كتب - ميادة العفيفي: إذا افترضنا أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية هي واحدة من أكثر العمليات الانتخابية رسوخا في الديمقراطية, ناهيك عن كونها واحدة من أكثر الانتخابات تعقيدا في العالم, , فربما يكون من المفيد مراجعة تاريخ تطور تلك العملية شديدة الديمقراطية وشديدة التعقيد لندرك انه ليس لازما علينا إتقان أولي تجاربنا في انتخابات رئاسية حرة, فلازال أمامنا الكثير لنتعلمه. لا شك انه من الصعب الحكم علي مدي أهمية أي انتخابات رئاسية, إلي أن يمر وقت ويحكم التاريخ بنفسه عن نتائجها, ووفقا لعدد كبير من المؤرخين فقد حكم التاريخ بان انتخابات بعينها شكلت نقاط فاصلة في المسار السياسي والانتخابي الديمقراطي الأمريكي, جرت أول انتخابات رئاسية عام1789 عندما انتخب جورج واشنطن بالإجماع الشعبي, بوصفه أول رئيس أمريكي( وان كان مثله مثل الجيل الأول من الأمريكيين ولد في بريطانيا العظمي), وعلي الرغم من انه لم يكن هناك منافس علي المنصب أمام واشنطن, إلا أن المؤرخين يجدون أن هذه الانتخابات, كانت أهم الركائز التي رسخت وجود انتخابات تجري كل أربع سنوات علي النحو المنصوص عليه في الدستور الأمريكي, وهو ما لم ينقطع أبدا منذ ذلك العام, وأدي إلي تأسيس ما عرف وقتها بالحكومة الفيدرالية, ثم تأتي انتخابات عام1800, لتعد بدورها واحدة من أهم الانتخابات الرئاسية الأمريكية, لما لها من تأثير بعيد المدي علي السياسات الانتخابية التي تلتها, كان التنافس وقتها بين المرشحين توماس جيفرسون وجون آدامز, ولكنها كانت سببا في إضافة التعديل الثاني عشر علي الدستور الأمريكي, الذي كان ينص قبلها علي أن من يحصل علي اعلي الأصوات يصبح هو الرئيس والمرشح الذي ينال عدد الأصوات الأقل مباشرة كان يصبح نائبا للرئيس, بعد هذا التعديل أصبح انتخاب الرئيس ونائبه يتم كل علي حدة, مما غير من شكل العملية الانتخابية, أيضا كان من نتائج هذه الانتخابات, أن تم تبادل سلمي للسلطة حيث خرج من المشهد السياسي, من كان يعرف بالفيدراليين, وظهر الديمقراطيون والجمهوريون كجبهة واحدة, وتحولوا فيما بعد إلي الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي الحزبين الرئيسيين اليوم في الولاياتالمتحدة, بعدها جاءت انتخابات عام1824 التي عرفت ب المقايضة الفاسدة, كان عدم وجود أغلبية في الأصوات الانتخابية قد جعل مجلس النواب يقرر في النهاية الفائز في الانتخابات, وقد توصل المجلس وقتها إلي إعطاء المنصب إلي جون آدامز, الذي خسر الأصوات الشعبية العامة وفاز بأصوات المجمع الانتخابي. وكان المنافس أندرو جاكسون( الذي شكل فيما بعد الحزب الديمقراطي) قد فاز في التصويت الشعبي, لكنه خسر تصويت المجمع الانتخابي, وفي الانتخابات الرئاسية التالية عام1828, وصل جاكسون إلي البيت الأبيض, وكان له تأثير عميق علي الحياة السياسية الأمريكية, فيما عرف بعصر الجاكسونية, الذي شهد بزوغ نجم رجل الشارع الأمريكي العادي, وبات له رأي ودور قوي في تحديد من يريده أن يصل إلي الرئاسة. فيما بعد استخدم مجلس النواب حقه في تحديد الفائز في الانتخابات أربعة مرات فقط, ولكنها شكلت علامات فاصلة, في عام1868 وفي عام1888 ثم في عام2000 الانتخابات الأكثر إثارة للجدل في التاريخ الأمريكي. أما انتخابات عام1860, فقد أدت إلي تحول جوهري في التاريخ الأمريكي, عندما تبني الحزب الجمهوري الحديث وقتها, برنامجا واضحا لمكافحة الرق, أدي إلي فوز أبراهام لنكولن, الذي يعتبره بعض المؤرخين أعظم رئيس في تاريخ الولاياتالمتحدة, وكان أيضا من النتائج البارزة لتلك الانتخابات أن انتهت مع لنكولن وللأبد في فترة ولايته الثانية, الحرب الأهلية, أكثر الصراعات دموية في التاريخ الأمريكي.ومن الملامح الأساسية للسياسة الأمريكية, عدم وجود حزب ثالث ينافس الحزبين الجمهوري والديمقراطي, وكانت انتخابات عام1912 هي السبب الأبرز في التوصل إلي هذه العقيدة الأمريكية, فعندما انشق تيودور روزفلت عن الجمهوريين لتشكيل حزبه الجديد بل موس, أملا في الفوز بالرئاسة, أدي وجوده علي ورقة الاقتراع إلي تفتيت أصوات الجمهوريين مما أدي إلي فوز مرشح الحزب الديمقراطي وودرو ويلسون, وكان لهذا تأثيرا كبيرا وعميقا علي الوعي الأمريكي, الا أن ويلسون هو من قاد الولاياتالمتحدة خلال الحرب العالمية الأولي وقاتل بشدة من اجل إنشاءعصبة الأمم, ناهيك عن إنشاء بنك الاحتياط الفدرالي. تعد أيضا انتخابات عام2000, من أكثر الانتخابات إثارة للجدل بعد وصول بوش الابن إلي البيت الأبيض بعد تدخل المحكمة العليا في سابقة كانت هي الأولي من نوعها- بعد طعن جور علي نتائج الانتخابات وطلب إعادة فرز بطاقات ولاية فلوريدا يدويا معللا ذلك بوجود عيب في بعض البطاقات جعلت ماكينات الفرز تحتسبها كأصوات باطلة بينما هي أصوات صحيحة.