تعتبر عملية اختطاف الجنود السبعة من الجيش والشرطة في سيناء، من الأزمات الداخلية المركبة التي تستلزم قرارات ذات طبيعة خاصة لتشابك الحدث بين جهات متعددة تسعى كل جهة في شد الأزمة ومحاولة حلها بإرادتها بعيداً عن الآخريين حرصاً على مكانة هذه الجهة أو تلك وحفاظاً على صورتها النمطية لدى الشعب أو السلطات القائمة في البلاد. ويختلف التحليل السياسي للأزمة من مجتمع لآخر، فالمجتمع الديموقراطي المستقر يسمح بالأحتشاد الوطني أو القومي خلف أومع السلطات بهدف مواجهة الأزمة والبحث عن حلول في مواجهتها بأقل خسائر ممكنة شريطة التطبيق الصارم للقانون والدستور بلا تمييز. ولذلك نرى في تلك البلدان مبادرات عاجلة من كل الأطراف السياسية لأحتواء الأزمة حتى الوصول إلى الحل النهائي دون تجاهل الأسباب والفاعلين، و بدون مزايدات سياسية. وعادة ماتبدأ عملية الصراع بين القوى السياسية بعد الأنتهاء من الأزمة، بهدف المحاسبة عما وقع وماتم في الأزمة والجهود المبذولة والجهود التي لم تبذل .....إلخ، وعادة أيضاً ما تسمى عملية صنع القرارات في أثناء الأزمة، أنها قرارات أزمة تستلزم السرعة والحسم والبراعة والحفاظ على هيبة الدولة ووحدتها. أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية، جامعة بورسعيد(الخبير في تحليل صنع القرارات السياسيةوإدارة قرارات الأزمة. E.mail:[email protected] وكلما كانت المعلومات دقيقة أو أقرب للدقة، كلما أسهم ذلك في السيطرة على الأزمة ابتداءً من الأحتواء والتبريد وحتى الحل النهائي. وفي سياق مراحل الأزمة ما بين بدء اندلاعها وحتى حلها، تتخذ القرارت السياسية على نحو السرعة دون تباطؤ أوتكاسل قد يسهم في تصاعد الأزمة. وفي ضوء هذه المقومات، يتم الحكم على مدى نجاح ادارة الأزمة ودرجات ذلك، ومدى فشلها ودرجة الفشل، ويمكن في هذا السياق تحليل أزمة الجنود المختطفين تحليلا سياسيا من منظور عملية صنع القرارات السياسية في أثناء إدارة أزمة تتسم بالتعقيد والضخامة، وذلك على النحو التالي: أولاً: بداية الأزمة وتطورها: بدأت الأزمة يوم16مايو واستمرت لمدة أسبوع كامل حيث تم الإعلان عن فك أسر الجنود المخطوفين السبعة فجر يوم23مايو2013م، وهي من الأزمات الطارئة القصيرة التي عادة ما تكشف عن درجة هشاشة نظام الحكم وضعف عملية صنع القرارات من عدمه. وفي نفس الوقت فإن ما تم مع نهاية أسبوع الأزمة هو مجرد الكشف عن أحد جوانب الأزمة الذي هو بمثابة الإشارة إلى اشاعة حل الأزمة على عكس الحقيقة، حيث أن هذه الخطوة هي مرحلة من مراحل المواجهة الشاملة مع الأزمة، وأصبح الموقف محصوراً بين : إما أن الأزمة انتهت عند هذا الحد واقتصرت جهود ادارتها وصنع القرار فيها عند فك أسر المختطفين أو أن ماجرى هو بداية لحل الأزمة بصورة كاملة، قد تبدأبالقبض على جماعة الخاطفين، ثم تنتقل إلى الجهادين المتأسلمين في سيناء، واستكمال تطهير سيناء شمالا وجنوبا من هؤلاء، ثم استكمال عملية"نسر" التي أطلقها د.