رغم أن أشياء كثيرة تغيرت في مصر منذ قيام الثورة ؛ إلا أن مصر مازالت كما هى لم تتغير . ليست هذه فزورة أو لغز من الألغاز ؛ ولكنها الحقيقة المحزنة التى تشبه قصور الرمال التى تمحوها الأمواج ؛ وتشبه إحباطات الحرث في الماء . مازالت مصر كما هى لم تتغير . وليس هذا من باب التجنى أو الافتراء ؛ فمن يتابع أسلوب تعامل الدولة – بحكومتها ومجلسها العسكرى – مع الأحداث الطائفية الدامية في إمبابة ؛ سيعرف بأن سياسة ترك المشكلات بدون حل – إلى أن تتحول إلى كارثة أمنية – مازالت قائمة . وأن تنفيذ القانون في مصر يرتبط بالتعليمات الفوقية التى تسمح بتنفيذه ؛ ولا يرتبط بقوة القانون الذاتية المجردة . ورغم أن الشرطة انهارت في مصر ؛ إلا أن بقايا الدولة البوليسية مازالت قائمة . فالدولة البوليسية – في جزء من تعريفها – هى : الدولة التى لا يوجد فيها ما يميز بين القانون وممارسة السلطة السياسية من جانب السلطة التنفيذية . لذلك تتسم الدولة البوليسية – عل سبيل المثال وليس الحصر – ببعض المظاهر والممارسات الآتية : - ترك معظم المشكلات سواء أكانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية ؛ لكى تتفاقم حتى تتحول إلى مشكلات أمنية , ثم يتم استدعاء الأمن للتدخل ومواجهتها بحلول أمنية ؛ تغلب عليها الصرامة والقمعية . - ربط الترشح للمناصب الهامة ؛ بموافقة الجهات الأمنية , حتى لو لم يتم النص فى القوانين على ذلك . - تخصيص نسبة كبيرة من المناصب الحكومية والسياسية لرجال الأمن . وبالطبع كل هذه المظاهر مازالت قائمة في مصر ؛ وذلك للأسباب التالية : أولاً : لم تمارس الدولة بحكومتها ومجلسها العسكرى ؛ أى سياسة رشيدة للتعامل القانونى المجرد مع قضية الادعاء بوجود مسلمات محتجزات في الأديرة . وظل الأمر متروكاً إلى أن ظهرت أخيراً كاميليا شحاتة – إحدى المُدعى احتجازهن – في قناة الحياة المسيحية التى تبث من أمريكا ؛ لتعلن – في حوار مع المذيع عبر الإنترنت – تكذيبها لكل الادعاءات حول إسلامها أو زواجها من مسلم أو خطفها واحتجازها بمعرفة الكنيسة . وبالطبع فإن عدم مثول كاميليا شحاتة أمام النيابة العامة لكى تقر بذلك رداً على البلاغات المقدمة للنيابة بشأن خطفها ؛ وعدم ظهورها بشخصها في برنامج توك شو بإحدى قنوات التلفزيون الحكومى أو أى من الفضائيات الخاصة التى تبث من داخل مصر ؛ كل ذلك أدى إلى ترك القضية معلقة ؛ لكى تتكرر مرة أخرى في إمبابة ؛ ولكن بدماء وحرائق وتخريب أدى إلى مقتل 12 شخص ( مسلم ومسيحى ) وإصابة 340 آخرين ؛ وإحراق الكنيسة ؛ وتحطيم ما حولها ؛ وإلقاء القبض على 190 مشتبه به وإحالتهم إلى القضاء العسكرى . هى إذن نفس سياسة النظام السابق يمارسها النظام الجديد بحكومته ومجلسه العسكرى ؛ والتى تتمثل في ترك المشكلات لتتفاقم حتى تتحول إلى كارثة أمنية ؛ ثم يتم مواجهتها بإجراءات استثنائية مرحلية . والسؤال هنا : ألا ينبغى إحالة كل من تسبب بتخاذله في عدم المواجهة القانونية لقضية كاميليا ( وأخواتها ) إلى المحاكمة ؛ نظرا لما أدى إليه ذلك من فتح الطريق لتلك القضايا لكى تتكرر بصور