يعيش الفقراء حياة مسأوية كارثية في مصر منذ عقود، جراء السياسات الاقتصادية الفاشلة، حيث يتدفق المئات من ساكني العشش إلى الشوارع والأسواق والمساجد، ومن العجزة والمعاقين؛ بحثا عن مأوى يقيهم البرد أو لقمة خبز يقتاتونها، فقد تزايدت في الآونة الأخيرة همومهم وقضاياهم بشكل مروع، فأحيانا تخرج أسر مع أطفالها يتسولون بفواتير المياه، أو روشتات الأدوية، أو تقارير طبية، وهو ما يعني انهيار الخدمات وغياب العدل الاجتماعي بعد ثورتين. وتطل الأزمة الأكثر ألمًا مع دخول فصل الشتاء، وموجة البرد القارس التي تجتاح مصر، حيث ظهر بعض المترفين يرتدي معاطفا يبدو أوروبي الشكل، واحتفلوا بتساقط الجليد على المدن والمنتجعات التي يسكنونها، وعلى الجانب الآخر من ينام على أرصفة الشوارع وقد التف ب"كيس بلاستيك" كبير؛ ليفصل بين مياه المطر وجسده العاري. ورغم العديد من المبادرات وآخرها "مصر الدفيانة"، مازالت هناك أسرة بأكملها تسكن في "عشتين" في منطقة الدقي، حيث قالت "نادية" ربة منزل، إنها تسكن هذا المكان منذ فترة طويلة، مضيفة أنها طالبت بوحدة سكنية تأويهم من البرد والبلطجية، لكن لم يستجب لهم أحد، وهي وأطفالها غير قادرين على دفع إيجار شقة أو شرائها. وأوضحت أنهم يعملون في أعمال محتقرة كترقيع الأحذية بأجر يومي، وأحيانا في بعض مصانع الملابس وتكون "أجرة" ال12 ساعة عمل 10 جنيهات يوميا، وإذا مرضت فليس لها أي عائد ينفق عليها هي وصغارها، مؤكدة أن التبرعات والصدقات التي توزعها الجمعيات الخيرية أصبحت بالمحسوبية والظلم، فهم محرومون منها ولا يصل إليهم جنيه واحد، سوى عن طريق المارة أو سكان المنطقة الذين يتصدقون عليهم في الأعياد والمناسبات. واستطردت: "ساعات مش بنكون لاقيين حق العيش ولو حد من العيال تعب مش بنعرف نعالجه"، مشيرة إلى أن مياه المطر تدخل إلى مكان نومهم وهذا ما يجعلهم عرضة لنزلات البرد والحمى، وهم لا يمللكون من الملابس ما يحمي أبدانهم "شر الشتاء" – بحد قولها-، مضيفة "نخشى إشعال بعض الأخشاف للتدفئة خوفا من نشوب حريقة بالعشش". ولأننا في وطن عجز عن تضميد جراح أبنائه، تجد الطفلة "هاجر" التي تبلغ من العمر 7 سنوات، ملقاة على أحد أرصفة حي "الزمالك"، وكأنه ضاق على أن يحتمل هذه الفتاة ، حيث ترقد على الرصيف مرتدية بعض الملابس المهلهة، ومعها ما يشبه "البطانية"؛ وبالنظر حولها ترى بقايا طعام وضعت بجانبها في أطباق أو علب، فتأتي القطط الضالة لتشم فيه ثم تتركه وترحل، وعندما تفيق "هاجر" من غفوتها تأكل مما رزقها الله؛ لأنها لا تملك ما يسد جوعها سوى بعض اللقيمات المتبقية من "أولاد الذوات". وتتلخص معاناة هذه الطفلة في أنها بلا مأوى، وأسرة مفككة – كما تروي – أن والدتها توفيت وتزوج أبوها من أخرى؛ ونظرا لضيق الحال تم "تسريحها" هي وأخوها، وكل منهم في مكان لا يعلمه الآخر، موضحة أنها لا تذهب إلى أي مكان تتسول فيه، وإنما تظل في مكانها وهناك من يشفق على حالها، ويعطيها بضع جنيهات في اليوم، وأحيانا ينقضي اليوم دون أن تحصل على أي أموال. واستغاثت "هاجر" قائلة: "والنبي يا أبلة أنا معرفش حد يقدر يساعدني، بس أنا مش عاوزة أبات في الشارع بس عشان بخاف، وكمان الدنيا بتمطر عليا وبتعب والله"، فضلا عن أن هذه الفتاة عرضة للتحرش والخطف، ومن الممكن أن يتم استغلالها لتصبح منحرفة السلوك، وفى هذا الوقت لن تُبقي على مجتمع لم يقدم لها سوى بقايا طعام. ويقول الحاج "فتحي" بائع ليمون في منطقة "بهتيم"، إن مكسبه في اليوم يتراوح بين ال6 والعشر جنيهات، مؤكدا أن أكثر ما يضايقهم هو استغلال نواب مجلس الشعب لفقرهم، واستغلالهم بوعود براقة فقط، وبعد نجاحهم لا أحد يراهم، لافتا إلى أنه لا يعرف السلطة ولا تعرفهم إلا أثناء الانتخابات من أجل استخدام أصواتنا، وحين طلب من عضو مجلس الشعب أن يساعده في العلاج على نفقة الدولة رفض مقابلته وتهرب منه. وأضاف: الناس عمالة تقول الإخوان والسلفيين وأحزاب تانية ويسألونا انتوا تبع مين، وإحنا مش تبع حد وحزبنا هي بطوننا، فليرحل من يرحل لا يهمنا أمر السياسة، كل ما نتنماه هو تعليم أبنائنا وعلاجهم؛ حتى لا يكون مصيرهم مثلنا، وتذهب مرتباتهم كلها أقساط وديون مثل أبويهم. واختتم أن موجة البرد التي تشهدها مصر ليست جديدة عليه، بينما أبنائه لا يتحملونها وليس لديهم ما يكفي من الملابس والغطاء، أما ما يزيد الحياة مُرا هو جشع التجار واستغلالهم للأمطار في زيادة أسعار الخضروات؛ بحجة أن السيارات التي تنقل إليهم البضائع تأخذ أجرا زيادة لكي تأتي من العبور أو المناطق الريفية.