يصر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بقراراته وتصريحات أعضائه، على إدهاشنا وإثارة التساؤلات حول دور المجلس، وحول الغياب شبه المطلق لحكومته المستأنسة في اتخاذ القرارات المهمة، اكتفاء بتصريحات “السمن على العسل” التي تخصص رئيس الوزراء في إطلاقها ثم تناسيها. نطق المجلس العسكري بشأن حالة الطوارئ على لسان رئيس القضاء العسكري، وليس له من اختصاص في الموضوع، ما يوحي بأن المجلس العسكري يقدم شعب مصر كله للقضاء العسكري بتهمة الثورة على الحكم التسلطي والفساد، وأي جرم مشهود! وتم الحكم، كالعادة من دون وجود دفاع، أو فرصة للاستئناف من الحكم الجائر، بفرض حالة الطوارئ لأكثر من ستة شهور، بالتعارض مع الإعلان الدستوري للمجلس ذاته! ومن المدهش فعلا أن يصر المجلس العسكري على أنه امتداد طبيعي لحكم الطاغية المخلوع، بالإصرار على تنفيذ قراره، وقرار مجلس الشعب المزوّر والمنحل، باستمرار حالة الطوارئ حتى منتصف 2012، بالتعارض مع نصوص الإعلان الدستوري الذي اصدره المجلس من دون أي استشارة شعبية. فقد فسر لنا السيد اللواء رئيس القضاء العسكري، أن حالة الطوارئ “تم مدها بمقتضي القرار الجمهوري رقم 126 لسنة 2010, الذي نص في المادة الأولي منه علي مد حالة الطوارئ لمدة عامين اعتبارا من أول يونيو 2010 وحتي13 مايو 2012′′، ووافق عليه مجلس الشعب، ولم يذكر أن هذا الرئيس قد صار، من وجهة النظر الرسمية، نسِيّا منسِيا، وأن ذلك المجلس السُبة قد حُلّ. أفلم يصل لعلم المجلس أن المدعو محمد حسني مبارك لم يعد رئيس جمهورية مصر العربية بل صار متهما في جرائم نكراء ومحبوس احتياطيا، أو أن المجلس ذاته قد أصدر قرارا بحل مجلس الشعب بادي يالتزوير المفضوح، ما يجعل قراراتهما كليهما معدومة؟ وهل لنا أن نفسر ذلك الموقف بأن المجلس العسكري لا ينوي تحقيق الأمن وتسليم السلطة قبل منتصف 2012؟ وأنه إذا نفذ أمر الله، وعاد المجلس العسكري للثكنات قبل ذلك، فسيترك حالة الطوارئ قائمة؟ وكانها عقاب دائم للشعب على إجبارهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة على محاكمة رئيسه المخلوع؟ إنه لمن المدهش حقا أن يصر المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تقديم نفسه كاستمرار طبيعي لنظام حكم الطاغية المخلوع. ولن يكون عجيبا إذا كان الأمر كذلك أن يصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في وقت تال قرارا بإعادة الطاغية المخلوع للخدمة، بعد تبرئته طبعا في المحاكمة الهزلية التي تجري الآن، من قبيل إعادة الأمانة التي سلّمها المخلوع للمجلس عند تنحيهن وكأن مصر وشعبها، منقول تتداوله أيدي قادة للقوات المسلحة. ولكن في الموضوع، يحق لنا أن نتساءل هل لم يصل إلى حكمة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يتصرف وكأنه يمتلك النار الإلهية المقدسة ونبع الحكمة، أن إعمال حالة الطوارئ لم يفلح طوال حكم الطاغية المخلوع في القضاء على الإرهاب، بل شجع مؤسسة البطش الأمني التي رعاها وأغدق عليها في افتعال الأحداث الإرهابية هي نفسها؟ كما وعلينا أن نلحظ عودة نغمة تشجيع الأمن على البطش بالمواطنين إلى حد أن يتجاسر وزير الداخلية في حكومة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذي كان البعض يظنه رجلا صالحا، بالتهديد “بالضرب بالرصاص في القلب” لكل من يقترب من أقسام الشرطة أو وزارته السنية. وهل هكذا يكون مآل شعار “الشرطة في خدمة الشعب” الذي اتضح الآن أن السيد الوزير أعاده فقط ذرا للرماد في العيون، وتعمية على أنه، كما كثرة من رجاله، مازلوا محافظين في أعماقهم على عقيدة جهاز “الأمن” الباطش بالمواطنين وحقوقهم، حماية للمتسلط الأكبر. والتساءل الأهم ربما هو: ألم يفقه المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن تفعيل حالة الطوارئ، وبربرية الأمن الباطش بالمواطنين وحقوقهم لم تفلح طوال عهد التسلط الطويل في منع الاحتجاج الشعبي على الفساد والاستبداد ولم تفلح في منع الثورة الشعبية التي أطاحت بالطاغية المخلوع وما زالت تعمل على إسقاط باقي نظامه؟ ولعل هذا هو هم المجلس الأكبر. لهذا نقول للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولا يعنينا حكومته في شيء، نقول أن تفعيل حالة الطوارئ وتشجيع الأمن على البطش بالمواطنين لن يمنع قيام موجات تالية من ثورة الشعب ردا طبيعيا على تقاعس المجلس وحكومته عن حماية اكتمال ثورة شعب مصر الفل، واستمرار حكم الاستبداد وحماية الفساد.