عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب اليوم الخميس 21-8-2025 بعد الارتفاع الكبير    روسيا تفرض قيودًا على الطيران في مطاري كالوجا وساراتوف لأسباب أمنية    كيم جونغ أون يحيي جنوده المشاركين في القتال إلى جانب روسيا    قصف إسرائيل ل جباليا البلد والنزلة وحي الصبرة في قطاع غزة    «لازم تتعب جدًا».. رسالة نارية من علاء ميهوب لنجم الأهلي    عاجل- درجة الحرارة تصل 42 ورياح.. بيان مهم من الأرصاد يكشف حالة الطقس اليوم الخميس    سامح الصريطي بعد انضمامه للجبهة الوطنية: لم أسعَ للسياسة يومًا.. لكن وجدت فرصة لخدمة الوطن عبر الثقافة والفن    «الشيخ زويد المركزي» يبحث مع «اليونيسف» ووزارة الصحة تأهيله كمركز تميز للنساء والتوليد ورعاية حديثي الولادة    نائب ترامب: لقد غير النزاع اقتصاد أوروبا وآسيا.. ونحن بحاجة إلى العودة للسلام    وداعا لمكالمات المبيعات والتسويق.. القومي للاتصالات: الإيقاف للخطوط والهواتف غير الملتزمة بالتسجيل    فلكيًا.. موعد المولد النبوي الشريف 2025 رسميًا في مصر وعدد أيام الإجازة    مروة يسري: جهة أمنية احتجزتني في 2023 أما قلت إني بنت مبارك.. وأفرجوا عني بعد التأكد من سلامة موقفي    رجل الدولة ورجل السياسة    حين يصل المثقف إلى السلطة    أذكار الصباح اليوم الخميس.. حصن يومك بالذكر والدعاء    رئيس شعبة السيارات: خفض الأسعار 20% ليس قرار الحكومة.. والأوفر برايس مستمر    للرجال فقط.. اكتشف شخصيتك من شكل أصابعك    الآن.. شروط القبول في أقسام كلية الآداب جامعة القاهرة 2025-2026 (انتظام)    إصابة مواطن ب«خرطوش» في «السلام»    درجة الحرارة تصل 43.. بيان مهم من الأرصاد يكشف حالة الطقس اليوم    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري بالاسواق اليوم الخميس 21 أغسطس 2025    عيار 21 بالمصنعية يسجل أقل مستوياته.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الهبوط الكبير    توقعات الأبراج حظك اليوم الخميس 21-8-2025.. «الثور» أمام أرباح تتجاوز التوقعات    ابلغوا عن المخالفين.. محافظ الدقهلية: تعريفة التاكسي 9 جنيهات وغرامة عدم تشغيل العداد 1000 جنيه    «عنده 28 سنة ومش قادر يجري».. أحمد بلال يفتح النار على رمضان صبحي    تعاون علمي بين جامعة العريش والجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا    لماذا لا يستطيع برج العقرب النوم ليلاً؟    استشاري تغذية يُحذر: «الأغذية الخارقة» خدعة تجارية.. والسكر الدايت «كارثة»    90 دقيقة تحسم 7 بطاقات أخيرة.. من يتأهل إلى دوري أبطال أوروبا؟    "تجارة أعضاء وتشريح جثة وأدلة طبية".. القصة الكاملة وآخر مستجدات قضية اللاعب إبراهيم شيكا    استخدم أسد في ترويع عامل مصري.. النيابة العامة الليبية تٌقرر حبس ليبي على ذمة التحقيقات    الجبهة الوطنية يعين عددًا من الأمناء المساعدين بسوهاج    الصحة في غزة: ارتفاع حصيلة ضحايا المجاعة وسوء التغذية إلى 269 بينهم 112 طفلًا    الجنائية الدولية: العقوبات الأمريكية هجوم صارخ على استقلالنا    شراكة جديدة بين «المتحدة» و«تيك توك» لتعزيز الحضور الإعلامى وتوسيع