سألت "دريم" مجموعة في إحدى ساحات إمبابة عن آرائهم في مقتلة يوم الأحد، فاستنكروها جميعا، وقال أحدهم، إن الذين بدأوا الحريق "مش من إمبابة .. دول جاءوا من بولاق" وقالت روايات شبه رسمية: إن بين المندسين أجانب وغرباء. وقال آخرون: إن جهات أجنبية هي التي تفعل هذا. وطبعا تفعل ذاك وذلك. ولكن تبقى المشكلة التي لا حل لها: جميع القتلى والجرحى مصريون، والمشكلة الأخرى أن كل شيء بدأ بشائعة لم يكلف أحد نفسه التساؤل عن صحته، وبعد 12 قتيلا و250 جريحا تبين كما قال رئيس مجلس إدارة "الهلال" في برنامج "العاشرة مساء" أن القضية كلها قضية علاقة محرمة بين رجل وإمرأة وليس قضية إرتداد. وذلك كله ليس هو القضية الأهم، القضية الأولى والأهم هي أنه سواء أكان الأمر شائعة أم حقيقة فالمسئولية عند القانون لا عند الغوغاء وحملة السكاكين و"قناة الحياة"، ولا تشرف أحداث إمبابة أحدا: لا الثورة ولا حكومتها ولا المجلس العسكري الذي لا يزال المظلة الوحيدة. لكن مشكلة المجلس العسكري كما قال متحاورو العاشرة مساء أنه أمام شعب جريح ويفضل أن "يطبطب" عليه. ولم أكن قد سمعت عن "الطبطبة" من قبل إلا في أغنية لنانسي عجرم، مهمة القوات المسلحة لا تتغير، ومفهوم القانون لا يعلق ولا يتبدل، وأبواب الفتنة في مصر كثيرة. والمؤملا أن تكون الثورة قد ألغت حكم مبارك، أما الدولة فباقية. قد يكون في إمبابة غرباء من بولاق أو الجيزة أو حتى المعادي. لكن المشكلة ليست غريبة ولا خارجية. وخطورتها أنها خرجت من الأرياف وإقتربت من هشيم القاهرة وضواحي الفقر والبطالة والإهمال، وغياب الخدمات الضرورية. وإمبابة هي التي نحشر فيها مليون ومائة ألف مصري، ألوف منهم جاءوا من الصعيد، الذي يصدر إلى العاصمة الرؤساء وأيضا الجدعان. تبرز عند أي تغيير مشكلات كثيرة، أو مخلفات كثيرة، وتراكمات عدة .. لكن ألأمن الوطني ليس مسألة قابلة للنقاش، وإلغاء فظاظة أمن الدولة لا يعني أن نستبدل بها إستباحات البلطجية، وإنفلات الغوغاء وحلول الشائعة الكاذبة محل تقرير الإفتراء، ووشاية الإبتزاز. الفتنة ليست شم النسيم. لقد تقاسم المسلمون والأقباط القتلى والجرحى وفق قانون النسبة. وتقاسموا همجيات الغرائز بعيدا عن أي قانون. وبدلا من إستعجال الدستور وسلقه، يحسن الإسراع بعودة الدولة. ولا عذر في الأمر. لا أنهم غرباء ولا أنهم فلول النظام ولا أنه جاءوا من بولاق. سمير عطاالله