مرسي عندما كان رئيسا للبلاد وقبل أن تنتهي شرعيته، لسيطرة الجيش على شبه الجزيرة بشكل كامل، ثم النظر في اتخاذ الاجراءات الفعلية نحو تحقيق التنمية الحقيقية لسيناء تكون مكانا لجذب سكاني كبير، قد يصل إلى 5 مليون نسمة بدلا من نصف مليون حاليا في شمال سيناء وجنوبها، وتحقيق الرخاء لشعبها والتعامل مع المواطنين أبناء سيناء كمواطنين من الدرجة الأولى، الأمر الذي يؤدي إلى اعتبار سيناءهي الحائط البشري والجدار الفولادي للأمن القومي المصري بإعتبارها البوابة الشرقية له. وفي هذا السياق فإن جملة أسئلة هامة ورئيسية تطرح نفسها بإلحاح في هذه الأزمة، وتتمثل في: من فكر في هذه الأزمة أو في هذا الفعل قبل أن يتحول لأزمة؟ ومن خطط له؟ ومن نفذ هذه العملية؟ وماهي دوافعة أو أسباب هذا الحدث؟ وما هي أهدافه المطلوب تحقيقها؟ وما هي بدائله أو خياراته حال عدم تحقيقها؟ أي ماذا سيفعل ازاء ذلك؟ بعبارة أخرى ماذا لوكان جلد المسئولين في السلطة من النوع السميك-التخين- كما يدعون؟! أي بماذا سيتصرفون في حالة تجاهل السلطات لمطالبهم؟! هل من بين خياراتهم قتل المختطفين السبعة؟! أم قتل مختطف كل عدة ساعات ووضع جثته على قارعة الطريق حتى آخر جثة مفترضة؟! وماذا لو ألقى القبض عليهم؟! هل سيعترفون على أنفسهم أم سيقولون حتى من وراءهم، ومن يساندهم ومن خطط لهم هذا الحدث وتصديره كأنه أزمة كبرى تستوجب المواجهة؟! كما أن هناك نوعية أخرى من الأسئلة بعد فك أسر المختطفين السبعة ومن بينها: هل هذا الفعل من ارادتهم مباشرة بعد استشعارهم الخوف من الابادة أي من وحي الإرادة الذاتية للخاطفين أم لا؟ أم أن هذا الفعل تم في ضوء صفقة يتم بوجبهامقايضة على وزن خبرات جماعة الاخوان في عقد الصفقات( سيب وأنا أسيب) بالإفراج عن المختطفين مقابل عدم تعقب الخاطفين بل وتيسير تهريبهم من المنطقة؟! وإذا كانت هناك صفقة، فمن كان وراؤها، ومن أشرف عليها، ومن تحدث للخاطفين، ومن توسط لديهم، ومن حدثهم في التليفونات؟! فضلا عن السؤال المحوري: من الذي خطف، ويعملون لحساب من؟! ومن كان وراؤهم داعما ومؤيدا ومباركا؟ فمن يمولهم يمولهم بالمال والسلاح؟! أليس في رفع صورة بن لادن وعلم تنظيم القاعدة في آخر مظاهرات للمتأسلمين عند مبنى الأمن الوطني بالقاهرة، دليل على أن هذا التنظيم بدأ يتحرك في مصر، ويتخذ من سيناء" وكرا" له ليفعل مايشاء في المجتمع؟! ومن الذي ييسر وجودهم في سيناء في جيل الحلال وما حوله، وهوالذي يسر عملية هروب الخاطفين رغم أن العملية كلها مكشوفة وعلى الهواء مباشرة؟! وهل سيتمالقاء القبض على الخاطفين كما يزعم الرئيس غير الشرعي، وبعض قيادات الشرطة؟!ولماذا يصمت الجيش على هذا الذي يحدث والذي لا يخرج عن وصف المهزلة؟! فهل ارتضى الجيش صيغة الصفقة رغم ما تحمله من إهانات لرجال الجيش والمؤسسة العسكرية أولا أم لم يرتضيها أم ارتضاها إلى حين" ميسرة" أم ماذا بالضبط؟! والسؤال لم يعد يسأل للداخلية، لأنها تتستر على ما تريد وتمسك بمن تريد، ولتقل لنا الداخلية أين محمد سامي مهران( الأمين العام لمجلس الشعب السابق)، الذي صدر بحقه حكما بالسجن ثلاث سنوات؟! ومن الطبيعي أن تتستر على الخاطفين في سيناء، وربما يطلقون نكتة أن سيناء مثل" تورابورا" في أفغانستان لها دروب ومسالك تعجز الشرطة بإمكانياتها المحدودة !! على تعقب المجرمين!! ياسبحان الله!! ومن نوعية ذات الأسئلة، ماهي الخيارات أمام الجيش (القيادة العسكرية)؟ ماذا كان يناقش داخل أروقة هذه القيادة؟ وما هي الخيارات أمام الداخلية التابعة للأخوان الآن؟! وماذا كان يتم ويرتب داخل مؤسسة الرئاسة، تحت اشراف جماعة الاخوان ومكتب الارشاد ؟! الأسئلة كثيرة وتفتح الباب لجدل واسع، كان منتشرا طوال الأيام المصاحبة للحدث دون أن يصل إلى اجابات حاسمة حتى الآن، الأمر الذي يكشف انعدام الشفافية والوضوح لدى السلطات الحاكمة، مع سيادةالغموض العمدي ازاء ما تم والعمل بنظرية النظام السابق:" دعهم يقولون.. ونحن نفعل ما نريد.."، حتى سقط النظام وقد يفتح هذا الوضع وتلك التساؤلات مكانا واسعا لنظرية المؤامرة، في ظل مناخ لا يتسم بالديموقراطية التي تشترط الشفافية والمشاركة والرقابة السياسية، وعلى الجانب الآخر فإن المؤامرة بإعتبارها من الجرائم السياسية في هذا السياق، قد تستند مثل الجرائم العادية إلى قاعدة المصلحة، وإذا أردت أن تبحث عن المجرم الحقيقي، اسأل مباشرة عن صاحب المصلحة أولا وحتى تستبين الحقيقة الكاملة، لأن ذلك هو مفتاح الكشف عن لغز الجريمة. ثانياً: الأزمة وقرارتها وحدود الحركة: الثابت في علم ادارة الأزمات وقرارات الأزمة، أن الأزمة تمر بثلاث مراحل هي: الأولى سابقة على وقوع الأزمة، والثانية لحظة اندلاع الأزمة( البداية والتطور)، والثالثة: انفراج الأزمة وحلها. والثابت أيضا أن نظام صنع القرار خلال الأزمة مختلف تماما عن الوضع الطبيعي، حيث تتسم قرارات الأزمة بالسرعة الواجبة وتوافر فرق عمل جماعية متناغمة ورفيعة المستوى، وعلى صلة مباشرة بصانع القرار ومتخذه، وأن الوقت يلعب الدور الحاسم في الوصول بالأزمة إلى أفضل الحلول بأقل الخسائر البشرية أولا ثم المادية ثانية. وفي تحليل المرحلة السابقة على وقوع الأزمة محل التحليل، وهي عادة ما نسميها بالمرحلة التمهيدية، فقد اتضح شيئان لافتان للنظر، الأول هو تصاعد الخلافات بين الجيش وقياداته العليا من ناحية وبين الرئيس وجماعته من ناحية أخرى، والثاني الاصرار" الاخواني" على إدارة شئون البلاد عن طريق الأزمات. وقد يكون القاء الضوء على ذلك مفيداً أو مدخلا لتحليل الأزمة وتطوراتها حتى انفراجها المؤقت * فالواقعة الأولى: تؤكد أن هناك خلافات مكتومة بين القيادة العسكرية والرئاسة وهي في الأصل خلافات بين المؤسسة العسكرية وبين جماعة الأخوان ومكتب ارشادها الذي يحكم البلاد دون سند من الشرعية، وصلت إلى حد الصدام غير المباشر الذي يعبرعن كل طرف حتى حافة الهاوية ويتوقف، وكان من حصيلة هذه الخلافات أن جمع الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للجيش ووزير الدفاع، رجال الاعلام والفنانين وبعض الشخصيات وجميعهم بلا استثناء ينشدون تحرك الجيش لأنقاذهم من حكم الأخوان غير الشرعي، ليصرح لهم وعلانية أن الجيش لن ينزل إلى الشارع، ولا علاقة له بالسياسة، وأن حسم الخلافات بين القوى السياسية تكون بالصندوق، وانه سيحمي الصندوق والأنتخابات، وأُعتبِر ذلك أنه دعم مباشر للرئيس وجماعته، وأن قيادة الجيش استسلمت لهؤلاء. والسؤال: ماهي أهمية ذلك في التحليل؟ الإجابة: أن ذلك من أهم العوامل التي شجعت الاخوان على تحريك أحد أذرعتهم المتأسلمة لتفجير الأزمة كجزء من المعركة مع الجيش، والقضاء التام على الداخلية بعد احتوائها حيث سيتضح أمام الرأي العام الداخلي والخارجي أن هؤلاء يتسمون بالعجز عن حماية أبنائهم، وهو الحد الأدنى الذي يغري الرئيس وجماعته على أنتهاز الفرصة لإقالة أو ازاحة الصف الأول في القوات المسلحة، ليتقدم الصف الثاني ليصبح حامي حمى الاخوان وتنفيذ أجندة الأخونة وحال عدم قيامهم بذلك فإن أزمة مماثلة يمكن تدبيرها وهكذا ، ومن ثم فإن المصلحة الحقيقية للاخوان في تفجير هذه الأزمة واضحة في اطار مسلسل كسر إرادة الجيش واخضاعه لهيمنة الرئيس وجماعته. * أما الواقعة الثانية: فتتمثل في اصرار الجماعة على القيام بإدارة شئون البلاد عن طريق اختلاق الأزمات كوسيلة لتثبيت دعائم حكمهم وأحكام سيطرتهم على مفاصل الدولة وإلهاء القوى السياسية واستنزافها في المتابعة واحراجها أمام الرأي العام والجماهير وتضييع الوقت والجهد في الجري وراء أزمات الأخوان، الأمر الذي يجعل الجميع مشغولين عن خطة الاخوان في السيطرة والتمكين والاستحواذ، ويمكن التأكد من ذلك من سلسلة قرارات الرئيس وهي في الأصل قرارات مكتب الارشاد، وللعلم فقد قلت ذلك منذ بداية يوليو 2012 بعد تولي الرئيس بعدة أيام والحوارات التلفزيونية شاهدة وبدون تأكيد من يخرج على الاخوان من مستشاريهم أو أعضاء اخوان سابقين. حيث أن الرئيس-آنذاك- اتخذ قراره الأول باستدعاء برلمان صدر بشأنه حكما بعدم الدستورية، ثم قراراته التالية بإلغاء الاعلان الدستوري التكميلي الذي أقسم عليه وأزاح المجلس العسكري في انقلاب مدني دون رد فعل قوي من القوات المسلحة آنذاك الأمر الذي أوحى للرئيس وجماعته بهشاشة القيادات العسكرية وهو ما أغراهم بالتهديد المستمر للسيسي مرة بالعزل ومرة بالاتهامات المتكررة...إلخ، ثم فوجئنا بالأزمة الأخيرة قبل أزمة الخاطفين، وهي أزمة القضاء ومحاولة تمرير قانون السلطة القضائية وتخفيض السن، والملاحظ أن جماعة الاخوان توظف أطراف أخرى تابعة لها مثل حزب الوسط أوجماعات المتأسلمين لتفجير الأزمة، ثم محاولة تصدير الرئيس سعيا لحلها وهو لايعرف أو يعرف ولا يدرك، أو يعرف ويدرك ولكنه يتغافل، أنه مجرد وسيط أو واجهة يتخفى وراءَ ها التنظيم الدولي للاخوان الذي يصر على تحريك الأمور في مصر لحسابه فقط، وهم ويستهدفون من الدفع بالرئيس لصدارة المشهد ليكون مركزا لتجمع كل الأطراف فيتأكد استمراره في منصبه وأنه مطلوب ويطلب منه، وأنه يجني المكاسب بالوعود الزائفة وهوفي النهاية شريك في صنع واختلاق وتنفيذ الأزمة حتى التلاعب بها دون حلها حلا جذريا الأمر الذي يقطع بصلة المصلحة المباشرة بين الرئيس وجماعته والأزمات المتلاحقة التي تتفجر في المجتمع وآخرها أزمة المختطفين السبعة من جنود الجيش والشرطة. * وفي سياق هاتين الواقعتين، فإن أدارة أزمة المختطفين طوال الأسبوع الذي استمرت فيه حتى محاولة جني الثمار للاخوان، فإن الرئيس غير الشرعي فعل مايلي: 1. التأكيد على شرعية وجوده وأنه صاحب القرار منذ اليوم الأول حينما اكد على حرصه على دم جميع الخاطفين والمخطوفين وأنه أقر بذلك. 1. التأكيد على احراج الجيش بدرجة كبيرة وقياداته دون احراج مماثل للشرطة بعد أن تم تطويعها لحساب الاخوان وذراعهم الرئاسي. 