الانتشار    ضربها ب ملة السرير.. مصرع ربة منزل على يد زوجها بسبب خلافات أسرية بسوهاج    شراكة جديدة بين "المتحدة" و"تيك توك" لتعزيز الحضور الإعلامي وتوسيع نطاق الانتشار    السفير الفلسطيني بالقاهرة: مصر وقفت سدًا منيعًا أمام مخطط التهجير    احتجاجات في مايكروسوفت بسبب إسرائيل والشركة تتعهد بإجراء مراجعة- فيديو    رئيس اتحاد الجاليات المصرية بألمانيا يزور مجمع عمال مصر    بعد التحقيق معها.. "المهن التمثيلية" تحيل بدرية طلبة لمجلس تأديب    بعد معاناة مع السرطان.. وفاة القاضي الأمريكي "الرحيم" فرانك كابريو    ليلة فنية رائعة فى مهرجان القلعة للموسيقى والغناء.. النجم إيهاب توفيق يستحضر ذكريات قصص الحب وحكايات الشباب.. فرقة رسائل كنعان الفلسطينية تحمل عطور أشجار الزيتون.. وعلم فلسطين يرفرف فى سماء المهرجان.. صور    ناصر أطلقها والسيسي يقود ثورتها الرقمية| إذاعة القرآن الكريم.. صوت مصر الروحي    طارق سعدة: معركة الوعي مستمرة.. ومركز لمكافحة الشائعات يعمل على مدار الساعة    عودة شيكو بانزا| قائمة الزمالك لمواجهة مودرن سبورت    "أخطأ في رسم خط التسلل".. الإسماعيلي يقدم احتجاجا رسميا ضد حكم لقاء الاتحاد    محافظ كفر الشيخ يقدم واجب العزاء في وفاة والد الكابتن محمد الشناوي    اتحاد الكرة يفاوض اتحادات أوروبية لاختيار طاقم تحكيم أجنبي لمباراة الأهلي وبيراميدز    جمال شعبان: سرعة تناول الأدوية التي توضع تحت اللسان لخفض الضغط خطر    كلب ضال جديد يعقر 12 شخصا جديدا في بيانكي وارتفاع العدد إلى 21 حالة خلال 24 ساعة    عودة المياه تدريجيا إلى كفر طهرمس بالجيزة بعد إصلاح خط الطرد الرئيسي    وفاة أكثر قاض محبوب في العالم وولاية رود آيلاند الأمريكية تنكس الأعلام (فيديو وصور)    افتتاح قمة الإبداع الإعلامي للشباب العربي بحضور هنو ومبارك وعمار وعبدالغفار وسعده    ما الفرق بين التبديل والتزوير في القرآن الكريم؟.. خالد الجندي يوضح    أمين الفتوى يوضح الفرق بين الاكتئاب والفتور في العبادة (فيديو)    طلقها وبعد 4 أشهر تريد العودة لزوجها فكيف تكون الرجعة؟.. أمين الفتوى يوضح    كيف يكون بر الوالدين بعد وفاتهما؟.. الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.منذر سليمان: قراءة في شلل وتصدع البنيان الحكومي الأمريكي
نشر في البديل يوم 05 - 10 - 2013

"استدارة" السياسة الأميركية نحو آسيا، كهدف استراتيجي رسمته لمواجهة النفوذ الصاعد لكل من الصين وروسيا، فرض عليها استدارة معاكسة في الآونة الاخيرة نتيجة انكفاء داخلي على خلفية إقرار الميزانية السنوية. الرئيس أوباما عوّل طويلا على لقاء قمة يجمعه بزعماء "منظمة دول جنوب شرق آسيا،" التي تضم روسيا والصين، ينعقد في بروناي يومي 9 و 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، كمنصة انطلاق لتثبيت دعائم الاستراتيجية الاميركية، وطمأنة الدول الدائرة في الفلك الاميركي لحضورها بقوة في المنطقة. في اللحظات الأخيرة، اضطر الرئيس اوباما للاعتذار عن حضور لقاء القمة تحت ضغط مناخ الشلل الحكومي "الذي انعكس بقوة على أعمدة أساسية في السياسة الخارجية الاميركية."
