إيران تعلن اعتقال عملاء للموساد وضبط كميات كبيرة من المتفجرات    "بعد جراحة ناجحة"..إمام عاشور يعود إلى فندق إقامة الأهلي بميامي (صور)    لطيفة تؤجل طرح ألبومها الجديد بعد وفاة شقيقها نور الدين    محافظ الإسماعيلية يناقش مشكلات مياه الشرب بالمراكز والمدن والأحياء    مجلس اليد يحفز منتخب الشباب قبل انطلاق ماراثون المونديال    جلسة منتظرة بين جالاتا سراي ووكيل تشالهانوجلو    طارق يحيى: الأهلي خسر نقطتين أمام انتر ميامي.. وتغييرات ريبيرو لغز    لدغة ثعبان تُنهي حياة تلميذ في قنا    مصدر: إصابة رئيس ومعاون مباحث أطفيح و5 شرطيين وسائق في مداهمة أمنية    اعتماد نتائج برامج كلية التجارة الدولية واللغات بجامعة الإسماعيلية الأهلية    عرض «صورة الكوكب» و«الطينة» في الموسم المسرحي لقصور الثقافة بجنوب الصعيد    أحمد سعد يبدأ صيف غنائي حافل من الساحل.. ويحتفل مع طلاب الجامعة الأمريكية    ظهور مختلف ل كريم فهمي في «220 يوم».. والعرض قريبًا    عبير الشرقاوي: مش بفكر أتجوز مرة تانية    أسباب الوزن الزائد رغم اتباع نظام الريجيم    أمل مبدي: الشخص المصاب بمتلازمة داون مؤهل لتكوين أسرة بشرط    رحلة إلى الحياة الأخرى.. متحف شرم الشيخ يطلق برنامجه الصيفي لتعريف الأطفال بالحضارة المصرية القديمة    لميس الحديدي: كرة اللهب تتناوب بين تل أبيب وطهران.. ولا نهاية قريبة للحرب    شباب القلب.. 4 أبراج تتمتع بروح الطفولة    أمين الفتوى يوضح حكم الزيادة في البيع بالتقسيط.. ربا أم ربح مشروع؟    «الشروق» تكشف موقف بن شرقي بعد الغياب عن مباراة إنتر ميامي    عضو بالبرلمان التونسي: «الإخوان» اخترقوا قافلة الصمود وحولوها لمنصة تهاجم مصر وليبيا    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    كيف تنظم المرأة وقتها بين العبادة والأمور الدنيوية؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أوليس أفضل لاعب بمباراة بايرن ميونخ ضد أوكلاند سيتى فى كأس العالم للأندية    السعودية: وصول طلائع الحجاج الإيرانيين إلى مطار "عرعر" تمهيدًا لمغادرتهم    العمليات العسكرية الإسرائيلية وتوجيهات رئاسية جديدة تتصدر نشاط السيسي اليوم    رسمياً.. جينارو جاتوزو مديراً فنياً لمنتخب إيطاليا    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    التعليم: تدريب مجاني لمعلمي الإنجليزية بالتنسيق مع السفارة الأمريكية -(مستند)    عائلة تطرح جزيرة في اسكتلندا للبيع بسعر أقل من 8 مليون دولار    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    صراع مع آلة لا تعرف الرحمة.. «نيويورك تايمز»: الذكاء الاصطناعي يدفع البشر للجنون    ضبط المتهمين بقتل سائق توك توك وإلقاء جثته بمقابر أسوان    التنظيم والإدارة يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف بالجهاز الإداري للدولة    رئيس جامعة المنوفية يرأس لجنة مقابلات لتجديد مناصب مديري العموم وأمناء الكليات    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    محافظ الغربية يجرى جولة مفاجئة داخل مبنى الوحدة المحلية بسبرباى بمركز طنطا    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا ل رئيس الوزراء (تفاصيل)    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    طريقة عمل فطيرة السكر باللبن في خطوات بسيطة    قوافل الأحوال المدنية تواصل تقديم خدماتها للمواطنين بالمحافظات    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    توتنهام يضم الفرنسي ماتيل تيل بشكل نهائي من بايرن ميونخ    سعادة بين طلاب