يخطيء من يتصور أن الاحتجاجات التي تشهدها تركيا حاليا تؤدي إلي ثورة أو سقوط نظام (الطيب رجب أردوغان) لأن الواقع يؤكد أن حزب العدالة والتنمية الحاكم ذا الجذور الإسلامية يحظي بشعبية كبيرة في الشارع التركي فقد حصل علي 50 في المائة من أصوات الناخبين الأتراك في الانتخابات الأخيرة.. بينما المعارضة التي تصعد من احتجاجاتها في الشارع لم تنل أكثر من 27 في المائة، وفشلت التيارات اليسارية والعلمانية في وقف المد الهائل لحزب العدالة والتنمية وانتاب المعارضة شعور بالإحباط تجلي ذلك في فقدان الأمل في الانتخابات المقبلة. ولم تجد أمامها سوي النزول إلي الشارع والاحتجاج والاشتباك مع رجال الشرطة. وفي حوار مع »آخر ساعة« قال الدكتور محمد سعد أبو العزم رئيس مركز القاهرة للدراسات التركية إن احتجاجات المعارضة نتيجة لشعورها بالخطر من أن فرصتها في الحصول علي الأغلبية في الانتخابات المقبلة باتت ضعيفة. وأضاف أن رغبة أردوغان في أن تسير تركيا في اتجاه محافظ جزء أصيل من برنامجه الانتخابي الذي انتخبه الشعب علي أساسه.. لافتا إلي أن أردوغان علي استعداد أن يرجع إلي استفتاء الشعب والصندوق للحصول علي ثقة الشارع في تطبيق برنامجه. وكشف د. أبو العزم عن قضايا شائكة ومثيرة جاءت في هذا الحوار: الاحتجاجات تقف وراءها الأحزاب العلمانية القضية ليست أشجارا وحديقة ولكنها صراع علي الهوية كيف تري المشهد السياسي المضطرب في تركيا؟ - المشهد الذي تعيشه تركيا ليس جديدا، فالاحتجاجات التي اندلعت عام 2010 قبل الاستفتاء علي التعديلات الدستورية كانت كبيرة. لكن الاحتجاجات هذه المرة أخذت طابعا خاصا وذلك نظرا للتسليط الإعلامي الكبير في الوطن العربي عليها ومحاولة ربط هذه الأحداث بثورات الربيع العربي أو بثورات جديدة علي الإسلاميين الذين يتولون الحكم في دول مثل تركيا وتونس ومصر إضافة إلي العنف المصاحب للاحتجاجات، ودعني أقول لك أنه للمرة الأولي تحدث أعمال عنف منذ تولي حزب التنمية والعدالة الحكم. فمن المعروف أن الاحتجاجات التي شهدتها تركيا في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي ارتبطت بأحزاب اليسار وشهدت أعمال عنف قوية فالعنف مرتبط بفهمنا بالغالبية الكبري للمحتجين أنصار حزب الشعب الجمهوري المعارض وهذا الحزب امتداد إلي أتاتورك ومرتبط بالفكر العلماني. وأقول إن الأحزاب اليسارية هناك قد شعرت في الفترة الأخيرة أن ثمة تهديدا للهوية العلمانية وأنها فقدت الأمل في الفوز في الانتخابات المقبلة فبحسب استطلاعات الرأي فأن حزب التنمية والعدالة سيفوز بأغلبية مريحة. برأيك مايحدث.. هل ثورة تقسيم أم ربيع بنسمات أناضولية؟ - لا نستطيع أن نطلق علي مثل هذه الاحتجاجات ثورة، لأن الثورة نلاحظ أن غالبية الشعب تقف وراءها. لكن الحاصل بعض الاحتجاجات التي يقوم بها حزب معارض ولا توضع إلا في هذا الإطار.. ولأجل ذلك هدد رجب طيب أردوغان قائلا لو كانت المسألة بالحشود فهو علي استعداد أن يحشد الملايين في الميادين أقول إن هذه ليست ثورة ولكنها احتجاجات قوية تقف وراءها كل الأحزاب العلمانية.. فالذي يحدث هو تعبير عن رأي المعارضة فقط وليس الشعب التركي، لأن المعارضة لن تستطيع حشد قواها أكثر من ذلك. هل صحيح أن القضية تتعدي قضية الأشجار إلي قرارات سابقة اتخذها أردوغان ومنها القانون الذي أصدره مؤخرا بحظر بيع الكحول في الجامعات وأمام المدارس وبعض الأماكن الأخري؟ - القضية ليست أشجارا فقط وإنما صراع علي الهوية التركية وهذا ظهر بعد إقرار قانون الحد من الخمور وليس منع الخمور، والذي يحظر بيع الخمور لمن هو أقل من 18 عاما ومنع بيعها بجوار المساجد والمدارس.. وأقول إن أردوغان يريد من هذه القرارات التي اتخذها أن يعيد لميدان تقسيم الذي يعد أحد رموز الدولة العثمانية تاريخه ببناء ثكنة عسكرية، كانت موجودة قبل أتاتورك وإنشاء مسجد بالميدان وللعلم أن ميدان تقسيم يمثل للعلمانيين رمزا مهما للدولة التركية العلمانية. تدخل الجيش في الصراع بين الأحزاب مستبعد مطالب المعارضة غير واضحة لكن المعارضة تتهم الحكومة بأنها تتجه نحو أسلمة البلاد؟ - يجب أن نفرق بين مايسمي بأسلمة الدولة التركية وبين هوية تركيا كدولة مسلمة من الأساس وترغب أن تسير في اتجاه محافظ وهذا جزء من برنامج أردوغان الذي انتخبه الشعب علي أساسه ولذلك نجد أن أردوغان قال أكثر من مرة بأنه علي استعداد للرجوع إلي استفتاء الشعب وصندوق الانتخابات لكي يحصل علي ثقة المجتمع في تطبيق برنامجه الانتخابي. وماذا عن الدستور الجديد الذي تقول المعارضة بأنه كارثة؟ - أول الصراعات التي تدور رحاها منذ فترة بتركيا واشتدت وتيرتها مؤخرا قضية الدستور الجديد فأردوغان يراهن علي أن الدستور الذي تم إعداده.. الأفضل في تاريخ تركيا لأنه يلبي طموحات الشعب لكن المعارضة تقول عنه كارثة وأنه لايحمي الحقوق الفردية بقدر مايزيد النفوذ الشخصي للديكتاتور أردوغان، باستحداث منصب الرئاسة التنفيذية التي سيصبح علي رأسها في أعقاب الانتخابات المقبلة.. وجاء رد فعل أردوغان علي اتهامات المعارضة له فإنه طلب من البرلمان الإسراع بإقرار الدستور وإلا فإنه سيلجأ إلي خيار الاستفتاء الشعبي الذي يطمئن إلي نتيجته مسبقا.. فالمعارضة تتجه إلي جعل رجل الشارع في حالة حراك مستمر بما يخطف الأضواء من أي إنجازات يحققها حزب العدالة والتنمية. كيف تري المعركة التي يخوضها أردوغان ضد الإعلام والقضاة؟ - يهدف أردوغان من معركته إلي وضع إطار يضبط حدود الحريات الإعلامية ويضمن عدم تجاوز القضاء لمهمته المطلوبة وتوغله في السياسة أن تحمل سلاحا مع حزب العمال الكردستاني أفضل من أن تحمل قلما في تركيا الآن، فقد تم الإطاحة بكتاب وإعلاميين بارزين والضغط علي مؤسساتهم الإعلامية من أجل وقفهم عن العمل، فأردوغان يعتبر أن هناك حدودا للحريات يجب إلا تتجاوز الخطوط الحمراء للأمن القومي لدرجة أنه قال بشكل صريح في خطاباته يجب أن يعلم الجميع حدود النقد ويجب علي من أعطوهم الأقلام أن يقولوا لهم لايوجد مكان لكم هنا، وتتهم المعارضة الحكومة بممارسة التضييق علي المؤسسات الإعلامية.. وتشير التقارير إلي وجود عشرات من الصحافيين الأتراك اضطروا إلي ترك أماكن عملهم خلال الفترة الأخيرة فضلا عن وجود أكثر من 700 قضية تتعلق بصحافيين يتم تداولها في المحاكم وحبس صحفيين وإعلاميين بتهم تتعلق بدعم الإرهاب أو مساندة الانقلابيين. هل المظاهرات والاحتجاجات التي تشهدها تركيا حاليا محاولة للإطاحة بأردوغان؟ - الشعب التركي يعرف قواعد اللعبة الديمقراطية جيدا لو أراد أسقاط الحكومة. فسيلجأ إلي صندوق الانتخابات لاسقاطها. لكن هذه الاحتجاجات هي محاولة للتعبير عن الرأي والاحتجاج فقط. هل لحزب الشعب الجمهوري دور في تحريض المتظاهرين؟ - أنصار حزب الشعب هم من يقودون المظاهرات وهذا الأمر لاينكره الحزب. كيف تري إشعال المتظاهرين النار في مكاتب حزب العدالة والتنمية في مدينة أزمير؟ - مدينة أزمير هي معقل حزب الشعب الجمهوري وأشرت سابقا إلي أن العنف الذي يحدث حاليا في هذه المظاهرات نتيجة شعور التيار العلماني بالخطر وإحساسه أن فرصته في الحصول علي الأغلبية في الانتخابات باتت ضعيفة. برأيك هل انخفضت شعبية أردوغان في الشارع؟ - لم تنخفض شعبية أردوغان بشكل ملحوظ ولكن المهم كيف سيتعامل مع الاحتجاجات التي يشهدها الشارع التركي في الأيام المقبلة؟ وهل سيكون التعامل بحكمة أم بقرارات تؤدي إلي المزيد من التصعيد. كيف تفسر قول أردوغان بوجود أياد خارجية تقف وراء هذه الاحتجاجات؟ - بالتأكيد هناك اهتمام خارجي يصل إلي مرحلة الدعم من بعض الدول التي يهمها إضعاف تركيا وعدم استقرارها مثل سوريا وروسيا وإسرائيل. أفهم من كلامك أن لإسرائيل دورا في هذه الاضطرابات؟ - بالفعل إن إسرائيل لها دور في الاضطرابات فإسرائيل داعم أساسي لحزب العمال الكردستاني الذي نجح أردوغان أخيرا في عقد اتفاق معه قد يؤدي إلي حل للأزمة التركية.. وبالتالي تخسر إسرائيل ورقة تمارس بها ضغوطا علي تركيا. وماذا عن العلويين الأتراك؟ - لاننسي دور العلويين في هذه الاحتجاجات فالمعروف أن كمال كليتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض ينتمي إلي الطائفة العلوية وهناك أعداد كبيرة من حزب الشعب علويون وبالتالي فمن المنطق تعاطف العلويين مع المظاهرات والاضطرابات الموجودة في الشارع. تركيا عضو في حلف شمال الاطلنطي (الناتو) فما هو دور الحلف في الأحداث التي تشهدها تركيا؟ - من مصلحة الأطلنطي وجود حكومة مستقرة في تركيا، وبالتالي من غير المتوقع أن يسمح الحلف بعدم الاستقرار في تركيا فمن مصلحة حلف الأطلنطي دعم الاستقرار في تركيا. هل تتوقع أن يتدخل الجيش في المشهد السياسي وعلي خط المواجهة؟ - الجيش حريص علي ألا يتدخل في الصراع بين الأحزاب السياسية خصوصا بعد قيام أردوغان بتغيير قيادته.. ومن هنا فمن مصلحة المؤسسة العسكرية في تركيا ألا تتدخل في هذا الصراع. لكن في تاريخ تركيا السياسي كان الجيش يتدخل في مثل هذه الأحداث وكان أحيانا يقوم بانقلاب عسكري؟ - في مثل هذه الأحداث الوضع مختلف، فالضغوط الدولية والوضع الدولي ورغبة تركيا في الانضمام إلي الاتحاد الأوروبي، فكل هذا يجعل تدخل الجيش علي خط المواجهة أمرا مستبعدا. وإذا كان الجيش ظل لسنوات طويلة محافظا علي النظام العلماني للدولة التركية. فلا يوجد حتي الآن ما يمس بمبادئ العلمانية وبالتالي فالجيش مستبعد من الانخراط في العمل السياسي. هل تتفق أن سبب الاحتجاجات التي يشهدها الشارع التركي هو أن المعارضة قلقة ومتوجسة من نجاحات محتملة قد يحققها حزب التنمية والعدالة في الانتخابات المقبلة وأنها تحاول تأجيج الشارع خوفا من الفشل في الانتخابات؟ - بالتأكيد لأنه ليس من مصلحة الأحزاب العلمانية الدخول في منافسة انتخابية عادية لأنها ليست لها قاعدة شعبية ويعتمد خطابها علي النخب والمثقفين وبالتالي مشاركتها في الانتخابات محسومة لحزب العدالة والتنمية الذي استطاع خلال توليه الحكم تقديم إنجازات حقيقية يلمسها رجل الشارع التركي. هل سبب الاحتجاجات أن هناك مطالب للمعارضة تريد تحقيقها؟ - إحدي إشكاليات الاحتجاجات أن مطالب المعارضة غير واضحة، فمطلبهم الأساسي، كان عدم إزالة الحديقة من ميدان تقسيم، لكن الآن أصبحت المطالب غير واضحة. هل ينجح أردوغان في الخروج من الأزمة السياسية منتصرا أم ستكون مسمارا في نعش حكومته؟ - لا هذا ولا ذاك أتوقع أن تهدأ الاحتجاجات، ولكنها ستؤثر علي حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تعيشه تركيا. ونحن نتحدث عن الاضطرابات التي تشهدها تركيا لا يفوتنا أن نسأل عن الدور الأمريكي في هذه الاحتجاجات؟ - تأثير الولاياتالمتحدةالأمريكية محدود في الاضطرابات الحالية، ولكن وبدون شك هي لاترغب في وجود دولة لها تأثير إقليمي قوي في الشرق الأوسط؟ في ظل هذه الأحداث كيف تنظر لمستقبل تركيا؟ - أتصور أن تستمر تركيا في معدل التنمية الخاص بها ولكن بوتيرة أقل من الإنجازات التي تحققت وأستطيع أن أوجه برسالة ثقة وهي أن الاحتجاجات سرعان ما تهدأ وأن الأمر أبسط مما يتخيله البعض.