في الوقت الذي تكاد تنهار فيه المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وقعت كل من فلسطينوالأردن وإسرائيل اتفاقية يوم 9 ديسمبر 2013 تقضي بإنشاء قناة لربط البحرين الأحمر بالميت، والحقيقة أن مشروع إنشاء قناة البحرين يعود إلى ما قبل ظهور إسرائيل، وقد تعددت الأطروحات بهذا الصدد منها اقتراح لمد قناة من البحر المتوسط إلى البحر الميت، واقتراح ثان لإنشاء مسار يصل ما بين حيفا على البحر المتوسط والبحر الميت، وفي عام 1977 شكلت الحكومة الإسرائيلية لجنة تخطيط لدراسة اقتراحات لربط البحرين الميت والمتوسط، أو لربط البحر الأحمر بالبحر الميت عند إيلات، وكانت النتيجة النهائية لتوصيات هذه اللجنة تأكيد أفضلية مشروع توصيل البحر الميت بغزة التي كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي في ذلك الوقت، باعتبارها الأكثر جدوى اقتصاديا، أما اقتراح توصيل البحر الميت بإيلات، فقد اعتبرته اللجنة الأسوأ والأقل من حيث الجدوى الاقتصادية. ورغم ذلك، اتفق ممثلي الأردن وإسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية على هامش المنتدى الاقتصادي الدولي الذي عقد على شاطئ البحر الميت على ضرورة البدء الفوري في تنفيذ مشروع قناة لربط البحر الميت بالبحر الأحمر وعدم تسييس الموضوع أو ربطه بالوضع المتأزم في الشرق الأوسط. وقد انتهى البنك الدولي من إعداد دراسة الجدوي التفصيلية للجوانب البيئية والاجتماعية للمشروع عام 2012، كما اتفق كل من ممثلي البنك الدولي ووزير تطوير النقب والجليل في الحكومة الاسرائيلية ، سلڤان شالوم، يوم 4 يوليو 2012 على مباشرة تنفيذ خطة ربط البحر الأحمر بالبحر الميت، وتم التوقيع على الاتفاقية في 9 ديسمبر 2013 بواشنطن بحضور ممثلين عن وزارة الخارجية الأمريكية والبنك الدولي. وهنا يثور عدد من التساؤلات حول جدوى إنشاء هذه القناة وتأثيرها على اعتبارات الأمن القومي المصري وتأثيراتها الاقتصادية على مصر وعلى التوازن البيئي في المنطقة؟ بداية تتمثل مراحل المشروع في مرحلتين: الأولى، تتمثل في إنشاء قناة تربط بين البحر الأحمر والبحر الميت وتتضمن قناة من شاطئ العقبة باتجاه الشمال، لتصل بعد ذلك إلى محطة رفع تضخ المياه بواسطة الأنابيب إلى ارتفاع 126 مترا فوق سطح البحر، وبواسطة الانسياب الطبيعي، يتم الاستفادة من فرق المنسوب لتوليد الطاقة الكهربائية، وبالتالي يتم بناء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية. وتتمثل المرحلة الثانية في طرح عطاء عالمي للشركات المتخصصة لإنشاء محطة تحلية ونقل المياه إلى الأردن وإسرائيل وفلسطين وبتكلفة تقديرية تصل إلي ثلاثة مليارات دولار. تتمثل مخاطر إنشاء القناة على الأمن القومي المصري في التالي: 1- إن شق قناة مائية تربط البحر الأحمر بالبحر الميت، وتوليد الكهرباء منها، وما يستتبع ذلك من إقامة مجتمعات عمرانية، وجذب مزيد من المهاجرين والسكان في منطقة النقب سيزيد من قدرات إسرائيل الجيوسياسية، وكذلك ستعالج الكثير من عوامل الضعف الديموغرافي التي تعاني منها، وكل ذلك بالتبعية يعني المزيد من التهديد للأمن القومي المصري. 