1 - السمات العامة للحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري يتسم نظام الحزبين في الولاياتالمتحدة بسمات محددة ، يمكن إيجاز أهمها فيما يلي : - أ - عدم وجود فرصة حقيقية لبروز اتجاهات حزبية ثالثة على الساحة السياسة ، لأسباب أهمها نظام الانتخاب الأمريكي ، بما في ذلك قوانين الانتخابات ، وطرق إدارة الحملات الانتخابية ، والعادات الاجتماعية ، وكلها أمور تقف ضد تعاظم دور أحزاب أخرى . ب - عدم وجود فكرة أو برنامج محدد لكل من الحزبين ، الأمر الذي يجعل هناك درجة من السيولة بينهما ، بشكل يمكن من انتقال الأعضاء بين الحزبين بسهولة . ج - اهتمام الحزبين بكل المصالح أيا كان موطنها وأيا كان نوعها ، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو دينية . د - لا مركزية السلطة ، مع ضعف نظام الالتزام ، إلى الحد الذي يعتبرهما البعض مجرد تحالف ضعيف مكون من أحزاب الولايات . على أن أهم ما يميز لا مركزية التنظيم الحزبي هي محلية المواقف السياسية الحزبية المتخذة. ويفسر البعض تلك اللامركزية الحزبية بلا مركزية العلاقة بين الاتحاد والولايات في النظام السياسي . ه - عدم وجود جهاز دائم لرسم سياسية الحزبين ، وإن وجد في أحد مراحل عمر الحزبين فهو مجلس استشاري . و - ضعف التنظيم القومي للأحزاب ، إلى الحد الذي لا يمكن فيه الحديث عن زعيم للحزب . وفي هذا الصدد يشار إلى فشل روزفلت في التطهير الكبير الذي دعا إليه عام 1938 ، وانهيار أحلام أيزنهاور في إعادة تنظيم الحزب الجمهوري . ل - بروز جماعات الضغط وجماعات المصالح واللوبيهات بشكل كبير في حساب دور الحزبين ، حتى أن هؤلاء هم أكثر تأثيراً على مشرعي الكونجرس من الحزبين الكبيرين . وواقع الأمر أن أهم الوظائف الحزبية المفترض أن يقوم بها الجمهوريين والديمقراطيين تقوم بها تلك الجماعات . م - على العكس من حزب العمال وحزب المحافظين اللذين يحدثان تعبئة شاملة إبان الانتخابات وفيما بينها ، فإن الديمقراطيين والجمهوريين لا يستطيعون تعبئة أي شيء ، وهما لا يطلبان من أنصارهما سوى أصواتهم وبعض التبرعات . وبمعنى آخر لا يوجد انتماء حزبي قوي ، ولا يقوم الأمريكيون بأي عمل لصالح الأحزاب السياسية أو تأييد مرشحيها ، باستثناء تسجيلهم في سجلات الناخبين وتصويتهم إبان الانتخابات . 2 - نشأة الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري لكل من الحزبين الديمقراطي والحزب الجمهوري نشأة مختلفة ، ويمكن إيضاح ذلك فيما يلي : - أ - الحزب الديمقراطي سيطر الجمهوريون والديمقراطيون على المسرح السياسي الأمريكي منذ 1856 ، وقد نشأ الحزب الديمقراطي قبل الحزب الجمهوري ، وتعود نشأته إلى نشأة النظام السياسي الأمريكي ، إبان الصراع الذي دار في السنوات الأولى للدستور بين المصالح الاقتصادية والإقليمية المتعارضة. ومن الصعب تحديد أول انتخاب قومي ظهر فيه الديمقراطيون ، وبعبارة أدق الجمهوريين الديمقراطيين ، لينافسوا الاتحاديين من أجل الحكم ، ولعل أكثر التواريخ قبولاً هو عام 1800 . ففي ذلك العام تجمع الناس حول شخص توماس جيفرسون في شكل حزب . لقد كان الجمهوريون الديمقراطيون وقت نشأة الدولة مجرد اتجاه ، ثم أصبحوا جماعة متميزة في الكونجرس عام 1792 ، وتحولوا في عام 1795 إلى حزب يسعى إلى الحكم . وترجع تلك النشأة وهذا التطور إلى عوامل مختلفة ، منها مشروعات هاملتون الصناعية ، وشكوك زراع فرجينيا في حكم أثرياء بوسطن ونيويورك . إضافة الى ذلك كانت لشخصية جيفرسون أثرها في تجميع الأشخاص حوله ، كما كان ماديسون مهندساً بارعاً للحزب . ولعل أبرز طاهرة في نشأة حزب الجمهوريين الديمقراطيين ، هو الطريقة التي تجمع بها أنصار الحزب من أصحاب المصالح المتعارضة ، والذين أبدوا استعدادهم لنسيان خلافاتهم ، سعياً للانتصار على عدو يكرهونه جميعاً . وقد كان اتفاق جيفرسون زعيم الجنوب الريفي مع آرون بير زعيم الشمال الحضري حدثاً ذا أهمية بالغة في مستقبل السياسة الأمريكية ، وما تزال بنود هذا الاتفاق نبراساً للحزب الديمقراطي ، وما يزال أهم ما يعاني منه الديمقراطيون هو التوفيق بين الجنوب الزراعي والشمال الصناعي . وقد حقق جيفرسون انتصارات