- 6 - إقبال واتجاهات النقد إن محاولة إقبال في تجديد التفكير الديني, تستدعي نقداً يكون في مستوى ما أنجزه إقبال. وفي هذا النطاق يمكن الحديث عن أربع محاولات نقدية, متغايرة فيما بينها من حيث الاتجاه العام، ومتنوعة من جهة الانتماء إلى فضاءات فكرية وجغرافية، ومتعاقبة من جهة زمنية، ومتباينة من حيث النتائج والدلالات. وهذه المحاولات بحسب تعاقبها الزمني هي: أولاً: نقدية هاملتون جيب في كتابه «الاتجاهات الحديثة في الإسلام» جاءت محاولة هاملتون جيب لنقد إقبال في سياق تحليله للأفكار التي أثارها في كتابه «تجديد التفكير الديني في الإسلام». وبصورة عامة يمكن القول إن جيب حاول تجنب الثناء على إقبال، أو حتى إظهار التوافق معه في بعض أفكاره، ولم يعطه حقه كما ينبغي, بل حاول أن يظهر تفوقه عليه، والتقليل من أهميته وقيمة محاولتة، بتصويرها بأوصاف تضعف من منزلتها العلمية، ولم تخل هذه المحاولة أيضاً من نزعة التعالي. ويمكن إجمال ملاحظات جيب في اتجاهين أساسيين، هما: الاتجاه الأول: ويتحدد في طبيعة بواعث الاهتمام بإقبال وأفكاره، فأولى الملاحظات التي يتطرق إليها جيب، هي حين يصور إقبال بأنه يشذ عن أولئك الكتاب الذين حاولوا الدفاع عن الدين والبرهنة على ما يحسبونه منطبقاً على الفكر العصري. واعتباره محاولة إقبال في تجديد التفكير الديني أنها تمثل صياغة الأفكار الرئيسية للإسلام في قالب موحد للاهوت الإسلامي. وحين أشار جيب ثانية إلى هذه الملاحظة اعتبر أن ما أنجزه إقبال يمثل أول محاولة تامة لإعادة بناء اللاهوت الإسلامي(21). ومن هذه البواعث أيضاً عند جيب أن إقبال في نظره يشكل أهم صورة للطائفة الإسلامية الحديثة، وهي الطائفة التي تشكل محور اهتمام كتاب جيب، مع ذلك فقد اعتبر جيب أن محاولة إقبال على هذا التميز, إلا أنها كانت مخيبة للآمال الفكرية. ومن البواعث كذلك تقدير جيب أن إقبال كان بمثابة الرجل الذي قبل مختلف الاتجاهات والتيارات الفكرية التي شغلت العالم الإسلامي في الهند، فمزاجه الشاعري كما يقول عنه جيب, جعل منه مرآة لكل ما يعتري النفس من رومانسية ليبرالية، وميول اشتراكية لدى الشباب، وتوق إلى إنشاء الجامعة الإسلامية تحت لواء رئيس قوي يعيد للإسلام مجده السياسي. وهكذا كون إقبال في تصور جيب, المدافع المتحمس عن الثقافة الغربية التي تأثر بها, مع أنه يهاجم جميع المؤسسات الغربية على اعتبارها أموراً مشينة. الاتجاه الثاني: ويصور كيف أن جيب حاول إظهار إقبال بأوصاف تقلل من أهميته، وأهمية الأفكار التي تنسب إليه. فتارة يصفه بالتناقض والتشوش، وأشار إلى هذه الملاحظة مرتين في كتابه، مرة حين اعتبر أن إقبال نظراً لمتناقضاته وتشوشاته كما يقول عنه، قد أسهم في زيادة الترجرج والنزاعات الداخلية الفكرية في الهند، ومرة حين أراد جيب تفسير ما يسميه بالتناقض عند إقبال, حين يحاول تركيب اللاهوت الصوفي خلال سعيه إلى صياغة جديدة للاهوت الإسلامي. وتارة يعتبره أنه وقع في بلبلة فكرية، وتارة ثالثة يصف أحكام له بأنها غير ناضجة، ويحاول أن يخطئه دائماً. كما اعتبر أن الأفكار التي عبر عنها إقبال في كتابه «تجديد التفكير الديني» هي نتيجة التحليل الحدسي على الطريقة الصوفية، حيث يجتذبه كاهن الرومانطيقية اللاعقلانية ونبيها هنري برغسون(22). ثانيا: نقدية محمد البهي في كتابه «الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي». بخلاف هاملتون جيب حاول الدكتور محمد البهي الدفاع عن إقبال، وإظهار التحيز له، والثناء عليه، وتصويبه فيما توصل إليه من أفكار، والاقتصاد ما أمكن في توجيه النقد إليه، مع التبرير له قدر المستطاع. وقد اعتبر الدكتور البهي إقبالاً بأنه يمثل المصلح الفكري في الإسلام من بعد الشيخ محمد عبده؛ لأنه في نظره حاول مواجهة أشد التيارات الفكرية السائدة في عصره والمضادة للإسلام، والمتمثلة بصورة أساسية في الفكر الوضعي المنتسب لأوجست كونت، والفكر المادي الإلحادي المتمثل في الماركسية. ولكونه قدم عملاً فكرياً جامعياً في كتابه «تجديد التفكير الديني في الإسلام» وموجهاً لشريحة خاصة، الشريحة التي تُعنى بقضايا الفكر والفلسفة. ويمكن تحديد النقد الذي وجهه البهي لإقبال في اتجاهين، اتجاه يتصل بالمنهج العام، واتجاه يتصل بمناقشة بعض الأفكار التفصيلية. في الاتجاه الذي يتصل بالمنهج العام تساءل البهي, هل أن إقبالاً كان يردد أفكار الغربيين في كتابه «تجديد التفكير الديني»؟ وهل أنه كان متأثراً بأوجست كونت ومذهبه الوضعي، فعُني بالعالم الواقعي، وتصوير أن الإسلام يدعو إلى التجربة الحسية؟ أو أنه كان متأثراً بهيغل في فكرة الأنا، وبنيتشه في مفهوم الرجل الخارق فنادى بالفردية؟ أو هل أن إقبالاً كان صوفياً في منهجه ينزع نحو وحدة الوجود، ويفضل الرياضة الصوفية كطريق لصفاء النفس، أو كوسيلة للوصول إلى الذات العليا؟ والذي لا شك فيه عند البهي أن إقبالاً درس الفكر الغربي دراسة واسعة وهضمه واستفاد من منهجه، ومن تعبيراته ومصطلحاته. كما أن إقبالاً أيضاً في نظره كان صوفياً يقدر الرياضة الصوفية، ليس فقط لصفاء النفس والروح، وإنما للوصول إلى المعرفة الكلية. مع ذلك فإن ما طرحه إقبال في نظر البهي, لم يكن ترديداً للفكر الغربي، أو أثراً للصوفية، أو مزاوجة بين الفكر الغربي والصوفية في الإسلام(23). ومن ثم حاول البهي الدفاع عن إقبال، وتصويب أفكار ومنهجه. وما لم يشر إليه البهي, أن مثل هذا النقد كان مطروحاً في حياة إقبال, حيث حاول الدفاع عن نفسه أمام ما كان يقال عن تأثره بالفكر الغربي وبنيتشه بشكل خاص. فقد جاء في خطاب وجهه إقبال للدكتور نيكلسون قوله: «كل من حاول إثبات إفادتي من نيتشه فهو لا يعرف الحقيقة. إن نظريتي في الإنسان الكامل قد أبديتُها وكتبتُ فيها قبل أن أعرف نيتشه بسنين طويلة. وقد سبق أن نشرت مقالاً في هذا الصدد منذ فترة طويلة، ثم ألحقته في رسالتي للدكتوراه عن تطوّر ما وراء الطبيعة في إيران عام 1908م. وأهم ما يفرق بيني وبين نيتشه، أن نيتشه لا يرى من الضروري أن تتصادم الذات في طريق تنميتها وارتقائها إلى القمة مع العوامل الخارجية، وأما عندي فمن الضروري أن تحدث المعركة بين الذات وبين العوامل الخارجية، والسبب في ذلك أن نيتشه لا يرى من الضروري بقاء الإنسان، وأما