2. التأكيد ان القائد العام للجيش( السيسي) لا يعمل بدون تعليماته كقائد أعلى للقوات المسلحة، تأكيدا للخضوع التام للجيش أمام الشعب، لارادة الرئيس. 3. التأكيد من خلال بيانات رئاسية متكررة أنه لا تفاوض مع الخاطفين مع تجنب وصفهم بالارهابين وان هيبة الدولة محفوظة دون ترجمة ذلك عمليا. 4. محاولة توريط المعارضة في حوار حول الأزمة بحثا عن وسائل للخروج منها دون اراقة الدماء، وسعى للجلسة كالعادة شخصيات بلا وزن جماهيري. 5. محاولة استغلال الفرصة او توظيفها لفتح حوار مع القوى السياسية مرة أخرى ودعوته للمعارضه بالحوار مرة أخرى في مواقف تمثيلية تؤكد استمرار الخداع والتوظيف السياسي لحدث من صنع جماعته وربما لايدري . 6. قيام الجماعة وممثيليها في الاتجاهات المتأسلمة بإدارة التفاوض مع الخاطفين الذين يعرفونهم، لتظهر المسألة في اطار عقد الصفقة تأكيدا لعدم تورطهم ظاهريا، وهنا فإن عماد عبد الغفور مساعد الرئيس ظهر في حوار له يؤكد ضلوعه في التفاوض، وآخرين في هذا السياق. 7. التوظيف السياسي للعثور على المخطوفين وكأنهم وجدوهم على قارعة الطريق، ليؤكدوا عدم وجود صفقات، وعدم اراقة الدماء، ووصول المخطوفين سالمين دون تعرضهم لأية اصابات، وأن هذا فوز كاسح لمرسي وجماعته، ونسيان ان ادارة الدولة وهيبتها هم الأصل، وأن ما يفعلوه هو من قبيل تفاوض العصابات، على خلفية أنهم يديرون شئون فصائل وعصابات لا شئون دولة. 8. محاولة الرئيس في حديثه التأكيد على وجوده كرئيس شرعي وقائد أعلى للقوات المسلحة، وأن الكل يؤتمر بأمره وحده لتوليد نفسه كفرعون جديد، ومن هذه الزاوية شكر الكل على مجهودهم في تحرير المخطوفين، رغم انه لم تكن هناك عملية تحرير أصلا. * يؤكدهذا كله أنه أراد أن يكون الكاسب الوحيد لأنه صاحب القرار وحده في ادارة شئون البلاد وانه هو الذي كان يدير الأزمة ويتخذ القرارات تباعا منفرداً، وكأن تأكيد شرعيته في انفراده بالقرار!!. * على الجانب الآخر، فإن القوات المسلحة كانت تمارس عملها فاستعدت لخوض معركة تحرير المخطوفين واتخذت الاجراءات كاملة حتى وصلت الرسالة إلى الطرف الآخر بالتأكيد جماعة الاخوان الذين شعروا بجدية هذه الاجراءات،حتى وصل الأمر إلى خشية أن ينفرد القائد العام بالقرار في آخر لحظة بإتمام العملية بتحرير المخطوفين والقاء القبض على الخاطفين، فآثروا السلامة بعقد الصفقة في آخر لحظة بموجبها تم تحرير المخطوفين بإلقائهم على قارعة الطريق مقابل سلامة الخاطفين وعدم التعرض لهم، الأمرالذي أوقف اجراءات الجيش وأحبط خططه في تنفيذ العملية( تحرير). * ويؤكد ذلك أن جماعة الاخوان وأنصارهم من الجماعات المتأسلمة هم صانعي هذه الأزمة حتى وصولها إلى اللحظة الحاسمة التي يكسبون فيها وبأقل المكاسب وهوتحرير المخطوفين وعودتهمبسلامة ودون مساس بإستثناء الشريط الذي صورهم معصوبي العينين ويناشدوا الرئيس بفك