خصوم الرئيس أوباما، لا سيما الجناح الأكثر تشددا في الحزب الجمهوري، استغلوا نفوذهم في مجلس النواب لفرض تراجع على الرئيس يفضي بتقييد التمويل أو إلغاء برنامج الرعاية الصحية الشاملة – والذي تم اقراره مسبقا.
نفذ الجمهوريون وتيارهم المتشدد، حزب الشاي، تهديدهم بعدم اقرار الميزانية وإغلاق الدوائر والمؤسسات الحكومية وتسريح نحو 800 ألف موظف بشكل قسري، بغية النيل من أولويات جدول أعماله. لم يلبث أوباما أن حذر من "التداعيات الضارة لإغلاق مرافق الدولة.. (وهو) اسلوب غير جدي أو مسئول لتسيير أعمال الحكومة الأميركية."
القوات المسلحة الأميركية، لا سيما المنتشرة في قواعد عبر العالم، لم يسجل أنها تأثرت بحجب الميزانية، فضلا عن أن قواعد الصواريخ الحاملة برؤوس نووية أبقت على برامجها في التأهب على حالها. الجسم الأكبر المتضرر من الاغلاق والتسريح يشمل الموظفين والمتعاقدين في منطقة واشنطن، بينما لا يزال نحو 73% من الأطقم الحكومية تمارس مهامها المعتادة؛ أما بقية الولايات المتحدة الأخرى فإن ارتدادات الإغلاق ستكون أقل ضررا عليها وعلى مواطنيها.
بذور إجراءات شلل أعمال الدولة وجدت في مناخ تأسيس أركان الدولة بيئة خصبة، لا سيما في النصوص الدستورية والصيغة الفيدرالية في الحكم، فضلا عن الاصطفافات السياسية الراهنة في واشنطن وتبخر الحلم الاميركي لدى اعداد من افراد الشعب.
قبل تناول تلك العوامل بالتفصيل، علينا التطرق لمناخ الانقسامات والاصطفافات السياسية، ليس بين الحزبين السياسيين فحسب، بل الاستقطابات داخل الحزب الجمهوري والتي باتت تهدد وحدته التقليدية، فضلا عن الصراع التقليدي بين اجنحة متعددة لاسباب عقائدية، والاصطفافات المبكرة من الطرفين تمهيدا لخوض جولة الانتخابات المقبلة، 2014، والانتخابات الرئاسية 2016.
أبدى عدد من زعماء الحزب الجمهوري التقليديين عدم ارتياحهم من تهور التيار المتشدد في حزب الشاي وتداعيات إصراره بإغلاق مرافق الدولة على لحمة الحزب. اذ حذر السيناتور جون ماكين، في خطابه أمام مجلس الشيوخ، زملاءه من أن "غالبية الشعب الأميركي أبدى تأييده لرئيس الولايات المتحدة وجدد ثقته به لإدارة دفة الدولة." وناشد ماكين، من بين زعامات سياسية أخرى، أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس النواب تفادي إجراءات الإغلاق (قبل تنفيذها) والعدول عن سياسة حافة الهاوية التي يدفع بها للواجهة انصار حزب الشاي.
من المفارقة أن أعضاء الحزب الجمهوري تعاهدوا على التصدي لبرنامج الرعاية الصحية الشامل، اوباما كير، ليجدوا انفسهم عرضة للانقسام على خلفية الاصطفاف حول المسألة عينها، لا سيما في ظل غياب رمز قوي يوحد الاجنحة المتعددة. لعل الادق ان جذور الشرخ والانقسام داخل الحزب الجمهوري تعود الى عام 2009 عند بروز تيار حزب الشاي وتصعيد خطابه ضد القوى التقليدية في الحزب طالبا منها اعادة النظر في سياساتها "الواقعية" على حساب "المحافظة على الطهارة الايديولوجية."