أكثر عنفاً ودموية ؛ وتعطى الفرصة لفلول النظام البائد من الحزب الوطنى وأمن الدولة ؛ لكى ينفخوا في النيران المختبئة تحت الرماد ؟!!! ثانياً : لم تضطلع الدولة ( بحكومتها ومجلسها العسكرى ) بمسئوليتها الثورية ؛ المتمثلة في تغيير الوجوه الدينية التى حظيت بثقة النظام السابق ؛ وأدت بخطابها الدينى المدهون بسموم السياسة والتبعية للسلطة ؛ إلى ارتفاع النبرة الطائفية في المجتمع لتحقيق سياسة ( فرق تسد ) ؛ وإلى توليد الانطباع لدى الأقباط بأنهم أقلية مستهدفة يسهر النظام السابق على أمنها ؛ وتأكيد الانطباع لدى المسلمين بأنهم أغلبية مهضوم حقها في مواجهة أقلية تستقوى بالخارج . وبالتالى ؛ ما كان للثورة أن تتقدم للأمام بينما يتصدر المشهد الدينى وجوهاً لم تتبوأ مناصبها الدينية إلا بموافقة أمن الدولة . ولهذا نقولها صريحة لوجه الله والوطن والثورة ؛ لا يمكن أن يتم تغليب المواطنة فى مصر على الطائفية ؛ لو بقى رموز الفتنة ورعاتها في مواقعهم الدينية الحصينة . لذلك فإن تغيير شيخ الأزهر ومفتى الجمهورية وبطريرك الكرازة المرقصية ( البابا ) ؛ واختيار رموز دينية أخرى بنظام الانتخاب غير الموجه من الدولة بأجهزتها الأمنية ؛ هو أمر لازم لقطف ثمار الثورة . ولنسأل أنفسنا عن الفتاوى والتصريحات التى كان سيعلنها هذا الثالوث لو تم قمع الثورة !!!! فشل هذا الثالوث ( غير المقدس ) في نزع فتيل الفتنة بعد الأخرى ؛ دليل على أنه أحد أسبابها ؛ إما بالتواطؤ أو الإهمال أو انعدام الكفاءة . لهذا ؛ فإن الإبقاء على الوجوه الدينية التى حظيت بمواقعها في ظل النظام السابق ؛ نتيجة ثقة الأجهزة الأمنية وترشيحها وموافقتها ؛ هو إقرار بأن منهج موافقة الأجهزة الأمنية على شاغلى المناصب العليا أمر غير مستهجن ولا يخالف منطق الثورة ؛ بما يجعلنا نظل ندور في دائرة جهنمية ؛ نطفأ فيها حريق هنا ليشتعل حريق آخر هناك .. ولكن ما أهون الحرائق التى تشتعل في المبانى ؛ قياساً بتلك التى تستعر- يوما بعد آخر – داخل الصدور !!!! ثالثاً : لم تختلف الدولة بحكومتها ومجلسها العسكرى عن النظام السابق ؛ في تخصيصها نصف مناصب المحافظين على مستوى الجمهورية لقيادات أمنية وعسكرية . رغم أنه من المعلوم للكافة أن تلك القيادات لم تصل إلى مناصبها الأمنية أو العسكرية ؛ إلا لأنها حظيت بثقة النظام السابق وموافقة أجهزته الأمنية . والسؤال ؛ ما الذي يمكن انتظاره من تلك القيادات إلا تنفيذ التعليمات لا القانون ؛ ومن ثم تضيع هيبة القانون ويفقد الناس الثقة في الدولة ومؤسساتها !!! والعجيب في الأمر أن تلك القيادات كانت شاهدة بحكم الموقع والمنصب – في ظل النظام السابق – على ممارسات الفساد والاستبداد والتخاذل في مواجهة الفتن الطائفية والعنف الدينى . ولكن لم نسمع أن واحداً منهم تقدم باستقالته أو كشف عن أى معلومات تتعلق بأى انحراف . ورغم ذلك يتم مكافأتهم على إخلاصهم في خدمة النظام السابق ؛ بأن يصبحوا هم رجال النظام الجديد ( مسخرة ) . فما الذي يمكن أن نتوقعه من زبانية السلطة ( أى سلطة ) إلا الطرمخة على المشكلات وتركها تتضخم حتى تتحول