أنا فأقرّ بقاء الإنسان» (24). وقد ظل إقبال يدافع عن فلسفته وأفكاره وهو يجادل ويحاجج مفكري أوروبا وفلاسفتها، ويرى أن فلسفته هذه، هي فلسفة إسلامية أصلها ومنبعها القرآن. وتقصَّد إقبال كما يقول أن يحاجج المفكرين الأوروبيين بالفلسفات التي يعرفونها، ولو شاء لحاججهم بما في كتب فلاسفة الإسلام، وكتب الصوفية لإثبات آرائه. أما الاتجاه الثاني في نقد البهي, فهو يتصل بمناقشة بعض الأفكار ووجهات النظر التي يختلف فيها مع إقبال، كرأيه في شرح استمرار العالم وخلوده وبقائه, الرأي الذي يرى فيه البهي أن تفسير النصوص التي استعان بها إقبال في تكوين هذا الرأي تخرج عن مدلولاتها الطبيعية المتعارف عليها عند المفسرين. وهكذا في تفسيره لبعض آيات القرآن الكريم، وتقييمه لبعض الحركات الحديثة التي ظهرت في العالم الإسلامي, كالبهائية في إيران، وحركة أتاتورك في تركيا، إلى جانب أفكار أخرى فصّل البهي الحديث عنها في كتابه «الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي». ثالثا: نقدية فضل الرحمن في كتابه «الإسلام وضرورة التحديث» لقد حاول فضل الرحمن أن يكون حذراً وصارماً في حديثه ونقده لإقبال نتيجة لموقعه الأكاديمي الرفيع. ومن حيث المنحى العام فإنه كان شديد الشبه بهاملتون جيب، فقد تجنب توجيه الثناء لإقبال، أو إظهار التناغم والتوافق معه. وما طرحه فضل الرحمن كان مجرد ملاحظات متناثرة ومتفرقة، ولم يقدم تحليلاً وافياً ومتماسكاً ومنهجياً لأطروحة إقبال الفكرية، مع ذلك سوف نشير إلى هذه الملاحظات لأهمية المكانة العلمية لفضل الرحمن في مجال الإسلاميات الأكاديمية المعاصرة، ولكونه ينتسب إلى البيئة الوطنية التي ينتسب إليها إقبال. وقد أشار فضل الرحمن لأهمية إقبال وبنوع من الحذر، مرتين في كتابه «الإسلام وضرورة التحديث». مرة حين اعتبر أن ليس من قبيل الصدفة على حد قوله ألا تعرف الحداثة الإسلامية أي طالب جاد للفلسفة في طول العالم الإسلامي وعرضه يمكن الافتخار به سوى محمد إقبال. ومرة حين اعتبر كما اعتبر من قبل هاملتون جيب, أن محمد إقبال قام بالمحاولة المنهجية الوحيدة في العصور الحديثة في ميدان المعرفة الإسلامية الميتافيزيقية في كتابه «تجديد التفكير الديني في الإسلام». وأبرز الملاحظات التي أشار إليها فضل الرحمن هي: 1 اعتبار أن هدف إقبال في محاولته الفكرية، لم يكن هدفاً دراسياً علمياً، بل كان هدفه يقظة المسلمين كأمة وجماعة. ولهذا لم يقم إقبال حسب نظر فضل الرحمن, بصياغة فلسفة تربوية، ولم يضع أي برنامج لتربية المسلمين. كما لم يقدم أي شيء من شأنه أن يمثل صياغة لسياسات تربوية إسلامية، ليس فقط في المجال التربوي، بل في غيره من حقول المسعى البشري. ولم يترك إقبال أي تراث وضعي أو إيجابي باستثناء رغبته التي أبداها في أن يكون لمسلمي الهند وطنهم الذي يمكنهم أن ينظموا ويوجهوا حياتهم تبعاً لما تحضهم عليه تعاليم الإسلام(25). وفي هذه النقطة تحديداً يظهر الافتراق المنهجي بين فضل الرحمن وإقبال، بين إقبال الذي كانت تحركه نزعة الإحياء واليقظة ونهضة المسلمين، وبين فضل الرحمن الذي كانت تحركه النزعة