الثانوية العامة في أول أيام مارثون الامتحانات بالقليوبية    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    استمرار استقبال محصول القمح المحلي للمواقع التخزينية بالشرقية    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    "طوارئ" بشركات الكهرباء تزامنًا مع امتحانات الثانوية العامة    ترقب وقلق.. الأهالي ينتظرون أبناءهم في أول أيام امتحانات الثانوية العامة| شاهد    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    «خلافات أسرية».. «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالأسلحة البيضاء في البحيرة    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    أولياء أمور طلاب الثانوية العامة يرافقون أبنائهم.. وتشديد أمنى لتأمين اللجان بالجيزة    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.منذر سليمان: قراءة في شلل وتصدع البنيان الحكومي الأمريكي
نشر في البديل يوم 05 - 10 - 2013

"استدارة" السياسة الأميركية نحو آسيا، كهدف استراتيجي رسمته لمواجهة النفوذ الصاعد لكل من الصين وروسيا، فرض عليها استدارة معاكسة في الآونة الاخيرة نتيجة انكفاء داخلي على خلفية إقرار الميزانية السنوية. الرئيس أوباما عوّل طويلا على لقاء قمة يجمعه بزعماء "منظمة دول جنوب شرق آسيا،" التي تضم روسيا والصين، ينعقد في بروناي يومي 9 و 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، كمنصة انطلاق لتثبيت دعائم الاستراتيجية الاميركية، وطمأنة الدول الدائرة في الفلك الاميركي لحضورها بقوة في المنطقة. في اللحظات الأخيرة، اضطر الرئيس اوباما للاعتذار عن حضور لقاء القمة تحت ضغط مناخ الشلل الحكومي "الذي انعكس بقوة على أعمدة أساسية في السياسة الخارجية الاميركية."
خصوم الرئيس أوباما، لا سيما الجناح الأكثر تشددا في الحزب الجمهوري، استغلوا نفوذهم في مجلس النواب لفرض تراجع على الرئيس يفضي بتقييد التمويل أو إلغاء برنامج الرعاية الصحية الشاملة – والذي تم اقراره مسبقا.
نفذ الجمهوريون وتيارهم المتشدد، حزب الشاي، تهديدهم بعدم اقرار الميزانية وإغلاق الدوائر والمؤسسات الحكومية وتسريح نحو 800 ألف موظف بشكل قسري، بغية النيل من أولويات جدول أعماله. لم يلبث أوباما أن حذر من "التداعيات الضارة لإغلاق مرافق الدولة.. (وهو) اسلوب غير جدي أو مسئول لتسيير أعمال الحكومة الأميركية."
القوات المسلحة الأميركية، لا سيما المنتشرة في قواعد عبر العالم، لم يسجل أنها تأثرت بحجب الميزانية، فضلا عن أن قواعد الصواريخ الحاملة برؤوس نووية أبقت على برامجها في التأهب على حالها. الجسم الأكبر المتضرر من الاغلاق والتسريح يشمل الموظفين والمتعاقدين في منطقة واشنطن، بينما لا يزال نحو 73% من الأطقم الحكومية تمارس مهامها المعتادة؛ أما بقية الولايات المتحدة الأخرى فإن ارتدادات الإغلاق ستكون أقل ضررا عليها وعلى مواطنيها.
بذور إجراءات شلل أعمال الدولة وجدت في مناخ تأسيس أركان الدولة بيئة خصبة، لا سيما في النصوص الدستورية والصيغة الفيدرالية في الحكم، فضلا عن الاصطفافات السياسية الراهنة في واشنطن وتبخر الحلم الاميركي لدى اعداد من افراد الشعب.
قبل تناول تلك العوامل بالتفصيل، علينا التطرق لمناخ الانقسامات والاصطفافات السياسية، ليس بين الحزبين السياسيين فحسب، بل الاستقطابات داخل الحزب الجمهوري والتي باتت تهدد وحدته التقليدية، فضلا عن الصراع التقليدي بين اجنحة متعددة لاسباب عقائدية، والاصطفافات المبكرة من الطرفين تمهيدا لخوض جولة الانتخابات المقبلة، 2014، والانتخابات الرئاسية 2016.
