في عام 2004 وفي خضم ما أسمته أميركا "الحرب على الإرهاب" نشرت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور تقريرا بشأن المشكلات التي تواجه المخابرات المركزية الأميركية في عملية الترجمة من العربية إلى الإنجليزية ومدى اختلاف معاني الكلمات وما ترمي اليه بشكل يخل بالمعنى بما يؤدي بطبيعة الحال الى نتائج عكس المرجوة تماما.. ورغم مرور أكثر من 9 سنوات على هذا التقرير إلا أنه يبدو أن عدوى الفشل في الترجمة امتدت من معاني الكلمات الى قراءة الأحداث وترجمتها، الأمر الذي لابد أن يفضي الى مزيد من الفشل في التعامل مع هذه الأحداث. فمن ضمن ما جاء في تقرير (كريستيان ساينس مونيتور) أن حديث أحد الصحفيين في مكالمة هاتفية عن كتاب (الأربعين النووية) وهو كتاب يحتوي على أربعين حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم قام بجمعها الإمام النووي نقله من اضطلع بمهمة ترجمة هذه المحادثة على أنه ذو صلة بالسلاح النووي وليس بالإمام (النووي) ما أدى الى الظن أن الرجل كان يتحدث عن أربعين سلاحا نوويا. وبالانتقال الى ترجمة الأحداث الراهنة نجد أن القائمين على السياسة الأميركية لم يصلوا بعد لترجمة حرفية لأسباب فساد طبختهم التي راهنوا عليها للابقاء على تدخلاتهم في السياسة المصرية بعد ثورة 25 يناير حيث ما زالوا يراهنون على حكم المنطقة بالشعارات الاسلامية متناسين أن المصريين استوعبوا الدرس جيدا في فترة قياسية. فبدلا من الوقوف على أسباب فساد الطبخة الأميركية والتي وإن نجحت في مناطق أخرى بطريقة تشجع على استنساخها في مصر وتعميمها على سائر البلدان العربية نجد المفكرين في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى والذين يعتمد صناع القرار الاميركيون على تحليلاتهم حريصين على قياس ما جرى في مصر من سقوط مزلزل لحكم الاخوان على تجارب في مناطق أخرى وكانوا بالمناسبة اتخذوا قرارهم بالتعاون مع الإخوان بناء على هذه التجارب. فنجد الباحث سايمون هندرسون وقد أعد تقريرا يعرض فيه رؤيته لمستقبل الحكم في مصر معتمدا على التجربة الباكستانية مع الانقلابات العسكرية.. وتحت عنوان "نموذج باكستان للطريق نحو المستقبل في مصر" يمعن هندرسون في تجاهل ما شهدته مصر من خروج شعبي كبير في ال30 من يونيو ويصر على وصفه ب(الانقلاب العسكري) ومشبها ذلك بما شهدته باكستان في العام 1977 عندما كانت باكستان تحت حكم ذو الفقار علي بوتو وانقلب عليه الجيش الباكستاني بقيادة ضياء الحق موجها نصائحه الى قادة الجيش في مصر بعدم تجاهل تجربة جيوش أخرى في حكم بلدانها وضرورة نقل السلطة إلى المدنيين. وبدا هندرسون في هذا التحليل غافلا أو متغافلا أن السلطة حاليا في مصر تحت إدارة مدنية مؤقتة أعلنت طريقها للمستقبل وآليات المتطلبات ذات الصلة بالانتخابات والبرلمانات منذ الايام الأولى لتسلمها الحكم. ومن سايمون هندرسون إلى الباحثين جيمس جيفري وسنور جاغبتاي الذين وجها أنظارهما نحو التجربة التركية للتنقيب عن ما يمكن قياسه على الحدث المصري. فتحت عنوان "إضفاء طابع الإعتدال على الإسلاميين: الدروس المستفادة من تركيا لتطبيقها على الحالة المصرية" يوجه الباحثان نصائحهما إلى الأحزاب ذات الشعارات الإسلامية في مصر بضرورة الظهور بمظهر من بدل نهجه واتخذ الاعتدال سبيلا حتى يتمكنون من الانخراط في العملية السياسية وإعادة الكرة من جديد. فقد كتب الباحثان نصا "إن تركيا ومصر دولتان مختلفتان، بطبيعة الحال، لذا فإن تجربة أنقرة مع الأحزاب الإسلامية قد لا تسري على القاهرة. ورغم ذلك، يمكن لجماعة «الإخوان» أن تحذو حذو "حزب العدالة والتنمية" نحو الاعتدال إن توافرت الظروف المناسبة: ونقصد بهذا تحديداً، إذا منح النظام السياسي «الجماعة» مساحة للتنافس في الانتخابات القادمة.. وإذا تمكنت «الجماعة» نفسها من إيجاد قيادة جديدة تعتنق تلك الأجندة." ورغم أنها دعوة ظاهرها الرحمة والمشاركة إلا أن الباحثان أضافا "مع ذلك، فكما ذكر أعلاه، يشير النموذج التركي إلى أنه في حين أن الأحزاب الإسلامية قد تتبنى نهجاً معتدلاً للوصول إلى السلطة، إلا أنها غالباً ما تغريها العودة إلى أقصى اليمين بمجرد أن تتعزز شعبيتها، معتنقة ثانية النهج المعادي لليبرالية ووجهة نظر الأغلبية حول الديمقراطية." ومن هذا يتضح أن مصادر صنع القرار بالولايات المتحدة مازالت تصر على إطعام المصريين طبختها الفاسدة بمواصلة الضغط على الجيش الذي كان له فضل كبير في إلغائها من على مائدة المصريين أو بالايحاء لجماعة الإخوان بضرورة تسويق هذه الطبخة في إناء جديد عبر "نهج الاعتدال" أو "المراجعات الفكرية" وتبديل القيادات متناسين أن معدة المصريين لا تقبل مثل هذه الطبخات وقد برهنوا على ذلك في أقل من شهر بأكبر خروجين شعبيين في تاريخهم(30 يونيو و26 يوليو) وأن الأميركيين أنفسهم بحاجة إلى درس في الترجمة يكون مبحثه الأول هو التفرقة بين مصطلحي (الانقلاب العسكري) و(الاستجابة لمطلب الشعب) . [email protected]