يبدو أن قدر هذه الثورة ألا تغتسل من دم أبنائها أبدا ، وكأن وقائعها ستبقى على الدوام كقميص المقتول غيلة المعلق على باب بيته ملطخا بدمه في إعلان لحرب مع القاتل لا تنتهي إلا بالثأر منه. لا ضير أن نبيت أو نصحو على دماء جديدة تسيل في الميدان فتفتح شهية أهالي الشهداء على الثأر وتؤجج النار التي تخمد أحيانا وتريح النفوس التي تتوهم أنها ستستريح قريبا. لا رسائل المجلس العسكري تمنح القلوب الملتاعة بردا ولا سلاما، ولا نداءاته المكررة إلى “شعب مصر العظيم” تزرع الأمل، ولا تحذيراته الروتينية من أياد خبيثة تمشي بالفتنة تطمئن الشهداء أو تمنحهم فرصة الاستمتاع بنعيمهم المقيم. لم يسم الإنسان إنسانا إلا لأنه ينسى، والسادة أعضاء المجلس بشر مثلنا وطبيعي أن ينسوا أن الذي كان اسمه ثورة لا يصح التعامل معه كمشروع حرب يتدرب عليه المجندون والضباط وبين فقرة وأخرى يصرخ قائدهم” استرح” أو يشجعهم قائلا “أحسن رجالة”. من يقوى منكم على التفريط في الثورة ثم يقول لوالد شهيد “اتظلم”، لمن “يتظلم” وقتها؟. من يملك قلبا يمكنه من “تسريح” الشهداء أو القول لمصاب” هدورك مكتب” ؟. أين هبة “الوحوش” في البداية؟ أين الروح النورانية التي سرت في الأرجاء تزرع الأمل في المستقبل ؟ أين الذين رابطوا على أبواب نور تتبع طيف الشباب إلى الميدان ليتوضأ منه الوطن فيتطهر من أدرانه؟ من تغافل عن حراسة المصلين لأجل مصر وترك أبا لؤلؤة ينسل بينهم بحرابه المسمومة؟. ألم تكفكم خمسة شهور لتنظيف الجرح؟ هل فوجئتم بأنه لن يبرأ فتركتم المريض يتعايش معه كما كان قبل دخوله غرفة العمليات؟ لماذا عدتم إلى المسكنات؟ أترضيكم النتيجة: سال الدم من جديد فاخضر الميدان وزارته روح الشهداء تسأل : من منكم يأتي معي؟