أبرز تجليات الانقسام برزت خلال المرحلة الأخيرة في إقرار الميزانية السنوية، وصعود نجم السيناتور تيد كروز الذي يحسب له افشال محاولات متكررة للتسوية وتفادي اغلاق مرافق الدولة. واستطاع كروز الحصول على دعم 18 نائبا في مجلس الشيوخ، ورفض 27 آخرين الانضمام اليه. جون ماكين لخص ما آل اليه حال الحزب بالقول لشبكة سي بي اس للتلفزة "ما يجري هو انقسام في صفوف الحزب الجمهوري عوضا عن توجيه سهامه للديموقراطيين .. الحزب مختل وغير فعال."
حالة التماسك في صفوف الحزب الديموقراطي لا تختلف كثيرا عن خصمه الجمهوري، خاصة بالنظر الى آلية التعامل اللينة نسبيا مع التحديات الراهنة، اذ استند في تحركه على نتائج استطلاعات الرأي التي تشير الى جنح المواطن العادي تحميل الحزب الجمهوري المسؤولية عما يحل بالبلاد. ربما يغذي هذا الشعور بالانتصار قرار التشبث بالموقف الاصلي وعدم ابداء مرونة معتادة للتغلب على المأزق.
عودة سريعة للوراء، لعام 1995، تدل على عمق هوة الخلاف بين الرئيس الديموقراطي، بيل كلينتون، ومجلسي كونغرس تحت سيطرة الحزب الجمهوري، على خلفية تمويل برامج معينة مشابهة مما ادى الى اغلاق المرافق الحكومية تماما لمدة 28 يوما. نجم الاغلاق عن معارضة اعضاء الحزب الجمهوري اقرار تمويل برنامج الرعاية الصحية، ايضا، آنذاك.
الرئيس كلينتون فاز بالانتخابات الرئاسية لولاية ثانية بينما حافظ الحزب الجمهوري على سيطرته في مجلسي الكونغرس، مما حدا بالمراقبين السياسيين القول ان تلك النتيجة تدل على تفضيل المواطنين الاميركيين لصيغة توازن سياسي في السلطتين التشريعية والتنفيذية.
كما أن حدث تجميد الانفاق الحكومي مؤخرا، نتيجة تقليص الميزانية العامة، سيترك تداعيات طويلة الاجل على الناخبين قد يترجم باقصاء بعض الزعماء السياسيين في الدورة الانتخابية المقبلة. البعض يراهن على المسار التاريخي للناخبين بنزوعهم للقفز على الاصطفافات والخلافات الراهنة، مما قد يخدم الحزب الجمهوري سيما وان نحو 17 نائبا جمهوريا في مجلس النواب يمثل دائرة انتخابية صوتت لصالح الرئيس اوباما في الدورة السابقة. خسارتهم جميعا
لصالح خصومهم من الديموقراطيين ستعدل التوازن في مجلس النواب، بيد ان احتمالات حدوث ذلك مستبعدة.
المؤشرات الانتخابية الراهنة تقلق الحزب الديموقراطي، سيما وانها تستقرأ خسارة الديموقراطيين لنحو 10 مقاعد في مجلس النواب لتفاقم الهوة الحالية بين الطرفين، وربما تؤدي الى كسب الحزب الجمهوري اكبر نسبة من اغلبية الاصوات منذ عام 1946.
الوضع في مجلس الشيوخ ينذر بخسارة اكبر للحزب الديموقراطي في الجولة المقبلة؛ يعود الفضل الى تركيبة المجلس الحالية في افشال مشروع قرار قدمه مجلس النواب لاقصاء تمويل برنامج الرعاية الصحية الشامل عن الميزانية السنوية. ثماني ولايات محسوبة في صف الحزب الجمهوري ستشهد انتخابات ممثليها لمجلس الشيوخ، وهي الولايات التي خسرها جميعا الرئيس اوباما في الانتخابات الرئاسية السابقة: ويست فرجينيا، اركنساس، كنتكي، ساوث داكوتا، لويزيانا، الاسكا، مونتانا ونورث كارولينا. يسود القلق المندوبين عن تلك الولايات خاصة الذين ادلوا باصواتهم لصالح اقرار مشروع الميزانية، ويخشون معاقبة الجسم الانتخابي المحافظ لهم.
