بل هي المتطلبات الأساسية لأي إنسان يريد العيش على أرض مصر". ومآساة أخرى ترويها الحاجة إنعام وهبة، التي لا تتذكر عمرها، ولكن يبدو عليها أنها في العقد الرابع، وهي قعيدة بسبب مرض "هشاشة العظام"، وليس لها عائل أو أبناء، نظرًا لحالتها الصحية التي تسببت في عدم زواجها، وبعد موت والديها أصبح إخوتها مسئولين عن أسرهم، ولا ينفقون عليها، وطالبت الدولة أن تنظر لها وترعى حالها، وأن تحقيق حلمها المتمثل في غرفة خالية من مياه الصرف على خلاف التي تعيش فيها الآن، والتي لم تخرج منها منذ سنوات، مشيرة إلى أنها لا تعلم شيئًا عن الأحداث الدائرة الآن بالبلاد، كونها لا تريد التدخل في أمور لا تعنيها. وأضافت، أن كل الأحوال المعيشية لا تليق ببني آدم، ولذلك فهي تناشد أكبر مسئول في الدولة بأن يصدر تكليف بإعادة صرف ال100 جنيه معاش اجتماعي التي كانت تتقضاه في السابق، من أجل تمكنها من شراء العلاج نظرًا لعدم وجود من يعولها، أو حتى يتم علاجها على نفقة الدولة، وتساءلت "هو إحنا مش زي اللاعيبة والممثلين اللي بيسافروا يتعالجو برا وإحنا هنا مش لاقيين ناكل؟". فيما كانت حالة محمد عامر، (عامل – 38 سنة) أعزب، خير تجسيد لواقع الآلاف من الشباب الذين قضوا عمرهم، وهم يبحثون عن لقمة العيش، ولم يتمكنوا من إيجاد أربعة حوائط تأويهم وتجمعهم بمن يريدون، ويقول "البلد حالها واقف ومفيش ولا رئيس عارف يحكم ولا حكومة بتعمل حاجه والبلطجية والحرامية بقوا في كل مكان، والواحد بقا يخاف يسيب بيته ويخرج، يعني واحد زي داخل على ال40 معرفش يكون نفسه ومين المسئول عن كدا غير الحكومة اللي مرخصه حياتنا". كان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قد كشف عن ارتفاع نسبة الفقراء في مصر خلال عام 2010 -2011 إلى 25,2%. وأشار "المركزي للإحصاء" إلى أن نسبة الفقراء في ريف الوجه القبلي يصل إلى نحو 51.4%. وأضاف البيان أن 12.6% من السكان يعانون من الفقر المزمن "الفقر طويل الأجل"، 15.2% من السكان دخلوا دائرة الفقر خلال الفترة من 2009 إلى 2011، مضيفًا أن نسبة الفقراء طبقًا لمقياس الفقر متعدد الأبعاد، والذي يتضمن فقر التعليم والصحة ومستوى المعيشة يبلغ 10.5% لإجمالي الجمهورية بما يمثل حوالي 8.5 مليون نسمة طبقًا لعدد السكان في منتصف عام 2011.