أبدى عدد من زعماء الحزب الجمهوري التقليديين عدم ارتياحهم من تهور التيار المتشدد في حزب الشاي وتداعيات إصراره بإغلاق مرافق الدولة على لحمة الحزب. اذ حذر السيناتور جون ماكين، في خطابه أمام مجلس الشيوخ، زملاءه من أن "غالبية الشعب الأميركي أبدى تأييده لرئيس الولايات المتحدة وجدد ثقته به لإدارة دفة الدولة." وناشد ماكين، من بين زعامات سياسية أخرى، أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس النواب تفادي إجراءات الإغلاق (قبل تنفيذها) والعدول عن سياسة حافة الهاوية التي يدفع بها للواجهة انصار حزب الشاي.
من المفارقة أن أعضاء الحزب الجمهوري تعاهدوا على التصدي لبرنامج الرعاية الصحية الشامل، اوباما كير، ليجدوا انفسهم عرضة للانقسام على خلفية الاصطفاف حول المسألة عينها، لا سيما في ظل غياب رمز قوي يوحد الاجنحة المتعددة. لعل الادق ان جذور الشرخ والانقسام داخل الحزب الجمهوري تعود الى عام 2009 عند بروز تيار حزب الشاي وتصعيد خطابه ضد القوى التقليدية في الحزب طالبا منها اعادة النظر في سياساتها "الواقعية" على حساب "المحافظة على الطهارة الايديولوجية."
أبرز تجليات الانقسام برزت خلال المرحلة الأخيرة في إقرار الميزانية السنوية، وصعود نجم السيناتور تيد كروز الذي يحسب له افشال محاولات متكررة للتسوية وتفادي اغلاق مرافق الدولة. واستطاع كروز الحصول على دعم 18 نائبا في مجلس الشيوخ، ورفض 27 آخرين الانضمام اليه. جون ماكين لخص ما آل اليه حال الحزب بالقول لشبكة سي بي اس للتلفزة "ما يجري هو انقسام في صفوف الحزب الجمهوري عوضا عن توجيه سهامه للديموقراطيين .. الحزب مختل وغير فعال."
حالة التماسك في صفوف الحزب الديموقراطي لا تختلف كثيرا عن خصمه الجمهوري، خاصة بالنظر الى آلية التعامل اللينة نسبيا مع التحديات الراهنة، اذ استند في تحركه على نتائج استطلاعات الرأي التي تشير الى جنح المواطن العادي تحميل الحزب الجمهوري المسؤولية عما يحل بالبلاد. ربما يغذي هذا الشعور بالانتصار قرار التشبث بالموقف الاصلي وعدم ابداء مرونة معتادة للتغلب على المأزق.
عودة سريعة للوراء، لعام 1995، تدل على عمق هوة الخلاف بين الرئيس الديموقراطي، بيل كلينتون، ومجلسي كونغرس تحت سيطرة الحزب الجمهوري، على خلفية تمويل برامج معينة مشابهة مما ادى الى اغلاق المرافق الحكومية تماما لمدة 28 يوما. نجم الاغلاق عن معارضة اعضاء الحزب الجمهوري اقرار تمويل برنامج الرعاية الصحية، ايضا، آنذاك.
الرئيس كلينتون فاز بالانتخابات الرئاسية لولاية ثانية بينما حافظ الحزب الجمهوري على سيطرته في مجلسي الكونغرس، مما حدا بالمراقبين السياسيين القول ان تلك النتيجة تدل على تفضيل المواطنين الاميركيين لصيغة توازن سياسي في السلطتين التشريعية والتنفيذية.
كما أن حدث تجميد الانفاق الحكومي مؤخرا، نتيجة تقليص الميزانية العامة، سيترك تداعيات طويلة الاجل على الناخبين قد يترجم باقصاء بعض الزعماء السياسيين في الدورة الانتخابية المقبلة. البعض يراهن على المسار التاريخي للناخبين بنزوعهم للقفز على الاصطفافات والخلافات الراهنة، مما قد يخدم الحزب الجمهوري سيما وان نحو 17 نائبا جمهوريا في مجلس النواب يمثل دائرة انتخابية صوتت لصالح الرئيس اوباما في الدورة السابقة. خسارتهم جميعا
لصالح خصومهم من الديموقراطيين ستعدل التوازن في مجلس النواب، بيد ان احتمالات حدوث ذلك مستبعدة.