الإدراك الشعبي لشل عمل الحكومة
البعض يرى في استفحال الازمة حلقة في الاعيب الساسة الاميركيين لاستدرار عطف الناخبين للحزبين، وتمويل حملاتهما الانتخابية المقبلة. المرشحون يرون في الازمة فرصة مواتية لمخاطبة القاعدة الانتخابية.
قاعدة الحزب الديموقراطي منهكة ولا تبدي حماسا سيما في غياب رمز قوي يحشد صفوفها. أداء الوضع الاقتصادي ضعيف وغير مشجع، كما هو الحال ايضا في اداء الرئيس اوباما لاخفاقه في انجاز الاولويات الموعودة واحباطه التدخل العسكري في سورية. بل ان عددا من الشخصيات الوازنة في الحزب الديموقراطي تبوح علنا لعدم رضاها عما يجري وانعكاساته السلبية على مستقبل الحزب. بل المفارقة في اخفاق اللجنة التنفيذية للحزب الوفاء بالتزاماتها المالية لتدني مستوى التبرعات لحزب يتحكم بالسلطة التنفيذية؛ فالرئيس عادة ما يشكل عاملا أساسيا لاستدرار التبرعات.
اللجنة القومية للحزب الجمهوري لديها فائض مالي يقدر بنحو 12.5 مليون دولار مقابل ديون مستحقة على الحزب الديموقراطي قيمتها 18.1 مليون دولار، وهو امام اختبار قاس لدخول موسم الانتخابات باسطا يديه لمزيد من التبرعات التي ربما لن تكفي لسداد الديون المترتبة. وقد توفر فرصة اغلاق انشطة الحكومة فرصة فريدة للحزب الديموقراطي لبدء حملة تبرعات هو في اشد الحاجة لها.
الوفرة المالية للحزب الجمهوري لن تنقذه بمفردها من مأزق ضيق القاعدة الانتخابية. اذ فاز عدد وازن من المرشحين الجمهوريين في الانتخابات الماضية على قاعدة وعدهم بحجب التمويل عن برنامج الرعاية الصحية وخفض النفقات الحكومية، مسائل لا زالت حية ولها صدى داخل القاعدة الانتخابية. الاخفاق الجماعي لتلبية تلك الوعود احدث شرخا لدى نشطاء الحزب، بل ان بعضهم لا يخفي مدى معارضته لأي تفاوض يفضي الى تسوية مع الحزب الديموقراطي.
الأداء الاستثنائي، بمقياس البعض، للنجم الصاعد تيد كروز عزز موقعه وولد تصميما مضاعفا للمرشحين المرتقبين لمنصب الرئيس للفوز عليه والاطاحة به. واضحى يشكل تحديا يصد كل طامع في منصب سياسي دون التوجه للتيار الاكثر تشددا داخل الحزب، الذي يدعم كروز بكل قوة. اول الضحايا المرتقبين لنجم كروز رئيس مجلس النواب، جون بينر، الذي سيواجه مرشحا مدعوما من تيار حزب الشاي في دائرته الانتخابية.
وعليه، نجد ان اغلاق انشطة الحكومة، بمعزل عمن يتحمل المسؤولية، يخدم التطلعات الانتخابية لكلي الحزبين، سيما وان التداعيات المباشرة الناجمة لا تعدو كونها اكثر من عامل ازعاج يمكن التغلب عليه، ومصلحة الطرفين تقتضي عدم الحسم الجاد والفوري للأزمة.