أسرهم دون أي طرف آخر!! ودون مساس أيضاً بالخاطفين حرصا على سرية المؤامرة وعدم الافصاح عن أسرار العملية وفك طلاسمها التي تمتلك كل معلوماتها الأجهزة السيادية التي آثرت الحفاظ على صورة الرئيس "غير الشرعي" دون اظهار جوانب الغضب المكتوم. ومن الواضح إذن أن حدود حركة الرئيس غير الشرعي وجماعته كانت واسعة، بينما هامش حرية الحركة أمام الجهات السيادية وفي مقدمتها الجيش وقياداته كانت محدودة ومقيدة أمام كل ذي عينين ولا تحتاج إلى تاكيدات، ولاينفي ذلك أن الجيش والمخابرات كانت أمامهم مساحات لحرية الحركة في إطار مسئولياتهما، كبيرة ومتسعة ولكن لم يمارسوها فعليا، وقد يرى البعض أن احراج الجيش هو أحد الأهداف الأساسية من وراء اختلاق هذه الأزمة، فإن الجيش خرج من الأزمة مؤقتا ولكنه يختزن كل هذه التصرفات على مايبدو إلى حين، وهوما يقدره العسكريون مع أنفسهم دون نسيان أن تصريحات السيسي وسط المشايعين لدور الجيش السياسي كانت بمثابة المحفز على اختلاق الاخوان لهذه الأزمة والاستغلال السيئ لموقف الجيش الذي يتظاهر بالحياد في مواجهة الجميع، وهو يدرك أن الأمر لا يحتمل ذلك الحياد المزعوم. ثالثاً: تقييم للأزمة وقرارتها: قد يكون تحرير المخطوفين سالمين بداية لأزمة جديدة، قد تؤكد اصرار الجيش على ممارسة مهامه والثأر ممن اعتدى على جنوده باعتبار أن الخاطفين هم أعداء للجيش في الداخل يجب تأديبهم عسكريا، أو قد تؤكد أن الجيش بقياداته الحالية دخل حظيرة الاخوان(الرئيس وجماعته)، فقد نشرت جريدة الأهرام في صدر صفحتها الأولى ( مانشيت رئيسي)،"الرئيس يامر بالقبض على خاطفي الجنود ومعاقبتهم" يوم 24/5/2013م،وقد يعني هذا الخبر ان الرئيس قد صدّر الأزمة للجيش خاصة والشرطة كذلك لاستكمال الموضوع بإلقاء القبض على الخاطفين بعد أن يكون قد ساهم ورجاله وجماعته في تهريبهم نتيجة الصفقة، وحال عدم تنفيذ الجيش والشرطة لهذا الأمر يكون الرئيس وجماعته أبرياء، بينما الجيش والشرطة مقصرين وحال ذلك يكون مقدمة لتصفية متوقعة للقيادات الكبرى في كلتا المؤسستين وبعدهما المخابرات لاخضاع الجميع لمشيئة الاخوان، وبعدها يتم الأنتقال إلى المعارضة والقضاء....إلخ ليصبح الجميع في حظيرة الاخوان. وفي تقديري ، أن هذا ما يفكرون فيه ويخططون له ويسعون إليه، بينما على الخط يوجد الشعب الذي يرفض هؤلاء ويعرف أن ماحدث هو تمثيلية محبوكة، الغرض منها اظهار نجاح للرئيس، وهو وهم كاذب وخادع يعيشون فيه ولا يدكون حجم الغضب الشعبي وكراهية الجماهير للرئيس وجماعته الاخوان بصورة غير مسبوقة بإعتبارهم كاذبون وغشاشون وأن هؤلاء حاولوا تصدير الأزمة لمجابهة الجيش بكسره واظهار عجز قياداته في جانب، وفي جانب آخر تصدير الارهاب للشعب بأنهم يمتلكون جيشاً جراراً من الارهابين في سيناء لديهم الاستعداد للانطلاق في أي لحظة. فالأمر جد خطير ويستدعي الحركة السياسية والشعبية والعسكرية بشكل منظم للاطاحة بحكم الاخوان غير الشرعي، وإلا فانتظروا الكارثة في ضوء الأزمة محل التحليل، الثورة مستمرة حتى النصر بإذن الله .. ولا زال الحوار متصلا، القاهرة في 26/5/2013 أ.د. جمال علي زهران