لا تزال بقايا العبودية موجودة في موريتانيا هذا البلد العربي الواقع بين كماشة من الدول التي لا تزال تعيش الظاهرة، خصوصاً أن من بين هؤلاء الذين يطلقون عليهم لقب "الحراطين" ساسة كبار وموظفين في الدولة وضباط ورتباء في الجيش، على الرغم من مرور ثلاثة عقود على إلغاء الرق في موريتانيا، وتجريم الظاهرة منذ سبع سنوات. ففي "نواكشوط" أشكال عديدة من الرق والعبودية، على الرغم من الجهود التي تبذلها السلطات لاجتثاث هذه الظاهرة المشحونة بالاغتصاب والضرب وتقييد الحرية وانتشار أطفال غير معروفي الوالد، واقع دفع بعض المعنيين إلى إصدار وثيقة باسم "الميثاق حول الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية لأرقاء موريتانيا السابقين". وفي المقر المركزي لمنظمة "نجدة العبيد" يعمل الرجل الموريتاني "معط الله"، فراشا وهو في عقده الثالث، ومع ذلك توحي ملامحه بأنه طاعن في السن، لا يعرف "معط الله" تاريخ ميلاده، فهو كان واحداً من عشرات الآلاف من الأرقاء الذين لا يزال بعضهم يعاني من الاستعباد، حيث قال: "إن تغتصب أمك وشقيقاتك أمامك، وأن تضرب وتقيد لأبسط الأسباب، أمور لا يمكن السكوت عنها". وفي حديث إلى "الأخبار" اللبنانية اليوم، قال "معط الله" الذي تحرر من العبودية قبل سنوات قليلة: إنه تحرر بالصدفة، مضيفًا: "كنت أرعى الأغنام في شمال البلاد المتاخم للجزائر، وفي أحد الأيام استوقفتني دورية عسكرية، تبحث عن البئر التي نسقي منها المواشي، فقلت لهم إنها تبعد كثيرًا، وإنني لا يمكنني أن أدلهم عليها بسبب أسيادي، فما كان منهم إلا أن وعدوني بتحريري من الاسترقاق، أقمت معهم في ثكنة، وبعد يومين وصل ثلاثة من أسيادي وزعموا أنني ابنهم، فهددهم العسكريون بالقول: "إن عدتم فلن يعرف لكم مصير"، وبعد أيام انتشر الخبر عني واتصلت بي نجدة العبيد". المعاناة التي تحرر منها معط الله قبل سنوات قليلة قاستها أخته "اشويده" التي لم تتحرر من الاستعباد إلا الشهر الماضي، ففي بيت قصديري لا يزيد طوله على ستة أمتار وعرضه على أربعة، تعيش "اشويده" مع أبنائها العشرة وسط وضع مزري للغاية، وتقتات اليوم على مساعدات إنسانية يقدمها فاعلو الخير. "أشويده" التي تبلغ من العمر 40 عامًا، لا تعرف سوى رعى الجمال والماعز منذ نعومة أظافرها، تقول إن من أكره ما عانته عدا الاغتصاب هو المهانة والمذلة، اللتين ظلت عرضة لهما آناء الليل وأطراف النهار، وتضيف "لا أنسى ولن أنسى تلك المعاملات الدنيئة التي عاملني بها أسيادي لأسباب تافهة، ما إن يتوه واحد من الجمال في منطقة صحراوية قاحلة، حتى أقضي الليالي المتواصلة في البحث، ولا يمكنني أن أعود من دون الجمل، أما الضرب والتنكيل بي فلا تسل، هو عذاب متواصل ما أنزل الله به من سلطان". رئيس منظمة "نجدة العبيد" "بوبكر ولد مسعود"، هو أقدم الأرقاء السابقين المناهضين للرق، يقول: "من أبرز ما تحقق اليوم في مناهضة الرق في موريتانيا، هو أن الأسياد لم يعد بإمكانهم الجهر بالظاهرة". ويشدد "ولد مسعود" في حديثه إلى "الأخبار" على أن موريتانيا ستربح الكثير في حالة القضاء على الظاهرة، ومن أول ما سيتحقق الوحدة الوطنية التي يحول انتشار الظاهرة وترسباتها دون تحقيقها.