إغلاق الحكومة ثغرة في بنية النظام السياسي
تعود جذور أول ثغرة في تطبيق الحكم الى مواد الدستور الاميركي الذي تم التوافق عليه بلهجة متباينة عن سلطة الملك البريطاني، بعد انزال الهزيمة بقواته. هاجس اللجنة الدستورية (ان صح التعبير بعرف الزمن الراهن) كان تحديد سلطة الفرد الحاكم – الرئيس، او السلطة الحاكمة كي لا يستنسخ نظام الاستبداد. وجاءت الصيغة النهائية لتضع توازنات بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية؛ بل آثر واضعوا الدستور على نظام حكم يحمل في ثناياه بعض نقاط الضعف السياسي استنادا الى نظام سياسي ينطوي على بعض الثغرات من شانه توفير حماية افضل للفرد الاميركي من سطوة نظام متماسك وقوي. ولعل هذا ما يفسر نص الدستور صراحة على حق الفرد حيازة السلاح.
الكونغرس يتمتع بصلاحية صياغة القوانين والتشريعات ورصد الميزانيات المناسبة؛ اما الرئيس لديه سلطة تنفيذ القوانين وانفاق الاموال اللازمة؛ اما الجهاز القضائي فقد اوكل اليه سلطة التحكيم بين الطرفين استنادا للقوانين المنصوص عليها.
التشابه الشديد بين نظامي الحكم في الولايات المتحدة وبريطانيا لا يخفى على أحد. فمجلس النواب يقتدي بما يمثله مجلس العموم البريطاني؛ ومجلس الشيوخ يمثل الولايات السيادية كما يمثل مجلس اللوردات طبقة الاسياد الذين حكموا بعض اجزاء بريطانيا. بل ان النظام الضرائبي الاميركي يعود في جذوره الحقيقية الى مرحلة حكم الملك ريتشارد الثاني (1377 – 1399)، الذي أزاح آلية جمع الضرائب والانفاق من سلطة الملك ومجلس اللوردات، واوكله الى الشعب – اي مجلس العموم. واضحى احد ثوابت النظم البرلمانية في العالم، مع الاشارة الى ان النظام الاميركي لا يطبق كافة المواد المنصوص عليها في النظام الملكي، لاسبابه الخاصة.
جيمس ماديسون، المكنى بأبِ الدستور، لعب دورا محوريا في صياغة المواد الدستورية وحرص على اعطاء صلاحية جمع الضرائب في مجلس النواب حصرا لخشيته من سلطة مجلس الشيوخ "الذي بخلاف مجلس النواب لا ينتخب اعضاءه بذات آلية التكرار وهو غير ملزم بالعودة الدائمة (لمناقشة) الناس. اذ يتم انتداب نوابه لستة سنوات من قبل الولايات، وربما يستكينوا في منصبهم الحكومي والسعي لتنفيذ مشاريع تعزز مواقعهم الخاصة .. قيود الصرف (المالي) ينبغي ان تبقى بين ايدي ممثلي الشعب."
استنادا الى ما سبق، ينبغي على مجلس النواب المبادرة لاستصدار قرار للصرف المالي، قرار التمديد، والذي اصطدم برفض الاغلبية من الجمهوريين. كما ان الدستور الاميركي لا ينص على بطلان التعديلات في مشاريع الميزانية الصادرة عن المجلس الاعلى (الشيوخ)، كما هي الحال في معظم الانظمة المماثلة. وانتهزت الاغلبية الجمهورية في مجلس النواب الفرصة لادخال تعديل جذري على مشروع الميزانية، يقضي بحسم الموارد المرصودة لبرنامج الرعلاية الصحية الشامل، وارساله لمجلس الشيوخ. مارس مجلس الشيوخ صلاحياته الدستورية ورفض الصيغة المقدمة له واستعاد فقرة برنامج الرعاية الصحية.