2- على الرغم من تكرار المسئولون الأردنيون والإسرائيليون القول بأن المشروع مجرد أنبوب وأنه ليس مخصصا للنقل البحري إلا أن ارتباط المشروع بمشروعات أخرى غير معلن عنها، تمثل تهديدًا حقيقيًّا لقناة السويس كناقلٍ دولي مهم لحركة التجارة والنفط العالمية، ومن هذه المشروعات مشروع إنشاء خط سكة حديد يمتد من إسرائيل إلى العراق والخليج العربي، وإنشاء منظومة للنقل الإقليمي يكون محورها الأساسي إسرائيل، ويتضمن هذا المشروع جوانب متعلقة بالنقل البحري؛ حيث سيتم تحويل ميناءي حيفا وأشدود إلى بوابة رئيسية للعبور التجاري والسياحي ونقل الأفراد إلى مناطق الشرق الأوسط المختلفة. وبالفعل تم البدء في تطوير الميناءين المذكورَيْن، وإنشاء خط سكة حديد أكثر تطورا بين حيفا والعفولة وبيسان؛ تمهيدًا لربطه بشبكة الخطوط الحديدية الأردنية من عند نقطة تقع عند معبر الشيخ حسن، ومن هناك إلى العراق ثم من العراق إلى دول الخليج العربية، ويتضمن الأمر أيضًا إحياء بعض أجزاء من الخط الحديدي الحجازي القديم، كما أن هناك مشروعًا إسرائيليا لنقل نفط غرب سيبيريا الروسي عبر إسرائيل إلى شرق آسيا؛ وذلك باستخدام خط "تيپ لاين" القديم. 3- تهديد المصالح الاقتصادية المصرية في مجال النقل الجوي والبحري، خصوصًا فيما يختص بمشروعات الموانئ الكبرى على البحرين المتوسط والأحمر، مثل ميناء العين السخنة وغرب التفريعة، ومطارات سيناء وغرب القناة، وبجانب ذلك فإن المشروعات السياحية التي سوف تقام حول نقاط بدء وانتهاء فرعي القناة، والتي سوف تتوازى مع إنشاء مناطق حرة أردنية وفلسطينية، من شأنها تهديد الاقتصاد المصري أيضا. 4- تهديدات بيئية، حيث يعتبر تدفق حوالي 2 مليار م3 سنويًّا من مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت، سيحدث تأثيرات سلبية على المياه الجوفية في مصر كما سيتسبب في انهيار الشعب المرجانية بالبحر الأحمر والتي تُعد مصدرا رئيسيا بالنسبة لسياحة الغوص، ومن ثم القضاء على أماكن الجذب السياحي الرئيسية في جنوبسيناء وحتى سواحل الغردقة، وكذلك سيقضي على الثروة السمكية في تلك المنطقة والتي يتعايش عليها الكثير من المصريين في منطقة البحر الأحمر. كما أكد خبراء أن البيئة المحيطة بالبحر الأحمر غير متماسكة وغير مستقرة جيولوجيًّا، بما يعرضها للمزيد من عدم الاستقرار إذا ما تم حفر القناة؛ مما قد يؤدي إلى حدوث المزيد من الزلازل والهزات الأرضية في المنطقة ومنها مفاعل ديمونا الذري في صحراء النقب. وختاما، وعلى ضوء ما سبق فإنه يتعين على الجهات المعنية في مصر ضرورة التحرك تجاه مشروع القناة، خاصة أن اتفاقية البحار تلزم الدول المشاطئة بعدم إقامة أي مشاريع ضخمة دون مراجعة الآثار البيئية لها، وكذلك مراجعة الدراسة التي قام بها البنك الدولي وتقديم دراسات موازية لها، وتحرك مصر على المستوى الدولي وعبر منظمة الأممالمتحدة لجمع تأييد المجتمع الدولي لمنع إنشائها.