المؤشرات الانتخابية الراهنة تقلق الحزب الديموقراطي، سيما وانها تستقرأ خسارة الديموقراطيين لنحو 10 مقاعد في مجلس النواب لتفاقم الهوة الحالية بين الطرفين، وربما تؤدي الى كسب الحزب الجمهوري اكبر نسبة من اغلبية الاصوات منذ عام 1946.
الوضع في مجلس الشيوخ ينذر بخسارة اكبر للحزب الديموقراطي في الجولة المقبلة؛ يعود الفضل الى تركيبة المجلس الحالية في افشال مشروع قرار قدمه مجلس النواب لاقصاء تمويل برنامج الرعاية الصحية الشامل عن الميزانية السنوية. ثماني ولايات محسوبة في صف الحزب الجمهوري ستشهد انتخابات ممثليها لمجلس الشيوخ، وهي الولايات التي خسرها جميعا الرئيس اوباما في الانتخابات الرئاسية السابقة: ويست فرجينيا، اركنساس، كنتكي، ساوث داكوتا، لويزيانا، الاسكا، مونتانا ونورث كارولينا. يسود القلق المندوبين عن تلك الولايات خاصة الذين ادلوا باصواتهم لصالح اقرار مشروع الميزانية، ويخشون معاقبة الجسم الانتخابي المحافظ لهم.
الإدراك الشعبي لشل عمل الحكومة
البعض يرى في استفحال الازمة حلقة في الاعيب الساسة الاميركيين لاستدرار عطف الناخبين للحزبين، وتمويل حملاتهما الانتخابية المقبلة. المرشحون يرون في الازمة فرصة مواتية لمخاطبة القاعدة الانتخابية.
قاعدة الحزب الديموقراطي منهكة ولا تبدي حماسا سيما في غياب رمز قوي يحشد صفوفها. أداء الوضع الاقتصادي ضعيف وغير مشجع، كما هو الحال ايضا في اداء الرئيس اوباما لاخفاقه في انجاز الاولويات الموعودة واحباطه التدخل العسكري في سورية. بل ان عددا من الشخصيات الوازنة في الحزب الديموقراطي تبوح علنا لعدم رضاها عما يجري وانعكاساته السلبية على مستقبل الحزب. بل المفارقة في اخفاق اللجنة التنفيذية للحزب الوفاء بالتزاماتها المالية لتدني مستوى التبرعات لحزب يتحكم بالسلطة التنفيذية؛ فالرئيس عادة ما يشكل عاملا أساسيا لاستدرار التبرعات.
اللجنة القومية للحزب الجمهوري لديها فائض مالي يقدر بنحو 12.5 مليون دولار مقابل ديون مستحقة على الحزب الديموقراطي قيمتها 18.1 مليون دولار، وهو امام اختبار قاس لدخول موسم الانتخابات باسطا يديه لمزيد من التبرعات التي ربما لن تكفي لسداد الديون المترتبة. وقد توفر فرصة اغلاق انشطة الحكومة فرصة فريدة للحزب الديموقراطي لبدء حملة تبرعات هو في اشد الحاجة لها.
الوفرة المالية للحزب الجمهوري لن تنقذه بمفردها من مأزق ضيق القاعدة الانتخابية. اذ فاز عدد وازن من المرشحين الجمهوريين في الانتخابات الماضية على قاعدة وعدهم بحجب التمويل عن برنامج الرعاية الصحية وخفض النفقات الحكومية، مسائل لا زالت حية ولها صدى داخل القاعدة الانتخابية. الاخفاق الجماعي لتلبية تلك الوعود احدث شرخا لدى نشطاء الحزب، بل ان بعضهم لا يخفي مدى معارضته لأي تفاوض يفضي الى تسوية مع الحزب الديموقراطي.
الأداء الاستثنائي، بمقياس البعض، للنجم الصاعد تيد كروز عزز موقعه وولد تصميما مضاعفا للمرشحين المرتقبين لمنصب الرئيس للفوز عليه والاطاحة به. واضحى يشكل تحديا يصد كل طامع في منصب سياسي دون التوجه للتيار الاكثر تشددا داخل الحزب، الذي يدعم كروز بكل قوة. اول الضحايا المرتقبين لنجم كروز رئيس مجلس النواب، جون بينر، الذي سيواجه مرشحا مدعوما من تيار حزب الشاي في دائرته الانتخابية.
