لم يخطر يومًا ببال الرئيس المعزول محمد مرسي أن تكون نهايته في نفس قفص محاكمة "الطاغية" مبارك؛ فقد بُحَّ صوت الشعب بأن يحكم بالعدل وألا يفضل "جماعته" على باقي المواطنين، وأن يضع حلولاً موضوعية وممكنة التنفيذ لما تعيش فيه البلد من فقر وبطالة وجهل وأمراض مستعصية، ولكنه لم يُصغِ لصوت سواه وما يمليه عليه مكتب الإرشاد، فكانت النتيجة أن ينزل الشعب ويعبر عن رفضه لاستمرار هذا النظام. وبالفعل أُسقِط نظام جماعة الإخوان المسلمين، فشغلوا الرأي العام بتوضيح هل ما حدث ثورة أم انقلاب! ولم يشغلوا أنفسهم حتى بالاعتراف بأخطائهم وأن يجلسوا على مائدة الحوار ويعلنوا تقبلهم للإرادة الشعبية. فقد وصلت مصر إلى مرحلة حرب الشوارع، وسيطرت حالة الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد بفضل الغباء السياسي للجماعة وخطابهم التكفيري وتركيزهم على "خطيئة" الجيش بالانحياز لإرادة الشعب والتحدث عن مصالح القوات المسلحة وطمعها في الحكم، رغم أن من يسبونه ويشوهونه عيَّنه زعيمهم، وهللوا له وقالوا إنه عيَّن وزير دفاع "بطعم الثورة". وفي مفارقة لم تكن لتأتي على بال أعتى كُتّاب السيناريو وأكثرهم جنوحًا إلى الفانتازيا، يمكث مرسي بعد ساعات قليلة برداء أبيض يشبه ما كان يلبسه "المخلوع" في جلسات محاكمته، ويقف في نفس القفص بأكاديمية الشرطة، وينتظر أن تنتصر دولة القانون التي ضرب بها عرض الحائط، وأسس دولة اللا قانون واللا مؤسسات، وها هو يجني ثمار أعماله. ويتلخص عام حكم مرسي في سطور قليلة، حيث تولى منصب الرئيس بصفة رسمية في 30 يونيو 2012 حين قام بأداء اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا. وبعد عدة أيام وتحديدًا في 8 يوليو 2012 ألغى حكمًا سابقًا للمحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب، وأعاده للعمل، ولكن المحكمة أكدت أن حكم حل المجلس نهائي وملزم للجميع، وتراجع مرسى بعدها عن قرار الحل، مؤكدًا احترامه للدستور والقانون والسلطة القضائية. أما في 19 يوليو 2012 فقد أصدر مرسي قرارًا بالإفراج عن 572 سجينًا مدانين بأحكام عسكرية وتخفيف العقوبات عن بعضهم؛ مما تسبب في غضب شعبي وبداية لحالة احتقان بين الشعب والجماعة. وفي 12 أغسطس 2012 أقال عددًا كبيرًا من قيادات الجيش، على رأسهم وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي والفريق سامي عنان، ومنحهما قلادة النيل وعينهما مستشارين له، وعيَّن وزير الدفاع الحالي عبد الفتاح السيسي عقب مقتل 16 جنديًّا في رفح. ثم حدثت اعتراضات واسعة ضد ه بعد قيامه بدعوة قيادات إسلامية ممن تمت إدانتهم باغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات لحضور الاحتفال الرسمي بمرور 39 عامًا على حرب 6 أكتوبر 1973. ويعتبر يوم 22 نوفمبر 2012 أول مسمار في نعش حكمه، حينما أصدر إعلانًا دستوريًّا ينص على «إعادة التحقيقات فى الجرائم التي تمت ضد المتظاهرين خلال ثورة 25 يناير، وتحصين قراراته من الطعن أمام القضاء لمدة محددة، وتحصين الجمعية التأسيسية لوضع الدستور ومجلس الشورى من الحل ولو بحكم قضائي»، بجانب عزل النائب العام عبد المجيد محمود، والذي ينص القانون على عدم جواز عزله. وبعد اعتراضات واشتباكات