"ابنتي العزيزة مريام، أتمنى لك حياة سعيدة مليئة بالإيمان، وكوني دائما قريبة من ربنا بالصلاة والصوم والذهاب إلى الكنيسة، ولو اتبعت كل ذلك سيسكن المسيح قلبك"، بهذه الكلمات ترك الشهيد "عادل عزيز غطاس" الوصايا لابنته الصغرى مريام التي لم تكمل العشر سنوات عندما اقتنصه تفجير الغدر والخيانة أمام باب الكنيسة القديسين، حيث كان في انتظار صغيرته بعد انتهاء الصلاة ليحتفلان معا بعام جديد، ولكن العمل الإجرامي لم يحقق له أمنيته، ولم تبق كلمة واحدة فقط على لسان الصغيرة سوى "وحشتني جدا يا بابا". كان ل"البديل" حوار مع زوجة عادل غطاس السيدة سحر صبحي. - كيف تتذكرين حادث تفجير الكنيسة بعد ثلاثة سنوات؟ كان من أقوى الحوادث التي تعرضت لها الكنائس منذ عهد السادات، وكان من أبرز الأحداث التي مثلت الشرارة الأولى لثورة يناير، ولكن ما يحزن أهالي وأسر الشهداء عدم الكشف عن الجناة حتى الآن رغم كبر الحادث وعدد الضحايا والمصابين، فهناك من فقد عائلته كاملة، وهو ما يشعرني بالعيش بلا أمان في بلدي، كما يحزن الأقباط دائما أن حوادث الكنائس تسجل ضد مجهول أو مختل عقليا. -وبم تفسري عدم الكشف عن مرتكبي الحادث حتى الآن؟ غياب اهتمام الدولة واضح في هذه القضية، فحتى الآن لا يوجد تحقيقات جادة في الحادث، وهو ما يثير تساؤلات حول تعامل الدولة مع الأقباط على أنهم أقلية مهمشة ومن ثم لا تهتم بالقضايا التي تخصهم. -ما رأيك في الاتهامات بتورط الداخلية في الحادث؟ استمعنا إلى اتهامات كثيرة بدأت بحبيب العادلي ثم نظام مبارك، ثم نفس الاتهامات وجهت لحكم الإخوان بعد سقوط مرسي، فهذا المسلسل من الاتهامات الشفهية التي يتم الترويج لها عبر صفحات الجرائد لا يحسمها سوى التحقيقات. - ماذا عن تفاصيل يوم الحادث؟ ذهبنا إلى كنيسة القديسين صدفة، فكل عام نذهب لكنيسة مارجرجس بسيدي بشر، ولكن هذا اليوم طلب مني أولاد أخي الصلاة في هذه الكنيسة حتى نعود سويا في سيارة لأن الوقت يكون متأخرا، وبالفعل ذهبت ابنتي الكبرى "مارينا" مبكرا مع أولاد أخي إلى أن وصلت مع ابنتي الصغرى "مريام" بعد ذلك واستقر جميعنا في القاعة العليا للكنيسة، ولم أكن اعلم بمجيء زوجي الشهيد في القاعة السفلي للكنيسة. -متى حدث الانفجار؟ الحادث وقع تقريبا في الساعة 12:20، وأصيب الجميع بحالة هلع شديدة فكان الانفجار هائلا، وظللت أبحث عن بناتي وأولاد أخي، والغريب أن تأخر الصلاة في الكنيسة كان سببا لحماية الآلاف من القتل والأذى، فالزجاج العلوي تهشم، والجميع كان يصرخ ويبحث عن أطفاله، إلى أن نزلنا بالأسفل ووجدت الأشلاء والضحايا غرقى في دمائهم، وفي نفس الوقت شعرت بالخوف أن يكون أولادي من بين القتلى إلى أن عثرت عليهم. -ألم يكن هناك اتصالا مع زوجك قبل مجيئه للكنيسة؟ للأسف في ذلك اليوم نسيت الهاتف المحمول في المنزل ولم أحادثه طوال اليوم، ولكن مريام كانت آخر شاهده أمام باب الكنيسة قبل الانفجار بثوان معدودة، ففي اللحظة التي تحركت من أمام شباك الكنيسة لتنزل لوالدها وقع الانفجار، حيث انتهى الشهيد من الصلاة وخرج سريعا لينتظرنا لحين النزول، وكان يقف بجوار الشجرة التي وقع التفجير الانتحاري بجانبها. -كيف علمتي بالخبر؟ فوجئت بمجرد خروجي من الكنيسة أن أولاد عمي وابني الكبير "فادى" حضروا للكنيسة، بعد سماعهم دوي الانفجارات، ولم أتوقع على الإطلاق أن "عادل" جاء للكنيسة للصلاة، وبعد حديث مريام معي ورؤيتها والدها أمام باب الكنيسة، أدركت أنه مصاب، خاصة بعدما علمت أن هناك العديد من أصدقائنا وأقاربنا قتلوا، إلى أن بحثنا عنه في كل المستشفيات والمشرحة ولكنه كان من الجثث الموجودة داخل الكنيسة وهو ما علمناه ثاني يوم الحادث. - كيف كانت إصابته؟ كان مشوها بشكل كامل، ورجله مقطوعة، فضلا عن الشظايا التي اخترقت جميع أنحاء جسده، واعتقد أن هذه الإصابات البالغة تؤكد أن الانفجار كان بشعا، وانه من أوائل الضحايا التي تلقت الضربات، حيث كان ينتظرنا أمام الكنيسة. -ما هو انطباعك مع الاشتباكات التي اندلعت والهجوم من البلطجية على الكنيسة؟ حالة من الذهول أصابتني فلم أكن أتخيل ما يحدث من هؤلاء الذين خرجوا من كل مكان يهللون "الله أكبر" و"إلى الجهاد"، شعرت وقتها أنني لست في مصر وطني، لا أعلم ما السبب الذي جعل هؤلاء الأشخاص يحضرون بعد انفجار الكنيسة بدقائق ويشتبكون مع الشباب المسيحي ويكسرون السيارات. -كلمينا عن شخصية زوج ؟ عادل كان إنسان طيب جدا وخلوق ومحب للآخرين، لا تتخيلين كيف كانت علاقته بالعمال الذين يشتغلون معه في مصنع الملابس، فالجميع يتذكر له تواضعه وهدوئه، فكان ملاكا يعيش على الأرض، أما في المنزل كان أبا وصديقا مع بناته، ولا يحتمل عليهن أي أذى. -ما الرسالة التي توجهينها له بعد 3 سنوات على الرحيل؟ امتلأت عينيها بالدموع، لا توجد كلمة أخرى غير "وحشتنا جدا جدا"، وعلى قد ما أنا متأكدة إنه في مكان جميل على قد ما احتاج إليه كثيرا. -ما هي مطالبك من المسئولين؟ أتمنى بكل تأكيد فتح التحقيقات والكشف عن الجناة، فالعدالة هي الأساس لمجتمع يشعر بالأمان، وأؤكد أنه برغم كل ما حدث من اعتداء وقتل لأهلنا فليس في قلوبنا كراهية لأحد أو انتقام أو عدوان تجاه للدولة. -هل انضم أسر شهداء القديسين إلى صندوق رعاية مصابي وأسر الشهداء؟ لم يحدث ذلك على الإطلاق، بل لم يتم صرف أي امتيازات بخصوص إعفاء الأبناء من المصروفات الدراسية كما سمعنا في الإعلام وتصريحات المسئولين آنذاك، والمفترض معاملتنا بطريقة مساوية لضحايا ثورة يناير، بل نحن لدينا دليلا واضحا وقويا أننا لم نخرج في مظاهرات أو اقتحمنا قسم، فكل الشهداء ماتوا غدرا وهم يصلون، حتى المعاش حصلنا عليه بصعوبة بعد سعي المحامين، حتى التفرقة كانت واضحة في توقيت صرف المعاش حيث حصل شهداء يناير على المعاشات بأثر رجعي منذ يناير ولكن ضحايا الكنيسة حصلوا عليها فقط منذ شهر يونيو. - ما سبب دفن الشهداء في الدير على غير العادة؟ حقيقة هي بركة كبيرة جدا، وليس متاحا باستمرار دفن الموتى في الدير إلا القديسين والبطاركة وليس الأشخاص العادية، ولكن نظرا لفجاعة الحادث وأن من استشهدوا كانوا مصلين آمنين تم الموافقة من البابا "شنودة"على دفنهم في الدير، وكان تعزية كبيرة لأسر الشهداء. - ما هي مطالب الأقباط من رئيس مصر القادم؟ نتمنى الشعور في عهده أننا في بلدنا، فأبسط الأمور هو الحرية في بناء الكنائس، وعندما تقع الاعتداءات أو أحداث طائفية يجب الكشف بسرعة عن الجناة، نريد الشعور بأن للمسيحيين كيان وأنهم مواطنين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، ويتوقف التعامل معهم على أنهم أقليات مهمشة، أتمنى تدقيق الرئيس جيدا فيما يتعرض له المسيحيين بعد الثورة، فكانوا هم أول من دفعوا الثمن، وسددوه دماء سواء قتل أو حرق للكنائس والأديرة أو ضرب وخطف راهبات. كما أطالبه بفرض القانون لأنه السبيل الوحيد للنجاة، فليس من المعقول بعد ثلاث سنوات يفشل النظام الأمني برغم قوته في الكشف عن الجناة، في الكشف عن الجناة لمثل تلك الجريمة البشعة.