وعليه، نجد ان اغلاق انشطة الحكومة، بمعزل عمن يتحمل المسؤولية، يخدم التطلعات الانتخابية لكلي الحزبين، سيما وان التداعيات المباشرة الناجمة لا تعدو كونها اكثر من عامل ازعاج يمكن التغلب عليه، ومصلحة الطرفين تقتضي عدم الحسم الجاد والفوري للأزمة.
إغلاق الحكومة ثغرة في بنية النظام السياسي
تعود جذور أول ثغرة في تطبيق الحكم الى مواد الدستور الاميركي الذي تم التوافق عليه بلهجة متباينة عن سلطة الملك البريطاني، بعد انزال الهزيمة بقواته. هاجس اللجنة الدستورية (ان صح التعبير بعرف الزمن الراهن) كان تحديد سلطة الفرد الحاكم – الرئيس، او السلطة الحاكمة كي لا يستنسخ نظام الاستبداد. وجاءت الصيغة النهائية لتضع توازنات بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية؛ بل آثر واضعوا الدستور على نظام حكم يحمل في ثناياه بعض نقاط الضعف السياسي استنادا الى نظام سياسي ينطوي على بعض الثغرات من شانه توفير حماية افضل للفرد الاميركي من سطوة نظام متماسك وقوي. ولعل هذا ما يفسر نص الدستور صراحة على حق الفرد حيازة السلاح.
الكونغرس يتمتع بصلاحية صياغة القوانين والتشريعات ورصد الميزانيات المناسبة؛ اما الرئيس لديه سلطة تنفيذ القوانين وانفاق الاموال اللازمة؛ اما الجهاز القضائي فقد اوكل اليه سلطة التحكيم بين الطرفين استنادا للقوانين المنصوص عليها.
التشابه الشديد بين نظامي الحكم في الولايات المتحدة وبريطانيا لا يخفى على أحد. فمجلس النواب يقتدي بما يمثله مجلس العموم البريطاني؛ ومجلس الشيوخ يمثل الولايات السيادية كما يمثل مجلس اللوردات طبقة الاسياد الذين حكموا بعض اجزاء بريطانيا. بل ان النظام الضرائبي الاميركي يعود في جذوره الحقيقية الى مرحلة حكم الملك ريتشارد الثاني (1377 – 1399)، الذي أزاح آلية جمع الضرائب والانفاق من سلطة الملك ومجلس اللوردات، واوكله الى الشعب – اي مجلس العموم. واضحى احد ثوابت النظم البرلمانية في العالم، مع الاشارة الى ان النظام الاميركي لا يطبق كافة المواد المنصوص عليها في النظام الملكي، لاسبابه الخاصة.
جيمس ماديسون، المكنى بأبِ الدستور، لعب دورا محوريا في صياغة المواد الدستورية وحرص على اعطاء صلاحية جمع الضرائب في مجلس النواب حصرا لخشيته من سلطة مجلس الشيوخ "الذي بخلاف مجلس النواب لا ينتخب اعضاءه بذات آلية التكرار وهو غير ملزم بالعودة الدائمة (لمناقشة) الناس. اذ يتم انتداب نوابه لستة سنوات من قبل الولايات، وربما يستكينوا في منصبهم الحكومي والسعي لتنفيذ مشاريع تعزز مواقعهم الخاصة .. قيود الصرف (المالي) ينبغي ان تبقى بين ايدي ممثلي الشعب."
استنادا الى ما سبق، ينبغي على مجلس النواب المبادرة لاستصدار قرار للصرف المالي، قرار التمديد، والذي اصطدم برفض الاغلبية من الجمهوريين. كما ان الدستور الاميركي لا ينص على بطلان التعديلات في مشاريع الميزانية الصادرة عن المجلس الاعلى (الشيوخ)، كما هي الحال في معظم الانظمة المماثلة. وانتهزت الاغلبية الجمهورية في مجلس النواب الفرصة لادخال تعديل جذري على مشروع الميزانية، يقضي بحسم الموارد المرصودة لبرنامج الرعلاية الصحية الشامل، وارساله لمجلس الشيوخ. مارس مجلس الشيوخ صلاحياته الدستورية ورفض الصيغة المقدمة له واستعاد فقرة برنامج الرعاية الصحية.
