أثارت تصريحات الدكتور "محمد عبد المطلب" وزير الموارد المائية والري، التي قال فيها إن مصر دخلت مرحلة الفقر المائي وليس الجفاف المائي، وأن نقص المياه وصل لحد يهدد الأمن القومي، حالة من الضجر في الشارع المصري، الذي يرى أن لا شيء أغلى من نقطة المياة. استطلعت "البديل" آراء الخبراء والمتخصصين في إدارة الموارد المائية، للتعرف على الحلول المناسبة لهذه الأزمة، وما يتعلق بمدى مناسبة الظروف السياسية التي تمر بها مصر بعد 30 يونيو، للتصالح مع دول حوض النيل. قال الدكتور "صفوت عبد الدايم" المدير التنفيذي للمجلس العربي للمياه ومستشار وزارة الري السابق، إن مصر تخطت مرحلة الفقر المائي منذ أكثر من 10 سنوات؛ حيث إن متوسط نصيب الفرد العالمي من المياه طبقاً لمقاييس الأممالمتحدة، يبلغ ألف متر مكعب في العام، بينما نصيب الفرد من المياه في مصر يبلغ 640 مترا مكعباً للفرد، وبالتالي فلابد من ترشيد استهلاك المياه والمحافظة عليها، من خلال جعل قيمة فائدة المتر المكعب تساوي عشرة. وتابع بأن مصر بدأت تنفيذ مشاريع كثيرة لرفع كفاءة استخدام المياه، وعمل الكثير من برامج التوعية ولكنها لم تكن فعالة ومؤثرة، وبالتالي فالحل يكمن في التصالح مع دول حوض النيل سواء المنبع أو المصب؛ لأنها أحد البنود في معالجة الفقر المائي، بالإضافة إلى تزويد الموارد المائية وحسن استخدام ما لدينا؛ لأننا لو وفرنا مصادر أخرى للمياة وأسرفنا في الاستخدام كأننا لم نفعل شيء. ومن جانبه قال "حلمي شعراوي" المدير السابق لمعهد البحوث العربية والإفريقية، إنه من الطبيعي أن يكون لمصر سياسة إطارية تحدد وتنظم علاقتها بدول حوض النيل والقارة الإفريقية بشكل عام، نظرا للأهمية الإستراتيجية التي تتمتع بها تلك القارة، والتقارب في التنمية بين مصر ودول حوض النيل، خاصة وأن المال العربي أصبح مشاركا في خطط التنمية كطرف تنفيذي، بالتالي فإن الأهمية تتعدى حدود المصالح المائية المشتركة. وشدد شعراوي على أن ضعف الدبلوماسية المصرية مع دول حوض النيل، أدى إلى حالة من عدم الاستقرار؛ بل والعداء مع دول المنبع ومنها إثيوبيا، خاصة بعدما تردد في الآونة الأخيرة بشأن سد النهضة وغيره، وبالتالي فلابد أن يبحث المسئولون المصريون سبل الخروج من الأزمة، ويلملموا مواقفهم وسياساتهم الخاطئة، خاصة وأن إثيوبيا ترتبط برأس مال عربي منافس يتمثل في الدعم القطري، وهو سبب تضييق الخناق على مصر، بالإضافة إلى أن هذه الدول تعمل استثمارات كثيرة، والتمويل الكبير للتنمية المشتركة ليس متوفرا في مصر. فيما أكد الدكتور "أحمد فوزي" خبير المياه الدولى ومدير برنامج إدارة المياه السابق في الأممالمتحدة والأستاذ بمركز بحوث الصحراء، أن مصر لم تصل لمرحلة الجفاف المائي، ولكن الأحداث السياسية أثرت على العلاقات مع دول حوض النيل، كما كان لعدم استقرار الوضع الأمني في مصر نصيبا من استمرار الأزمة. وأوضح أن معظم المياه القادمة الى مصر من الهضبة الاثيوبية ولابد من الحفاظ على هذه الكمية، كما أن الطموح الإثيوبي المتوارث يسعى إلى التضييق على مصر والانتقاص من الكمية المياه الوادرة إلينا، وهذا يستلزم تضافر الجهود السياسية واعتبارها قضية أمن قومي، حتى نقضي على سياسة الأمر الواقع التي تفرضها علينا، ونفيق سريعا من أجل إجهاض الطموح الاثيوبي الذي يمنع ورود المياه إلينا ويؤثر على حصتنا من الكهرباء. وأضاف مدير برنامج إدارة المياة السابق في الأممالمتحدة أن عدم التزام المزارعين بالدورة الزراعية وزيادة الطلب على المياه الآن من أهم أسباب نقص مياه الري بجانب الاعتداءات المستمرة على جوانب الترع والمصارف، ويهدر كميات كبيرة من المياه، كما أنه يمكن إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي لحل مشكلات نقص المياه، بشرط استخدامها في ري بعض المحاصيل التي تتحمل درجات الملوحة العالية باعتبارها بديلا طبيعيا لمياه الري في المستقبل. وأشار إلى أن معالجة المياه الملوثة واستخدامها في الزراعة، وتحلية مياه البحر كفيلة بزراعة مليار ونصف فدان، وإمداد التجمعات الساحلية بها، ولو توفرت الاستثمارات الكافية من الممكن الزراعة في شبه جزيرة سيناء، فأغلب مشاكلها تكمن في قلة التنمية، وهو ما ينعكس بدوره على الامن القومي المصري، وهذا يتطلب مبالغ تتجاوز 80 مليار جنيها، كما أنه من الضروري الحصول على المياه المتواجدة في البرك والمستنقعات في السودان وإثيوبيا واستثمار قناة زينجري في الهضبة الإفريقية.