الأطباء يشتكون.. والفقراء يصرخون.. والدولة مازالت في الغيبوبة نقف على أعتاب مستشفى بولاق الحكومي، كل ما لا يسر، الساحة تمتلئ بالقمامة، وتنبعث منها الروائح الكريهة، المرضى يجلسون في الطرقات وعلى سلالم المستشفى، يترقبون كل من يدخل؛ عسى أن يكون طبيبا يوقع الكشف عليهم، وأحيانا يتوسلون إلى طلبة كلية الطب وكأنهم وجدوا فيهم ضالتهم، بخلاف الكارثة عند تفقد العنابر من الداخل، فتجد ما لا تطيق عين أن تراه، من سرائر ممتلئة بالأتربة وممزقة المفروشات والمراتب، بالإضافة إلى القاذورات المنتشرة بأرضية العنبر. قالت "هبة.م" طالبة في كلية العلاج الطبيعي، وتذهب للتدريب في مستشفى بولاق الحكومي، إن الوضع في المستشفى غير إنساني، وتخطى حدود إهمال المكان سواء في القمامة التي تنتشر في كل مكان، أو عدم الاهتمام بأبجديات النظافة من التعقيم وغيرها، إلى واقع مأسوي لكل من "تحوجه" ظروف فقره ويُعالج هناك. وأكدت أن المرضى يملؤون الطرقات، ولا يجدون من يفحصهم ويشخص حالتهم، فأصبحوا يهرولون وراء أي "بالطو أبيض" حتى لو كانوا طلبة، ويقولون للطلاب "تعالوا جربوا فينا يمكن تكشفوا صح !!"، وبسؤالهم عن سر الحالة التي وصلوا إليها، أجابوا : "إحنا عيانين وهنا من الصبح مش لاقيين حتى ممرضة تعبرنا، والناس غلابة ومتقدرش تكشف برا". وتتعجب "هبة" من كم المخلفات الملقاة في الطرقات وبجوار المرضى، وبالقرب من الأسرة المخصصة للعلاج، فكلما تنظر حولك تجد قطنا وشاشا وبعض السرنجات المستعملة، بالإضافة إلى "الصراصير" التي تملأ المكان، فقالت متهكمة: "الصراصير هناك أكتر من الدكاترة والعيانين .. على الحيطة تلاقى وعلى الأرض تلاقى.. واحمد ربنا إنها مش على هدومك"، بخلاف الحشرات الأخرى التي تزيد مآساة هؤلاء المرضى، الذين لا حول لهم ولا قوة في دولة هم أرخص ما فيها. واتفق معها "محمد.ح" طالب بالفرقة الرابعة علاج طبيعي، والذى أكد أن أهالي المرضى يفترشون الأرض فى انتظار دور ذويهم في الكشف وتلقيهم العلاج، نظراً لقلة أعداد السرائر المتاحة، في منظر يخلو من أبسط مطالب حقوق الإنسان وتكريمه، فضلاً عن إمكانية معالجة المرضى وحالات الحوادث والسريعة داخل الطرقات لعدم تواجد سرير متاح للمريض. وأضاف أن المستشفى كانت تستقبل بعض الحالات في الأحداث السياسية التي مرت بها مصر في المرحلة الأخيرة ، ومع ذلك يذهب المريض إلى غرفة العمليات على أرجله بدلاً من توافر له سرير ينقله أو كرسي متحرك، مما يؤدي إلى انتشار بقاع الدم على الأرض، وتترك دون تطهيرها. ومن جانبه، قال "إسلام.ص" طبيب بالمستشفى، إنهم استغاثوا بكل المسؤولين وأرسلوا شكاوى عديدة إلى وزير الصحة، ولم يرد عليهم أحدا، أو حتى يرهقوا أنفسهم بتفقد الحالة الأمنية والصحية للمكان، من خلال معاينته ومعرفة ما ينقصه من إمكانيات وموارد تحتاجها المستشفى. وأشار إلى أن الأطباء يفتقدون الأمن داخل المستشفى، بالإضافة إلى عدم وجود سكن ملائم أو مكاتب جيدة ليؤدوا عملهم فى متابعة المرضى، مؤكدا أن المستشفى يشهد تدهورا ملحوظا فى البنية الأساسية من سرائر ومكاتب وأدوات طبية، ولم يزر وزير صحة المستشفى منذ إنشائه، ولو ذهب أي مسؤول هناك لأمر بغلقها في الحال أو العمل على تحسين حالتها لتلائم علاج "البني آدميين". لفت إلى أن الحمامات لا تصلح للاستخدام الآدمى، فضلا عن عدم استطاعه أى إنسان دخولها جراء الرائحة الكريهة التى تزكم الأنوف من على بعد عدة أمتار، وما يصاحبها عن انسداد مواسير الصرف وطفح المياه. وعن حالة المرضى، قال كمال الرشيدي "65 عاما"، إنه يعانى من مرض السكر والدوالي، والعيادات القليلة الموجودة لا تحتوي سوى على جدران وأبواب، ولا يوجد بها أدوية ولا تقدم أي خدمات على الإطلاق، مضيفا أن الأطباء العاملين في تلك العيادات، إن وجدوا يطلبون من المرضى إحضار الأدوية معهم، على الرغم من أن معظم المرضى شديدي الفقر. وأوضح أن عدد الأطباء سواء في الاستقبال أو العيادات الخارجية محدود والمرضي كثيرون ومن ثم لايتم الكشف بدقة، مضيفا أن غالبية الأدوية يشتريها المرضي، ولابد من توفير مقاعد للأهالي للجلوس عليها بدلا من انتظارهم على السلالم أو الجلوس على الأرض داخل الأقسام الطبية، ومراعاة نظافة المستشفى وإزالة القمامة. أما نادية عبد ربه "61 عاما"، تعانى من آلام بالعظام وتأتي إلى المستشفى من وقت لآخر؛ لتلقي العلاج المناسب، خاصة أنها لا تعالج في التأمين الصحي، وتشكو من تعطل أجهزة الأشعة لفترات طويلة، ويطلب منها الأطباء عمل الأشعة بالخارج، وهى تتكلف الكثير من المال وهو ما يفوق قدرتها المادية. وتساءلت عن حقوق الفقراء ومحدودي الدخل في العلاج بشكل آدمي، وتوفير الرعاية الصحية لهم ولكل محتاج في البلد، فضلا عن رغبتها في تحسين مستوى الخدمات التي تقدم لهم في المستشفيات الحكومية والعامة، والعمل على توفير الأجهزة الخاصة بالأشعة، وغرف العلميات، وكل ما يخص حياة المواطن، والحفاظ على الأرواح التي تزهق كل يوم بسبب الإهمال الطبي.