في مثل هذ الحالة من الخلافات البينة، يعين كل مجلس لجنة متساوية العضوية للتشاور بعيدا عن صخب الخطابات والاستقطابات السياسية بغية التوصل لصيغة مقبولة تضيق هوة الخلاف. مجلس الشيوخ اصر على رفضه تعيين ممثلين عنه للتشاور، مع ادراكه انه عاجز عن تمرير "قرار التمديد" بمفرده. واصطدم الطرفان بتشبث كل فريق بموقفه السابق، مما ادى لدخول الهيئات الحكومية سنة مالية جديدة (1 تشرين الاول من كل عام) خالية الوفاض وغير قادرة على الوفاء بالتزاماتها. ورغم سعي الطرفين لتفادي النتيجة السلبية، الا ان اخفاقهما معا ادى لاغلاق ابواب الاجهزة الحكومية.
على الرغم من تكرار إغلاق أنشطة الدولة، في عهود رؤساء ديموقراطيين وجمهوريين على السواء، وتدافع العقلاء للمطالبة بادخال اصلاحات على النظام الحاكم تماشيا مع متطلبات العصر الحديث، الا انها تبوء بالفشل كل مرة. اذ شهد عهد الرئيس ريغان اغلاق المرافق لمرات ثمانية خلال ولايتيه الرئاسيتين (8 سنوات)؛ ومرت الحكومة الاميركية في ازمة الاغلاق لسبعة عشر (17) مرة خلال العقود الاربعة الماضية.
أوباما يبدأ رحلة إنهاء القطيعة مع إيران:
شكلت المكالمة الهاتفية بمبادرة من الرئيس اوباما مع الرئيس الايراني علامة فارقة في تاريخ العلاقات الثنائية المقطوعة بين البلدين، وحفزت آمال التوصل الى حل ديبلوماسي لملف ايران النووي. الاطراف المتضررة من اجواء الانفراج تمحورت في "اسرائيل" ودول الخليج التي تورطت عميقا في استخراج وتعميم مشاعر العداء لايران في المنطقة، بينما انكفأت "اسرائيل" عن خطاب التحدي ونبهت الدول الغربية الى عدم الوثوق بالتوجهات الايرانية الجديدة واتهمتها بتقطيع الوقت كي تستكمل خططها لتطوير اسلحة نووية.
اللقاء الذي جمع الرئيس اوباما ببنيامين نتنياهو، قبل القاء الاخير خطابه امام الجمعية العمومية، تمحور حول التطورات السياسية الدولية والازمة المالية لاميركا. نتنياهو كان اقل عدوانية وتحديا نحو اوباما، مشيدا بدوره في ممارسة ضغوطات اقتصادية وعسكرية على ايران افضت الى حضورها لطاولة المفاوضات. وقال في حضرة اوباما "اثمن عاليا ما اوضحته بانك ستحافظ على الالتزام بذلك الهدف" اي حرمان ايران من حيازة اسلحة نووية.
أجمعت الأوساط السياسية أن نتنياهو وافق مرغما على توجه الرئيس اوباما نحو إيران، حاثا الولايات المتحدة على فرض تنازلات فورية على ايران تبدأ بوقف برامجها النووية الحساسة او مواجهة ضغوطات دولية اشد وطأة ان اخفقت. من ناحيته، سعى اوباما لطمأنة ضيفه بابقاء الحذر عاليا من الوعود الايرانية. وقال "سيقتضي اي اجراء نتخذه اعلى درجات التحقق كي نستطيع توفير بعض العون لتخفيف العقوبات التي اعتقد انهم يسعون اليها."
نتنياهو بحاجة ماسة للدعم المالي الاميركي، عوضا عن المساعدات العسكرية المباشرة، وليس بوسعه تحدي الرئيس اوباما علنا كما فعل في السابق. اما ايران فهي بحاجة ماسة ايضا لترميم اقتصادها جراء العقوبات المجحفة، مما يفسر استدارة رئيسها الجديد لطلب ود اميركا بغية رفع العقوبات. الرئيس اوباما بدوره في مأزق سياسي على المستوى الداخلي يستهلك رصيده بسرعة كبيرة، وهو بحاجة ايضا الى تحقيق انجاز ديبلوماسي ذي مغزى يعوض فيه بعض خسارته.
مركز الدراسات الأميركية و العربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.