العلمية والأكاديمية، وبحكم هذه النزعة كان من السهل على فضل الرحمن أن يلتفت لمثل هذه الملاحظة، ويعيرها الأهمية. وقد كان إقبال ملتفتاً لهذه الملاحظة التي أثارها فضل الرحمن، فهو يرى أولوية تقديم جانب العمل والتجربة على جانب الرأي والتفكير المجرد، ومن الملاحظات البديعة التي وجدتها في كتاب «تجديد التفكير الديني في الإسلام» أن الفكرة التي يفتتح بها إقبال كتابه، تحمل المعنى نفسه للفكرة التي يختتم بها كتابه. وهي الفكرة التي تقدم جانب العمل على جانب الرأي، فأول سطر يفتتح به إقبال كتابه هو «القرآن الكريم كتاب يُعنى بالعمل أكثر مما يُعنى بالرأي». وفي نهاية الكتاب يختتمه بقوله: «بأن العالم ليس شيئاً لمجرد الرؤية، أو أنه شيء يعرف بالتصور، وإنما هو شيء يبدأ ويعاد بالعمل المستمر». وأثبتت التجربة عنده كما يقول إقبال «أن الحقيقة التي يكشفها العقل المحض لا قدرة لها على إشعال جذوة الإيمان القوي الصادق، تلك الجذوة التي يستطيع الدين وحده أن يشعلها، وهذا هو السبب في أن التفكير المجرد لم يؤثر في الناس إلا قليلاً، في حين أن الدين استطاع دائماً أن ينهض بالأفراد، ويبدل الجماعات بقضها وقضيضها، وينقلهم من حال إلى حال» (26). 2 في نظر فضل الرحمن أن إقبال لم يأتِ بأي إضافة منهجية في مجال تعليم القرآن، وإنما اختار واستعار من بين آياته لكي يبرهن على أطروحات من المؤكد كما يقول فضل الرحمن, أن بعضها كان حقاً من نتاج تمعنه العام في القرآن، لكنها تبدت له على أي حال ملائمة بشكل جيد للاحتياجات الراهنة لمجتمع إسلامي جامد، وأنه يعبر عن تلك الأطروحات انطلاقاً من نظريات تطور معاصرة مثل نظرية برغسون ووايتهد. وتفسير هذه الملاحظة يتصل بالملاحظة السابقة، في أن هدف إقبال لم يكن هدفاً دراسياً، وبالتالي فإنه لم يكن بصدد بلورة نظرية منهجية في فهم القرآن، ولم يكن هذا قصده على الإطلاق. لكنه جعل من القرآن الكريم منبعاً لفلسفته ليكون مستقلاً عن الفلسفة الأوروبية، والفلاسفة الأوروبيين، ولعله ليقول لهؤلاء إنه لا يأخذ فلسفته منهم وإن رجع إليهم، وإنما يأخذها من القرآن الكريم. وعلى ضوء هذا الكتاب يحاكم فلسفاتهم ومقولاتهم الفلسفية، ليكشف لهم عظمة القرآن، وكيف أنه يمثل منبعاً صافياً وأصيلاً ومتجدداً في اكتشاف وتوليد واستنباط الأفكار الحية والمعاصرة. وقد كان يبدو عند إقبال أن مقدمة ابن خلدون تدين بالجانب الأكبر من روحها إلى ما استوحاه المؤلف من القرآن، بل هو مدين للقرآن إلى حد كبير في أحكامه على الأخلاق والطبائع. هذا عند إقبال، ويبدو عندي أن هذا الكلام بتمامه ينطبق على إقبال فإنه مدين للقرآن إلى حد كبير في استنباط وتوثيق أفكاره ومقولاته، وحتى في استقلاله الفلسفي، وتميزه عن الفلاسفة الأوروبيين. وليس كما ظن هاملتون جيب خطأً حين اعتبر أن من الضعف عند إقبال كونه يستند بصورة دائمة إلى الآيات القرآنية لإثبات براهينه. 