ووقوع قتلى ومصابين في الاحتجاج على الإعلان الدستوري، قام أنصار الجماعة بإطلاق مليونية «الشرعية والشريعة» بميدان «النهضة» بالجيزة، والتي أعلن مؤيدوه فيها مساندتهم للإعلان الدستوري. وتوالت الأحداث بشكل دراماتيكي خاصة يوم 5 ديسمبر 2012، بعد أن قام أنصار مرسي بفض اعتصام المعارضين أمام القصر، وسط اشتباكات شهدت سقوط 10 قتلى من بينهم الحسيني أبو ضيف. وبعدها بأربعة أيام تراجع مرسي عن موقفه، وألغى الإعلان الدستورى، مع الإبقاء على معظم آثاره. وما كاد يهدأ الموقف حتى كانت أزمة جديدة في 26 يناير 2013 بعد اندلاع اشتباكات بين قوات الشرطة ومتظاهرين في بورسعيد، عقب صدور حكم بإعدام 21 شخصًا، معظمهم من أبناء المحافظة، في قضية «مذبحة بورسعيد» التي راح ضحيتها 70 من مشجعي النادي الأهلي، وسقط خلال تلك الاشتباكات ببورسعيد عشرات القتلى؛ مما أدى لاحتجاجات بالمحافظة وأماكن أخرى تتهم مرسي ب «القمع». وأجرى تعديلات وزارية بتغيير 10 وزراء، ولكنه حافظ على هشام قنديل رئيسًا للوزراء وسط تحفظ واسع من معارضيه وعدد من مؤيديه ووقوع اشتباكات متتالية ومتفرقة في العديد من المحافظات المصرية بين مؤيديه ومعارضيه، أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى. وجاء يوم 15 يونيو 2013 مكملاً لعام شهد الكثير من "العك السياسي"، حين حضر مؤتمرًا في استاد القاهرة تحت شعار «دعم سوريا»، أعلن خلاله قطع العلاقات مع النظام السوري، كما قام بعض القيادات الإسلامية في الحفل بمهاجمة معارضي مرسي، في الوقت الذي كان سفير الكيان الصهيوني يرتع في القاهرة ولم يجرؤ على طرده أو قطع العلاقات معهم. ثم جاء يوم كشف الحساب في 26 يونيو، حيث ألقى أطول خطاب له، استمر قرابة ساعتين وأربعين دقيقة، بمناسبة مرور العام الأول من فترته الرئاسية، وأكد فيه على ارتكابه أخطاء في أشياء كثيرة، وظل يغازل الشرطة والمؤسسة العسكرية، وأكد على نزاهتهما وولائهما له، وحذر من اندلاع أي مظاهرات، مهددًا بأن الداخلية لن تتهاون مع "المخربين " و"مثيري الشغب" – كما وصفهم – وكان الخطاب بمثابة تصفية الحسابات مع رجال أعمال وبعض المسئولين. ومع الذكرى الأولى على توليه الحكم شهدت مصر انطلاق مظاهرات تطالب برحيله وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ومظاهرات أخرى لمؤيديه تطالب ببقائه، دون تعقيب من الرئاسة. وبعد البيان الذي أصدرته قيادة القوات المسلحة يوم 1 يوليو وأمهلت فيه «جميع القوى السياسية» يومين آخرين للاستجابة ل «مطالب الشعب»، تجاهله مرسي وأصدر خطابًا مسجلاً كان مقتضبًا في الوقت، وتميز بالدموية، وظل يردد فيه كلمة «شرعية»؛ ليؤكد أنه لن يتخلى عن منصبه. ثم انتهت المهلة المحددة، وأعلنت قيادة القوات المسلحة، في حضور قيادات سياسية ودينية، «خارطة الطريق» التي تضمّن محتواها «عزل مرسي، وتعديل الدستور، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة». وتم الإعلان عن أن مرسي موجود في مكان «آمن» لكن غير معلن عنه «لأسباب أمنية»، وأعلن مؤيدو مرسي اعتصامًا مفتوحًا في «رابعة العدوية» وميدان «النهضة»، حتى عودة مرسي لمنصبه. ويواجه مرسي اليوم تهمًا بقتل المتظاهرين والتخابر مع دول أجنبية وبعض التهم الأخرى.