كانت تركيا نموذجا للنسيج المتداخل للطوائف المتعددة التى لا توجد إلا فى منطقة الشرق الأوسط، فهذا ما حرص عليه أتاتورك ومن جاء بعده، لكن الأمور تغيرت بشدة منذ مجىء الإخوان إلى الحكم ثم تفاقمت بوصول أردوغان إلى قمة الهرم الرئاسى، حيث انتقل بسياسة دولته الخارجية من سياسة هادئة مع معظم الدول إلى افتعال مشاكل سياسية عديدة مع جيرانها. وأدى تعامله الأغبى إلى تدخله بالدعم المالى واللوجيستى والاستخباراتى والعسكرى للإطحة بالنظام السورى مستغلا ورقة الطائفية التى اشعلت المنطقة لتمتد النيران وتمسك بتلابيب أردوغان وتخنق تركيا نفسها حيث انفجر الملف الأكثر أهمية وحساسية فى وجهه وهو الملف الكردى. هذا ما جعل الشاب "هاكان تونج" المنتمي لحزب العمال الكردستاني والمشتبه فيه بتنفيذ عمليات إرهابية عندما وقف أمام المحكمة، دخل في جدال مع قاضي المحكمة الجنائية في بلدة "أرضوم" شرق تركيا ورفض أن يوكل محاميا، ولكنه طالب باستمرار الحوار مع زعيم الحزب "عبد الله أوجلان"، بعد زيارة لرئيس الحزب في السجن بجزيرة إيميرالي جنوباسطنبول، قالت شقيقة رئيس حزب العمال الكردستاني "فاطمة أوجلان"، إنه رغم استمرار المحادثات، إلا أن الحكومة التركية لم تتحدث لأخيها منذ فترة طويلة، مشيرة إلى أن نائب رئيس الوزراء التركي "بشير أتالاي" والذي ينسق الجهود للتوصل إلى حل سياسي للمشكلة الكردية قال:"إن المحادثات لم تنقطع، وإن الحكومة لا تزال تواصل عملها على الخطوات المستقبلية"، وفي البيان نفسه، أضاف أن الحكومة لم تبن جدارا لفصل بلدة نصبين الحدودية التركية عن بلدة قامشلو السورية، ولكنها تقوم بتعزيز الأسوار من أجل الأمن الحدودي. ولنفس السبب أضربت عمدة محافظة نصيبين "عائشة كوكان" التي تضمنتها قائمة حزب السلام والديمقراطية الذي يتمتع بنفس القاعدة الشعبية لحزب العمال الكردستاني عن الطعام منذ 30 أكتوبر الماضى؛ احتجاجا على بناء الجدار، مؤكدة أن المواطنين الأتراك والسوريين من الأصول الكردية يعيشون في كل من نصيبين وقامشلو لذلك فهذا الجدار يعد خطوة أخرى لفصل الأكراد عن بعضهم البعض. وتوثر الحرب الأهلية السورية سلبا على الحوار الكردي في تركيا، ليس فقط فيما يتعلق بأمن الحدود، فحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا يمكن اعتباره الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني في تركيا، يدعي أن تنظيم القاعدة التابع لجبهة النصرة أو الدولة الإسلامية في الشام والعراق يقاتلون للسيطرة على البلدات الحدودية، ويتلقون الدعم من داخل تركيا والسلطات التركية تغض الطرف عن هذا، ومع ذلك فإن صلتهم المزعومة بالجماعات المتطرفة تضاف إلى قائمة المشاكل فيما يتعلق بمواصلة الحوار بين الحكومة والحزب الكردي، بل مشكلة أيضا بين تركيا وحليفتها الرئيسية الولاياتالمتحدة. والمتابع لسياسة أردوغان في الفترة الأخيرة يجد أنه يعمل على إشعال الطائفية في تركيا، فقد حول تركيا إلى برميل من البارود في محاولة لحشد قاعدته السياسية الخاصة، ويقيم عمدا خطوط التصدع بين الأتراك المتدينين والعلمانيين، منذ فترة طويلة، كما يعمل على توسيع الفجوة بين الأغلبية السنية والأقلية العلوية في البلد، وحال استمراره في القيام بذلك، يمكن للديمقراطية التركية أن تصبح ضحية سياسته الموجهة. وظهرت هذه السياسة جليا عندما اشتبكت الشرطة التركية والعلويون