في مثل هذ الحالة من الخلافات البينة، يعين كل مجلس لجنة متساوية العضوية للتشاور بعيدا عن صخب الخطابات والاستقطابات السياسية بغية التوصل لصيغة مقبولة تضيق هوة الخلاف. مجلس الشيوخ اصر على رفضه تعيين ممثلين عنه للتشاور، مع ادراكه انه عاجز عن تمرير "قرار التمديد" بمفرده. واصطدم الطرفان بتشبث كل فريق بموقفه السابق، مما ادى لدخول الهيئات الحكومية سنة مالية جديدة (1 تشرين الاول من كل عام) خالية الوفاض وغير قادرة على الوفاء بالتزاماتها. ورغم سعي الطرفين لتفادي النتيجة السلبية، الا ان اخفاقهما معا ادى لاغلاق ابواب الاجهزة الحكومية.
على الرغم من تكرار إغلاق أنشطة الدولة، في عهود رؤساء ديموقراطيين وجمهوريين على السواء، وتدافع العقلاء للمطالبة بادخال اصلاحات على النظام الحاكم تماشيا مع متطلبات العصر الحديث، الا انها تبوء بالفشل كل مرة. اذ شهد عهد الرئيس ريغان اغلاق المرافق لمرات ثمانية خلال ولايتيه الرئاسيتين (8 سنوات)؛ ومرت الحكومة الاميركية في ازمة الاغلاق لسبعة عشر (17) مرة خلال العقود الاربعة الماضية.
أوباما يبدأ رحلة إنهاء القطيعة مع إيران:
شكلت المكالمة الهاتفية بمبادرة من الرئيس اوباما مع الرئيس الايراني علامة فارقة في تاريخ العلاقات الثنائية المقطوعة بين البلدين، وحفزت آمال التوصل الى حل ديبلوماسي لملف ايران النووي. الاطراف المتضررة من اجواء الانفراج تمحورت في "اسرائيل" ودول الخليج التي تورطت عميقا في استخراج وتعميم مشاعر العداء لايران في المنطقة، بينما انكفأت "اسرائيل" عن خطاب التحدي ونبهت الدول الغربية الى عدم الوثوق بالتوجهات الايرانية الجديدة واتهمتها بتقطيع الوقت كي تستكمل خططها لتطوير اسلحة نووية.
اللقاء الذي جمع الرئيس اوباما ببنيامين نتنياهو، قبل القاء الاخير خطابه امام الجمعية العمومية، تمحور حول التطورات السياسية الدولية والازمة المالية لاميركا. نتنياهو كان اقل عدوانية وتحديا نحو اوباما، مشيدا بدوره في ممارسة ضغوطات اقتصادية وعسكرية على ايران افضت الى حضورها لطاولة المفاوضات. وقال في حضرة اوباما "اثمن عاليا ما اوضحته بانك ستحافظ على الالتزام بذلك الهدف" اي حرمان ايران من حيازة اسلحة نووية.
أجمعت الأوساط السياسية أن نتنياهو وافق مرغما على توجه الرئيس اوباما نحو إيران، حاثا الولايات المتحدة على فرض تنازلات فورية على ايران تبدأ بوقف برامجها النووية الحساسة او مواجهة ضغوطات دولية اشد وطأة ان اخفقت. من ناحيته، سعى اوباما لطمأنة ضيفه بابقاء الحذر عاليا من الوعود الايرانية. وقال "سيقتضي اي اجراء نتخذه اعلى درجات التحقق كي نستطيع توفير بعض العون لتخفيف العقوبات التي اعتقد انهم يسعون اليها."
نتنياهو بحاجة ماسة للدعم المالي الاميركي، عوضا عن المساعدات العسكرية المباشرة، وليس بوسعه تحدي الرئيس اوباما علنا كما فعل في السابق. اما ايران فهي بحاجة ماسة ايضا لترميم اقتصادها جراء العقوبات المجحفة، مما يفسر استدارة رئيسها الجديد لطلب ود اميركا بغية رفع العقوبات. الرئيس اوباما بدوره في مأزق سياسي على المستوى الداخلي يستهلك رصيده بسرعة كبيرة، وهو بحاجة ايضا الى تحقيق انجاز ديبلوماسي ذي مغزى يعوض فيه بعض خسارته.
مركز الدراسات الأميركية و العربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.