انفض المولد الدرامي الرمضاني وهدأت عواصف برامج المواجهات ونسي الناس سخافة برامج المقالب , وتصدر المشهد الإعلامي قنوات خاصة بعضها يمتلك رصيدا عند المشاهد المصري مثل دريم والحياة والبعض الآخر يخطو أولى خطواته نحو حجز مكانا مميزا في فضاء الإعلام مثل التحرير والنهار و “cbc” فيما خرج التليفزيون المصري الرسمي بكل قنواته من المولد بلا حمص أو مشاهد يحلف بحياته . إنتظر المصريون دافعي الضرائب أن يعبر عنهم تليفزيون بلدهم الرسمي بعد قيام ثورة 25 يناير وأن يمحو تلك الصورة السيئة التي رسخت بالأذهان بسبب سياسة التعتيم ومشاهد كوبري أكتوبر الخالية من المارة بينما الملايين يهتفون بسقوط النظام على بعد أمتار في ميدان التحرير لكن للآسف لم يحدث أي تطور في فكر الإعلام الرسمي بإستثناء إستضافة رموز جماعة الإخوان المسلمين وبعض المعارضين للنظام السابق لكن ظل التعامل مع القضايا كما هو والتعتيم هو سيد الموقف حتى مجيئ التعليمات وظهر ذلك بوضوح أثناء المظاهرات التي خرجت مؤخرا أمام السفارة الإسرائيلية ، فالتليفزيون المصري يفضل في كثير من الأحيان نظرية “يا خبر النهاردة بفلوس بكرة يبقى ببلاش” وهي نظرية تضمن له الإبتعاد عن الصدام مع بعض مراكز صنع القرار لكن الإعلام الذي يؤثر الهدوء ويبتعد عن وجع الدماغ هو إعلام لا يهتم الناس بمتابعته ولا يثقون في محتواه . وفي ظل تلك الحالة الإعلامية البلهاء لم يكن غريبا أن يخرج التليفزيون المصري بمختلف قنواته وتاريخه الطويل خالي الوفاض من كل الإستفتاءات المتعلقة بكثافة المشاهدة في شهر رمضان بينما تتصدر المشهد قنوات عمرها أشهر قليلة ولا عزاء لمبنى ماسبيرو بالإمكانيات الضخمة والآلاف من الموظفين والمبنى الشاهق المطل على النيل. فبكل آسف الثورة العظيمة التي أسقطت نظام سياسي فاسد وتحاكم رئيس البلاد السابق وأولاده وكبار معاونيه لم تصل إلى مبنى التليفزيون المصري .. والشباب الذين دفعوا حياتهم ثمنا لمحاربة الفساد لم يعد لهم مكانا في ماسبيرو بعد الثورة وعادت لغة الأقدمية والدرجة الوظيفية من جديد بعد أن كانت توارت وإختفت تقريبا قبل الثورة وإلا ما ظهرت كوادر شابة تمتلك القدرة على القيادة والنجاح مثل مصطفى حسين رئيس قناة النيل للرياضة السابق وعزة مصطفى رئيسة القناة الأولى السابقة ودينا رامز رئيسة قناة نايل لايف السابقة و خالد شبانة رئيس قناة نايل كوميدي الحالي وعمر زهران رئيس قناة نايل سينما الحالي وحتى نواب رؤساء القنوات الذين تم تعيينهم قبل الثورة كان بينهم كفاءات تمتلك القدرة على القيادة والخلق والإبداع مثل السيناريست سيد فؤاد نائب رئيس قناة النيل للدراما والذي عمل أيضا نائبا لرئيس القناة الثقافية لكن التغييرات التي حدثت بعد الثورة ألغت منصب النائب تماما لكي لا يكون هناك تأهيل للقيادات الشابة من خلال تحمل جزء من المسئولية في الإدارة وحتى من تم تعيينهم من رؤساء القطاعات والقنوات في الفترة الأخيرة جاءوا بحكم الأقدمية ، لذلك ليس غريبا أن يرجع التليفزيون المصري بقنواته المختلفة إلى الخلف بينما تتقدم قنوات أخرى وليدة . والحقيقة التي لا تقبل أي شك هي أن التليفزيون المصري يحتاج إلى ثورة حقيقية من أجل تخليص مبنى ماسبيرو من كل العمالة الزائدة وعديمي الموهبة وأن تتحكم الكفاءة والقدرات الخاصة وليس الأقدمية في تعيين القيادات وإلا سيظل الإعلام المصري يعاني أزمة ثقة مع المشاهد .