3 يرى فضل الرحمن أن محاولة إقبال صارت اليوم قديمة جداً، طالما أنه كان يأخذ مأخذ الجدية معاصريه من العلماء الذين كانوا يحاولون أن يبرهنوا على إرادة الإنسان الدينامية الحرة بالاستناد إلى قاعدة المعطيات العلمية الجديدة. والنقاش الذي يوجه لهذا الكلام، هل هناك محاولة لا ينبغي لها أن تأخذ مأخذ الجد آراء ومقولات وأفكار المعاصرين لها من العلماء! وإذا كانت محاولة إقبال صارت اليوم قديمة، فهي قديمة من ناحية زمنية، لا من ناحية معرفية، فهي لم تقرأ بصورة معمقة إلى هذا اليوم، ولم نتجاوز هذه المحاولة معرفياً إلى هذا اليوم أيضاً، فهي محاولة لم تتمم من جهة، إلى جانب أن هناك انقطاعاً معرفياً عنها من جهة أخرى. وكان من الإنصاف عندما أشار فضل الرحمن إلى هذه الملاحظة أن يلتفت ويشير إلى اللفتة الذكية من إقبال حين أشار في مقدمة كتابه إلى ملاحظة تعزز من قيمته، وتسلب المعنى من ملاحظة فضل الرحمن، بقوله: «إنه ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا أن التفكير الفلسفي ليس له حدّ يقف عنده، فكلما تقدمت المعرفة، وفتحت مسالك للفكر جديدة، أمكن الوصول إلى آراء أخرى، غير التي أثبتها في هذه المحاضرات، وقد تكون أصح منها. وعلى هذا فواجبنا يقتضي أن نرقب في يقظة وعناية تقدم الفكر الإنساني، وأن نقف منه موقف النقد والتمحيص» (27). رابعا: نقدية الشيخ مرتضى المطهري في كتابه «الحركات الإسلامية في القرن الأخير». في هذا الكتاب قدم الشيخ المطهري ملاحظات عامة وسريعة، وهو يقيم الدور الإصلاحي لإقبال الذي يحضى عنده بثناء كبير، وعند النخب الدينية الإيرانية بصورة عامة. لكون إقبال كان قريباً من الثقافة الإيرانية، كما تجلى ذلك في رسالته للدكتوراه التي خصصها حول تطور وازدهار علم ما وراء الطبيعة في إيران، ولأنه كان يكتب الشعر باللغة الفارسية وبذائقة شعرية خلاقة وبديعة، ولمسلكه المعنوي والعرفاني المزدهر في الثقافة الإيرانية، ومحبته الصادقة لأهل البيت (عليهم السلام). لهذا فإن التأثير الذي تركه إقبال في إيران، وفي الفكر الديني والحياة الثقافية هناك، لا نرى ما يماثله من تأثير في العالم العربي. وفي نظر الشيخ المطهري فإن إقبال كان يمتلك معرفة واسعة وعميقة بالأفكار الفلسفية والاجتماعية الغربية، وكان يعتقد أن الغرب يفتقد إلى إيديولوجية إنسانية متكاملة، في حين أن الإسلام في نظره كان يمتلك مثل هذه الإيديولوجية. وبخلاف سائر تلامذة الثقافة الغربية فإن إقبال كان يملك بعداً روحياً وعرفانياً عميقاً، فهو يعطي أهمية فائقة للعبادة والصلاة والذكر. ويضيف الشيخ المطهري أن إقبالاً كان يفكر بنفس القضايا التي أهتم بها الشيخ محمد عبده في ضرورة البحث عن طريق يستطيع المسلمون من خلاله حل ومعالجة مشاكلهم السياسية والتربوية والاجتماعية المعاصرة، بالإضافة إلى أن إقبال لم يكن رجل فكر فقط، بل رجل عمل ونضال أيضاً. أما نقاط الضعف عند إقبال في تقدير الشيخ المطهري، والتي ظهرت من خلال كتابه (تجديد التفكير الديني في الإسلام) فيحددها بنقطتين، هما: 1 أن معرفة إقبال بالثقافة الغربية كانت أوسع من معرفته بالثقافة الإسلامية. 2 تقييماته الخاطئة للحركات الإصلاحية والشخصيات في العالم الإسلامي، حين اعتبر الحركة البهائية في إيران، وإصلاحات أتاتورك في تركيا من الحركات الإصلاحية.