يحاول العديد من المحللين أو السياسيين العرب المعروفين بولائهم للولايات المتحدة الأميركية، أن يخففوا من تداعيات ما يحصل مع الجانب الإيراني في المفاوضات حول ملفها النووي، وحول أهمية الانفتاح الغربي – الأميركي على القيادة الإيرانية، أملاً بالاحتفاظ بمعنويات جمهورهم العالية، وخشية من أن يؤدي القلق من انجاز التسوية على حسابهم الى تداعيات دراماتيكية على حلفائهم الذين قد يهرولون للابتعاد عن المحور الخاسر، أو للحفاظ على جمهورهم الداعم. ولهذه الأسباب، يقوم هؤلاء بترويج أفكار أو ما يقولون أنها "معلومات" حول سياسة جديدة للرئيس الإيراني حسن روحاني والتي تتباين مع سياسة وتوجهات القائد "الخامنئي"، وبأنه – ومن أجل إنقاذ الجمهورية من التدهور الاقتصادي، ومن أجل إراحة الجمهور الإيراني في الداخل- مستعد للتخلي عن ملفات رئيسية في المنطقة، والتخلي عن الحلفاء مقابل تخفيف العقوبات الغربية عن بلاده، ومن هؤلاء: حزب الله في لبنان، والرئيس السوري بشار الأسد. ويشير هؤلاء كإثبات الى كلام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حين قال ان طهران قد تستخدم نفوذها لتشجيع المقاتلين الأجانب في سورية على الانسحاب منها. الحقيقة، إن من يشير الى هذه المواقف، أو يتكل على تلك الأقوال، يبدو إما أنه يحاول أن يسوّق بروباجندا معاكسة لتعميق الخلاف بين الحلفاء وتشجيع عدم الثقة بين بعضهم البعض، أو أنه لا يفهم التفاعلات الإقليمية في الشرق الأوسط وإيران بصورة جدية. وفي الحالتين، يبدو القائل تافهًا وخارجًا عن منطق الأمور، للأسباب التالية: أولاً: إن ما يقال أنه سياسة خارجية وداخلية لروحاني، تتباين مع نهج المرشد، تؤكد أن قائله لا يدرك أن "الولي الفقيه" في ايران هو الذي يحدد السياسات الاستراتيجية وبيده كل الأمور الجوهرية والمفصلية، وما رئيس الجمهورية الاسلامية الإيرانية ووزرائه وطاقم إدارته، إلا منفّذين للخطوط الاستراتيجية التي يرسمها المرشد. من هنا، فإن أي رهان على خروج روحاني بسياسة استقلالية عن الخامنئي إلا ضربًا من الخيال، أو الانفصال عن الواقع. ثانيًا، يدرك الإيرانيون جيدًا – ومعهم الروس وحزب الله – أن ما عليهم إلا ممارسة قليل من الصبر الإضافي، لتنضج التسوية التي ستعترف بانتصارهم في سوريا، فلماذا يقدم الإيرانيون تنازلات أو يتخلون عن ورقة رابحة في سوريا، ومقابل ماذا؟ إن الحديث عن التخلي الإيراني عن بشار الأسد، يظهر وكأن السياسة الإيرانية هي سياسة "جمعيات خيرية"، تضحي من أجل مصلحة الآخرين.. وهذا تفكير تافه بالنسبة لأي دولة في العالم، فكيف بايران التي تتقبل التعازي اليوم بممثل الإمام السيد علي الخامنئي ورئيس الشورى المركزية للجنة إمداد الإمام الخميني، وقد سقط الأسبوع المنصرم في دمشق. لقد دفع الإيرانيون الأموال، والرجال وساهموا مساهمة حقيقية وفعلية في صمود النظام السوري، والتخلي عنها بهذه السهولة يعدّ نوعًا من المقامرة، وهو ما لا يمكن أن يفعله الإيرانيون لا في سياساتهم الداخلية ولا الخارجية على حد سواء. ثالثًا: إن الإدّعاء بأن الإيرانيين سيتخلون عن حزب الله، من أجل مصالحهم الخاصة، والقول أن الدعم الذي حصل عليه الحزب كان من قبل الجناح الراديكالي في إيران، تدحضه النظرة الى تاريخ العلاقات الإيرانية مع حزب الله، فقد يكون الدعم الأكبر الذي حظي به الحزب على الإطلاق، هو في فترة الرئيس خاتمي الإصلاحي. هذا بالاضافة الى أنه فقهيًا، وشرعيًا ودينيًا، لا يمكن لايران أن تتخلى عن حليفها الشيعي، فكيف وهو يتمتع بهذه القوة الكبرى التي تجعله يدعم نفوذها الإقليمي في المنطقة، ويعطيها توازنًا استراتيجيًا مقابل القوة الإسرائيلية المدعومة من الغرب؟ لكل هذه الأسباب وغيرها، بدءًا باعتراف العالم بدورها الإقليمي، والسعي الحثيث للانفتاح عليها، ومحاولة استرضائها، لا يعدو كل هذا الكلام الذي يسوّقه بعض العرب وخاصة الخليجيين منهم، كونه كلامًا للاستهلاك الداخلي، أو للتعمية عن الخسارة الحاصلة في محور حلفاء أميركا، أو حملة استباقية لعدم انفراط دراماتيكي سريع لمن يتبعون هذا الحلف، بتطمينهم لمنعهم من الهرولة الى الحلف المقابل، أملاً في تخليص أنفسهم من السفينة الغارقة قبل فوات الأوان.