ليوم كامل في مدينة أنقرة، مع العلم أن العلويين أقلية من المسلمين، فهم يشكلون ما بين 15 و20% من الشعب التركي، وقد عانوا طويلا من القمع والتميز، وغير معترف بأماكن عبادتهم رسميا، ويحرم أطفالهم من الاستثناء من تعليم المذهب السني، مما جعلهم يشاركون في احتجاجات يونيو، وأصبح البعد الطائفي أكثر وضوحا، بعد دعم "أردوغان" للمتمردين السنة السوريين وسياسته المؤيدة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر. فبدلا من أن يحاول "أردوغان" التخفيف من حدة التوترات، أدان تفجيرات بلدة الريحانية على الحدود السورية، والتي قتل فيها نحو 52 من السنة، وفي 30 سبتمبر، كشف عن حزمة الإصلاح الديمقراطي، التي نفرت المزيد من العلويين، فتقدم الطعام بشكل حصري لدائرة المحافظة السنية لحزب العدالة والتنمية، وتجاهلت مظالم العلويين وردا على ذلك تعهدوا بتكثيف نضالهم ضد الحكومة. وبما أن مشكلة الأكراد تزعج تركيا كثيرا، فالحكومة تريد حوارا مع حزب العمال الكردستاني لتحقيق تسوية سياسية، ولكن كليهما يضيع الوقت، كما أن الانتخابات قد اقتربت في مارس 2014، والتوتر يزداد على كلا الطرفين، كذلك الأوضاع في سوريا تجعل الأكراد في تركيا أقوى، وتعطيها دفعة للسؤال عن "حزمة الديمقراطية" التي وعدت بها الحكومة. لذلك من المتوقع أن تكون القضية الكردية على جدول أعمال مجلس الأمن القومي، ففي 2009، قال الرئيس "جول" إن الوضع الكردي هو أكبر مشكلة تواجه تركيا، ولكن التوازنات السياسية في منطقة الشرق الأوسط قد تغيرت منذ ذلك الحين، ومن حق الشعب التركي أن يعرف، إذا كانت أولويات الحكومة قد تغيرت، وهل الاضطرابات في مصر وسوريا ستؤذي الحكومة التركية أكثر من المشكلة الكردية نفسها. وكثيرا ما يتجاهل "أردوغان" النصف الآخر من المجتمع التركي مثل الحزب الديمقراطي الاشتراكي وبعض الجماعات القومية والعلويين والشيوعيين والاشتراكيين والأكاديميين والفنانين وغيرهم من المثقفين، الذين يرفضون الرقابة الذاتية والطاعة الكاملة للحكومة، ولكن خطاب "أردوغان" دوما ما يستخدم مصطلح"الأغلبية" مقابل "الأقلية"، مؤكدا أنه سيتجاوز الصراع الاجتماعي المستمر الذي سيحقق للجميع مجتمعا أفضل. في حين يحصل أنصار "أردوغان" على امتيازات خاصة، ويميلون إلى التهكم من جماعات المعارضة من مختلف شرائح المجتمع، ويعملون على تقييد حرية التعبير وطمس الأصوات الناقدة، داعين المعارضين للحكومة ب"الخونة" واصفين المتظاهرين السلميين باللصوص. ويأتي حادث إطلاق النار على كنيسة للأرمن بالقرب من حي الجانب الأوروبي في حي "كومكابي"، ليعيد إلى الأذهان مجددا مجازر الأرمن، التي ارتكبتها تركيا خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، فقد أثار الحادث الذعر بين حاضري القداس، وأثار مخاوف الأقليات المسيحية من تصعيد أعمال العنف التي تستهدفهم. وأعلن الأسقف "آرام اتيسيان" مساعد بطريرك الأرمن الأرثوذكس في اسطنبول وقتها :"لحظة إطلاق النار هتف المهاجم لقد أصبح عددكم كبيرًا"، وفي اللحظة ذاتها تقريبًا، تعرض شاب أرميني للضرب المبرح من قبل مجموعة صغيرة من الأفراد أمام كنيسة في حي "ساماتيا" المجاور. وعلّق الأسقف على الأمر بالقول إن "هذه الهجمات تهدف إلى زيادة القلق في صفوف أبناء الطائفة وغيرهم من طوائف الأقليات"، وقال إنه سيطلب من المسئولين في الطائفة زيادة إجراءات الأمن.