تتصاعد الاضطرابات في تركيا، والشعب التركي لا يريد العودة عن هدفه بإسقاط حكومة حزب العدالة والتنمية الأصولية بزعامة رجب طيب أردوغان، فالشارع التركي اليوم يحدد هويته الحقيقية وموقفه المبدئي الرافض للتورط الأردوغاني بسفك دماء السوريين. وبحسب تقرير ل "توب نيوز" جاء فيه أن معظم الأتراك يرفضون مشروع أردوغان بأسلمة البلاد والقضاء على إرث أتاتورك الذي سقطت قلاعه واحدة بعد الأخرى على يد حزب العدالة والتنمية، بدءا من القصر الجمهوري وصولا للهيئة العليا للقضاة تلتها المحكمة الدستورية، وأخيرا المؤسسة العسكرية. ويرون القوميون الأتراك وكذلك الأتاتوركيون باهتمام أردوغان ومجموعته العثمانية بالأزمة السورية ناقوس خطر رهيب يدق أبواب البلاد، ويسحبها قسرا إلى مستنقع الشرق الأوسط عبر بوابة أزمة الجارة سوريا، وهذا ما حصل فعلا، فكان ذلك من أهم أسباب الثورة التركية. وعلم معارضو أردوغان مسبقا بأن تورط أنقرة بالدماء السورية، غلق نافذة الانضمام للاتحاد الأوروبي وأسدل الستار على إرث أتاتورك الذي أراد لتركيا هوية غربية أوروبية، ولم يقبل لها الهوية الإسلامية البحتة كما يريد أردوغان وحزبه، وهذا تحديدا كان سبب تحذيرات زعيمي حزب الشعب الجمهوري والحركة القومية، لرئيس الوزراء التركي من مغبة الانجرار خلف الأحداث السورية، لاسيما وأنها تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي التركي. وبحسب التقرير أن سياسة وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، أوصلت البلاد إلى منزلق الاضطرابات، كما إن تبنيه لرغبات واشنطن أوقع أنقرة في الفخ السوري، الأمر الذي قسم الشارع التركي سياسيا واجتماعيا بين مؤيد لسياسات حزب العدالة والتنمية تجاه سوريا، وبين رافض لها، أي بين فئة إسلامية متشددة وجدت بالأزمة السورية فرصة ذهبية لتأكيد هوية البلاد الإسلامية والشرق أوسطية، وتتواصل مع المجموعات المسلحة ذات الغطاء الديني وتدعمها بشتى الوسائل، وبين فئة ترغب بالحفاظ على مسافة أمان بين تركيا والشرق الأوسط حفاظاً على هوية البلاد الأوروبية – الغربية. باتت الأزمة السورية تشكل حملا ثقيلا على أردوغان وأطاحت بطموحه نحو رئاسة الجمهورية بصلاحيات كبيرة، حيث يريد دخول التاريخ التركي عبر إقرار دستور جديد للبلاد يضع حدا للقضية الكردية، وتثبيت الحكم المدني لا العسكري في البلاد، فهو اليوم يدفع ثمن قراراته الأحادية التي ورطت تركيا بأزمة سوريا لأبعد حد، ما انعكس سلبا على علاقاتها السياسية والاقتصادية مع سوريا وروسيا والصين وإيران، إضافة لكسبه حقد السعودية على تركيا، ذلك أن الرياض ترفض بشدة مشروع الثقل الإسلامي التركي في المنطقة. هذه الأمور بمجملها جاءت ردا على سياسة أردوغان الانفرادية، ما أوصل البلاد إلى حالة من الانهيار الاقتصادي، بالتزامن مع غليان الشارع التركي الرافض بأغلبيته أسلمة البلاد والتورط بالأزمة السورية، فانفجرت الثورة التركية بشكل واسع وبزمن قياسي صدم حزب العدالة والتنمية الذي أدرك متأخرا خطيئة التدخل بشئون سوريا وتمويل المجموعات الإرهابية المسلحة لقتل الشعب السوري. أعادت الأزمة السورية تركيا إلى نقطتها الأولى في مسيرتها مع منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، ما يعني أن كل ما فعله أردوغان خلال سنوات رئاسته للوزراء قد ذهب أدراج الرياح، ومن المستبعد أن يفوز وحزبه الأصولي في المعركة الانتخابية القادمة، لاسيما وأن الاحتجاجات والاضطرابات في البلاد تتفاقم يوما بعد يوم.