من المفروض أن يكون الدكتور محمد مرسي اليوم بدأ يومه الثاني كرئيس عائد إلى السلطة بعد أن عزلته خارطة الطريق التي أعدها الجيش بالاشتراك مع جبهة الانقاذ وحزب النور الإسلامي السلفي والأزهر الشريف والكنيسة القبطية . القيادي في جماعة الإخوان المسلمين والداعية صفوت حجازي كانت له "خارطة طريق" عرضها في كلمة ألقاها على الملأ في منطقة رابعة العدوية عشية يوم التظاهرات التي دعت إليها الجماعة تحت مسمى "جمعة الفرقان"، وهي خارطة تمتد على مدار ثلاثة أيام تنتهي بانتصار الجماعة. خارطة حجازي البديلة بعد إعطائها جمعة التظاهرات بعداً دينياً يمنح كل ما يفعله الإخوان هالة من القداسة، إذ اعتبر أن التظاهرات الإخوانية ستكون الفرقان بين الحق والباطل، بمعنى أن كل من سيتواجد في رابعة العدوية والنهضة وغيرهما من أماكن تجمع أنصار الجماعة، سيكونون على حق، وكل من سواهم، وهم ملايين من المصريين، سيكونون على باطل، وهؤلاء دعا حجازي رب العالمين أن يجفف الدماء في عروقهم. اليوم الثاني في خارطة حجازي، وهو يوم السبت، سيشهد وقوع حدث جلل لم يحدد طبيعته، لكننا لم نشهد في ذلك اليوم سوى وقوع عشرات القتلى والجرحى في طريق النصر القريب من "رابعة العدوية". الكاتب والإعلامي والمتلقي ليسوا أصحاب اختصاص في تحديد كيف قتل وجرح هذا العدد من المصريين، وقتل الأبرياء مدان على أية حال أياً كان مرتكبه، كما أن من الخطأ أن يتبنى أي شخص أو جهة على نحو أعمى، وبلا بيّنة، رواية أي من الطرفين. لكن هل هذا هو الحدث الجلل الذي تحدّث عنه حجازي، والذي وعد بأن يكون مقدّمة لعودة مرسي للسلطة صباح الأحد؟. من الأفضل لجماعة الإخوان أن تكف عن تغليف نفسها بهالة القداسة التي هي حكر على الأديان نفسها والأنبياء، أما هي فحركة سياسية تخطئ وتصيب كغيرها من الحركات والأحزاب، وقادتها وعناصرها بشر وليسوا ملائكة يملكون الحق في شيطنة الآخرين. ليس عملاً سياسياً أن يشبّه مرشد الإخوان عزل مرسي بهدم الكعبة، أو أن يخرج داعية ليبلغ المعتصمين أنه حلم بأن جبريل عليه السلام نزل في رابعة وأمر الناس بأن يصلّوا خلف محمد مرسي، وأن هذا يعني بقاء مرسي لولايتين، لكن بعد بضعة أيام عزل مرسي، فماذا يقول الخطيب للمخطوب فيهم؟. من حق الإخوان أن يتمسّكوا بمرسي، وأن يطالبوا سلمياً بإعادته، ولكن ليس من حقهم ممارسة العنف أو التحريض عليه، كما أنهم لا يملكون الحق في ارتداء ثوب القداسة، واستنساخ "صكوك الغفران" وتوزيع شهادات الكفر والإيمان. وإن كان من غير المجدي الاستمرار في الدوران في حلقة مفرّغة من الجدل حول طريقة عزل مرسي، إن كانت انقلاباً أم استجابة لإرادة شعبية، فإن من المؤكّد أن الجيش المصري وحلفاءه في "خارطة الطريق" ليسوا جيش تشيلي، والسيسي ليس الجنرال بينوشيه الذي عاد للسلطة مجدّفاً على بحر من الدم، بعدما ارتكب مجزرة في القصر الرئاسي. عزل مرسي لم يكن دموياً، ومن العبث تطبيق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، فالوسائل العنيفة تقسم المجتمع وتوقظ الفتنة وتسفك دماء الأبرياء، وهذا هو الذي يشبه هدم الكعبة.