كتب: حسام المغربى – سعيد العربي الغرفة 443 بمستشفي الهرم بالجيزة، يرقد على السرير شخص يلتقط أنفاسه بصعوبة ولا تدل ملامحه على كونه ذكر أو أنثي من كثرة الدماء والكدمات التي تلتصق بوجهه، والجبيرة الملفوفة حول ساقه الأيسر والتي تبرز منها أصابع صغيرة كأصابع الأطفال، سكوت تام يعم الغرفة التي لايوجد بها سوى علبة عصير وزجاجة مياة ومظروف يحمل اسم "مينا رفعت" بتاريخ اليوم. عند مغادرة الحجرة والاتجاه إلى غرفة مجاورة، نادى رجل في العقد الرابع من عمره يجلس علي استراحة تبعد عن الغرفة بمسافة قصيرة: "حضرتك عايز أبو مينا؟". وتابع "مينا يبقى ابني في الصف الأول الإعدادي رجله وفكه انكسروا في حادثة قطار دهشور، ووالدته عندها كدمات في جميع الجسم، بس الحمد لله الحالة مستقرة ومنتظرين الأشعة المقطعية علي الفك"، هكذا وصف رفعت فوزي والد مينا ابن ال 13 عاما، حالته في حادث قطار دهشور. وأضاف رفعت "أخوا زوجتي هو المتبقي من الأسرة بعد هذا الحادث، والده ووالدته وزوجته واولاده الاثنين راحوا ضحية لهذا الحادث الذي تكرر مرارا ولم يتم حل جذري له". واوضح رفعت أن المشكلة ليست عند عامل المزلقان فهذا المكان يعرفه جيدا فهو لايوجد به مكان مهيء للمبيت للعامل سوي عشش لا تحمي من حر أو برد. وبالانتقال إلي غرفة مجاورة لإحد مصابي الحادث المروع، قال عماد نظمي، والد ميرنا، وزوج منال جرجس، اللتان أصيبتا في حادث قطار دهشور، "ابنتي افتكرت رقم بنت خالتها فاتصلت عليها وقالت لها إحنا عملنا حادثة علي مزلقان القطر، وبعد ماعرفت بنت خالتها مكان الحادثة راحت في غيبوبة ولما فاقت لقت نفسها في مستشفي الهرم بالجيزة علي السرير، ومن هنا بدأت الحدوته". تقول ميرنا "مكنتش متخيلة إن احنا ممكن نبقى في نفس الحوادث اللي بنسمع عنها في التليفزيون، ودا لأن المعايشة كانت أصعب من الكلام، لما القطر خبط الاتوبيس كنا عاملين زي ما يكون واحد عنده حصالة وحاطط فيها شوية قمح وعمال يشخلل بيها، دا كان وضع الاتوبيس مع القطر، والقطر كان عمال يخبط في الاتوبيس لمسافة تعدت ال 2 كيلو متر". وتابعت: "كنت بشوف الشبابيك المفتوحة وهي بيتنطر منها الناس من طول المسافة اللي القطر بقى يخبط فيها الاتوبيس، وبقيت اشوف مواقف داخل الاتوبيس منها اللي ياخد خبطة في دماغة، واللي ذراعه مكسور تحته، وغيرها من المواقف اللي مش قادرة اوصفها، واللي جفت منها دموعي من فواجع مارأيتها". وتساءلت ميرنا، "هي أرواح الناس رخيصة للدرجة دي؟، لازم الناس اللي اتسببت في الحادثة تتحاكم وأولهم عامل المزلقان والمسئولين الكبار". ويضيف عماد نظمي "أخوات المدام الأربعة اللي كانوا في الاتوبيس كلهم ماتوا في الحادثة، واحنا مش منتظرين حاجة من حد، وربنا هو اللي بيصلح". وتابع: "الكدمات في كل مكان في الجسم واحنا منتظرين الإشاعات، في كل مكان في جسمها كدمات، والحمد لله". "كنت قاعدة انا وزوجي جنب بعض علي كرسي واحد، وكان قصادنا بعض قرايبنا، واحنا راجعين من فرح في المعادي، ولما وصلنا مزلقان القطر وبنعديه تفاجئنا بصدمة شديدة في الاتوبيس اللي كنا راكبينه، وقعدنا نزحف حوالي 10 دقايق بعد الصدمة ، بعد ماوقفنا قعدنا ساعة مرميين علي الطريق ومحدش عارف عنا حاجة"، هكذا سردت سامية سمير – 45 عاما – إحدى مصابات حادث قطار دهشور، لم تستطع سامية مواصلة حديثها بسبب شدة الألم الذي كان يلاحقها خلال فترة الحديث. واكتفت سامية بالتعليق علي المتسبب في هذا الحادث بكلمة تحمل كل المعاني التي يعاني منها الجميع"الإهمال" هو السبب.