إلى كوارث أمنية . ماذا يمكن أن نتوقع من منفذى التعليمات مهما تنكرت للدستور وخالفت القانون ؟!! ———————————————————————– لن نؤسس لمبدأ المواطنة ونستأصل روح الطائفية ؛ إلا إذا وضعنا أسس ثابتة لدور رجال الدين في المجتمع ؛ تؤكد على الآتى : - مبدأ انتخاب جميع القيادات الدينية من دوائرهم الدينية لفترات محددة لا يجوز تمديدها . - حظر وتجريم إبداء القيادات الدينية ومرؤوسيهم لأى أراء أو ضغوط سياسية . - إخضاع دور العبادة الدينية بكافة أشكالها لشروط تجديد ترخيص دورى ؛ يتم إلغاؤه في حال خروج دار العبادة عن دورها الدينى . - مراجعة النصوص التشريعية الواردة بالباب الثانى والباب الحادى عشر ؛ من الكتاب الثانى من قانون العقوبات بشأن الجرائم ذات الأبعاد الدينية ؛ وتنقيتها من الألفاظ المطاطة ؛ وصياغتها بما يضمن تحديدها تحديدا دقيقاً ؛ لا يتناقض مع حقوق الإنسان ؛ ولا يتهاون في ذات الوقت لمغازلة أى ديانة من الديانات . - تجريم استخدام أى مسئول حكومى أو ناشط سياسى ؛ لمؤثرات دينية في المنافسات الانتخابية أو الأنشطة السياسية . - تأكيد مبدأ سيادة القانون بكل حسم ؛ من خلال تطبيقه بكل تجرد ودون تردد على كل مواطن وكل بقعة وكل واقعة في أرض مصر ؛ لأن مناخ التخاذل فى تنفيذ القانون يخلق حلقات ضعيفة فى جسد الدولة والمجتمع المصرى ؛ بما يغرى أى متربص لكى يستثمر تلك الحلقات الضعيفة لتحقيق مآربه الخاصة . ولهذا ؛ فإن مؤامرات فلول النظام السابق ؛ لا ينبغى أن تأخذ مكانها فى هذا المشهد إلا من خلال التعامل معها باعتبارها نتيجة وليست سبباً ؛ فهى نتيجة أفرزها تخاذل الدولة ( بحكومتها ومجلسها العسكرى ) فى تطبيق القانون ؛ ذلك التخاذل الذى يتساوى بدون مبالغة مع المؤامرة . - تجريم الاستعانة برجال الدين والجلسات العرفية في القضايا الجنائية ذات الأبعاد الدينية . ————————————————————- البيت لا يمكن تنظيفه بأيدى قذرة . وإدارة الدولة في مصر مازالت تعتمد على منطق وسياسات وأساليب ومناهج ورجال ورموز ووجوه بقايا وزبانية الدولة البوليسية . ولن يمكن لسفينة الثورة أن تبحر في محيطات المستقبل بأشرعة مهلهلة تخترقها رياح التغيير. ( لن تستطيع تنظيف بيتك بأيدي قذرة ) [ قول مأثور ] [email protected] * بيان ببعض المواقع على شبكة الإنترنت لمتابعة القضايا المطروحة في المقال : - البديل : مفاجأتان في قضية عبير http://elbadil.net/%D9%85%D9%81%D8%A7%D8%AC%D8%A3%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D8%A8%D9%8A%D8%B1-%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D9%88%D8%AE%D8%A8%D8%B1-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D9%88/ - البديل في قرية السيدة التى فجرت أزمة إمبابة http://elbadil.net/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D9%81%D8%AC%D8%B1%D8%AA-%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A5%D9%85/ - كاميليا شحاتة تظهر في قناة الحياة المسيحية - الرد على ظهور كاميليا على قناة الحياة ( الدقيقة 4،56 من الفيديو ) *****