متتالية في عامي 1804 و1806 ، حتى تعرض حزب الاتحاديين إلى الانزواء بعد انتخابات 1816 . وقد ر للبلاد في هذه الوقت أن يكون بها حزب كبير واحد لفترة قصيرة . وحول شخص أندرو جاكسون ، وهو الذي شكا مرة من تغول "الروح الحزبية" تجمعت مصالح اقتصادية وإقليمية ، بقيت تحت أسم الحزب الديمقراطي. وحول شخصي كل من "دانيال وبستر" و "هنري كلاي" قام ما يشبه الاتفاق الذي عرف حتى عام 1850 باسم حزب "الويجز" . وقد نشأ النظام السياسي الأمريكي بالأساس من خلال الصراع بين الديمقراطيين والويجز كحزبين كبيرين ، إضافة إلى وجود عدد قليل من الأحزاب الصغيرة ، وقد تدعم ذلك بالمؤتمرات القومية لاختيار المرشحين والحملات الانتخابية الشعبية ووجود زعماء للولايات وزعماء محليين ، وكانت رئاسة الجمهورية هي مركز التجمع السياسي . وقد كان الديمقراطيون الذين برزوا عام 1830 هم من الجمهوريين الديمقراطيين الذين استمروا على الساحة السياسية حتى عام 1820 ، وكان الحزب الديمقراطي الجديد ثمرة للحزب القديم . وفي عام 1830 أصبح الديمقراطيون أكبر حزب سياسي في التاريخ الأمريكي . وقد مرت على هذا الحزب فترات ازدهار وفترات إضمحلال ، شأنه شأن كل المنظمات ، فوصل إلى قمة زعامته بوجود "اندرو جاكسون" (1829-1837) و "فرنكلين روزفلت" (1933-1945) وحقق قمة نجاحة في وجود "هاري ترومان" (1945-1953) بينما كان راكد النشاط في عهد "فرانكلين بيرس" (1853-1857) وهوى إلى السقوط في عهد "مارتن فان بيرين" (1837-1841) و "كليفلاند"(1885-1889) و(1893-1997) . ب - الجمهوريون نشأ الجمهوريون كحزب أقلية يخسر في كل انتخابات اتحادية ، ولا يسجل الحزب ضمن أعضائه أكثر من 40% من الناخبين الأمريكيين ، ولا يعتمد على أكثر من 33% من أعضائه من الناخبين الأمريكيين . وقد ظل البيت الأبيض مشغولاً بالديمقراطيين طوال الفترة من 1933-1953. لقد كان الجمهوريون دائماً حزب أقلية ، وكان حزبهم ثالث حزب يتكون ليخوض المعركة ضد الديمقراطيين . فقد كان الاتحاديون هم أول حزب ، وقد ظهروا على المسرح مع الديمقراطيين ، ثم انزووا عن الساحة لأسباب أهمها أنهم كانوا حزباً متعصباً للوطنيين الأصليين في بلد ملأه المهاجرون ، مما جعله حزباً غير شعبي لا يقبل المساومات ، ويهتم بمصالح أنصاره ، ولا يملك تنظيماً قوياً . أما الحزب الثاني الذي نافس الديمقراطيين فكان حزب "الويجز" وكان قوة طموحة ، خاض أول انتخاب عام 1832 تحت أسم الجمهوريين القوميين ، وكان آخر انتخابات شارك فيها عام 1852 . وإذا كان الاتحاديون لم يصمدوا لترددهم في الخضوع لقوانين السياسة الأمريكية غير المكتوبة ، فقد انحل "الويجز" لأنهم كانوا راغبين في هذا الخضوع أكثر من اللازم ، كما ثبت من الحملة الانتخابية عام 1840 . لقد كان حزب "الويجز" تجمعاً واسعاً بين كل الأقاليم والمصالح ، قابلاً للتراجع تحت تأثير أية ضربة . وكانت تلك الضربة قد سددها "ستيفن دوجلاس" في عام 1854 بإعادة فتح موضوع الرق من جديد . وبعد ذلك بشهور قليلة اختفى "الويجز" وفي خلال هذه الشهور نفسها ظهرت قوتان جديدتان على مسرح السياسة الأمريكية : الأولى حزب السكان الأصليين ، الذي خاض انتخابات 1854 وعام 1856 ثم اختفى ، والثانية هو الحزب الجمهوري الذي خاض بدوره هذين الانتخابين ثم سار في طريق الاستمرار . وأهم ما يجب لفت النظر إليه في نشأة الحزب الجمهوري ما يلي : - - كان تكوين هذا الحزب نتيجة لفوران تلقائي للشعور السياسي ، ولا يمكن القول بأن مدينة معينة كانت منبع نشأته ، كما لا يمكن إعادة فضل نشأته إلى شخص بعينه ، وبمعنى آخر كانت نشأته أقوى حركة جذرية أصلية في التاريخ السياسي الأمريكي . - كان شعور مؤسسي الحزب إقليمياً بحسب الأصل ، ذلك أن وقوفهم ضد مبدأ الرق جعل منهم حزباً شمالياً فقط . - قام الحزب الجمهوري على أساس من المثل والمصالح ، وكانوا في بداية نشأتهم بعيدين عن أن يكونوا حزباً محافظاً أو حزباً لأصحاب الأعمال . - استمد الجمهوريون زعمائهم وجمعوا ناخبيهم من الأحزاب والجماعات التي كانت موجودة على المسرح السياسي من الويجز ومن الديمقراطيين ومن أنصار إلغاء الرق ، ومن الأحزاب الثالثة ، ومن جماعة الحركة المعتدلة .