معاني العقل: (العقل لغة الحجر والنهى، يقال رجل عاقل أي جامع لأمره ورأيه، وهو مأخوذ منالعقال يقال: عقلت البعير إذا جمعت قوائمه، لذا قيل:العقل عقلا لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك أي يحبسه، والعقل التثبت في الأمور، والعقل القلب،وقيل: العقل التمييز الذي به يتميز الإنسان عن سائر الحيوان، وقد يقال للعقل معقول، رجل ما له معقول أي ما له عقل) أقول إن تعريف العقل في اللغة بالحجر والنهي ؛لأنه يمنع صاحبه وينهاه عن الوقوع في الخطأالذي غالبا ماينشأ من الجهل أو اتباع الهوى كما يظهر من معناه أنه قيد يمنع صاحبه من الانطلاق والاندفاع وراء أوهامه وأهواءه المنبعثة دائما من الحس والخيال وهذا المعنى على خلاف مايتوهمه الحداثوين وااليبراليون من أن العقلانية تعنى التحررمن كل قيد،كما أن تسمية العقل بالقلب في بعض الأحيان بحسب اللغة يمنع ماذهب إليه اصحاب الاتجاه النقلي والإشراقي من تفسير القلب المذكور في الايات والروايات بشئ آخر مباين للعقل هذا بحسب اللغة ،أما بحسب الاصطلاح،فله عدة اطلاقات: الأول:هو الجوهر المجرد عن المادة ذاتا وفعلا،وربما يسمى بالملك في مصطلح الشرع الثاني :أنه قوة مدركة مفكرة ومميزة عند الإنسان وقد ورد هذان المعنيان في رسائل إخوان الصفا،قالوا: (واعلم يا أخي أن العقل اسم مشترك يقال على معنيين: أحدهما ما تشير به الفلاسفة إلى أنه أول موجود اخترعه الباري، جلّ و عز، و هو جوهر بسيط روحاني محيط بالأشياء كلّها إحاطة روحانية. و المعنى الآخر ما يشير به جمهور الناس إلى أنه قوة من قوى النفس الإنسانية التي فعلها التفكّر و الرويّة و النّطق و التمييز و الصنائع و ما شاكلها) الثالث: ورد أيضا اطلاق اسم العقل على جوهر النفس الناطقة التى تمثل حقيقة الإنسان في كلام الكندي والفارابي وابن سينا: قال الكندي(العقل فينا جوهر بسيط مدرك للأشياء بحقائقها) قال الفارابي(إن القوة العاقلة، جوهر بسيط مقارن للمادة، تبقى بعد موت البدن، وهو جوهر أحدي وهو الإنسان على الحقيقة) وكذلك ابن سينا قال(لا شك أن نوع الحيوان الناطق يتميز من غير الناطق بقوة بها يتمكن من تصور المعقولات وهذه القوة هي المسماة بالنفس النطقية) أقول :لاشك أن اطلاق اسم القوى العاقلة على النفس هو نحو من التجوز،من باب إنها هي العاقلة في الحقيقة،ولكن بقواها،وقوى النفس غير النفس وهى قائمة بها،وخادمة لها: قال ابن سينا في الشفاء: (في أفعال القوة المصورة والمفكرة من هذه الحواس الباطنة إنه سنبين بعد أن هذه القوى كلهالنفس واحدة،وأنها خوادم للنفس) كما أشارفي نفس المصدر بصراحة حيث قال بعد بيان قسمى العقل كما سيأتي(والعقل العملي محتاج في أفعاله كلها إلى البدن وإلى القوى البدنية،وأما العقل النظري فإن له حاجة ما إلى البدن وإلى قواه لكن لادائما ومن كل وجه،بل قد يستغني بذاته،وليس لاواحد منهما هو النفس الإنسانية،بل النفس هو الشئ الذي له هذه القوى) الرابع: قد يطلق العقل على إدراكاته،كما جاء على لسان الفقهاء والمتكلمين قال الغزالي( العقل علم ضروري بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات) وهو استعمال مجازي أيضا بتسمية الشئ باسم متعلقه وهناك معاني أخرى للعقل لاداع للإطالة بذكرها،حيث إن المقصود لنا هنا من العقل بنحو عام هو القوة العقلية للنفس الناطقة الإنسانية المدركة للكليات بنفسها،وللجزئيات بغيرها ويمكن توضيح مراتب العقل الادراكي من خلال بيان أنحاء أحكامه المختلفة: إن العقل الإدراكي بمعناه العام هو الحاكم الأول والأخير في مملكة الإنسان ، وهو قد يحكم بنفسه كحكمه بأن النقيضين لا يجتمعان أو أن الحوادث لها أسباب، وقد يحكم بالاستعانة بغيره من الأدوات المعرفية كالحس في حكمه بطلوع الشمس أو بالتجربة كحكمه بأن الأسبرين مسكن للألم، أو بالاستعانة بالنصوص الدينية والتاريخية، كحكمه بأن الصلاة واجبة، وأن المسلمين انتصروا في معركة بدر مثلا. ومن هنا يتضح أن جميع المناهج التفكيرية هي عقلية بهذا المعنى العام. وباعتبار آخر فإن أحكامه قد تكون قطعية، وقد تكون ظنية، وفي حكمه القطعي قد يصيب الواقع وقد يخطئه، وبالتالي فالحكم القطعي العقلي قد يكون صادقا، وقد يكون كاذبا، والحكم العقلي القطعي الكاذب يسمى بالجهل المركب، لأنه جهل بالواقع، وجهل بالجهل. أما الحكم العقلي القطعي الصادق فقد يكون قابلاً للتغير والتزلزل عند القاطع في المستقبل، ويسمى بشبه اليقين كاعتقاد بعض العوام الصحيح؛ لأنه ليس لديهم برهان عقلي على هذا الاعتقاد بل حصل لديهم للشهرة والتقليد أو لقول من يثقون به وبكلامه وقد اتفق أن كان صحيحاً، فهذا اليقين يكون في معرض التزلزل لأنه ليس من أسبابه الموضوعية(objective)، بل أسباب ذاتية نفسية(subjective). وقد لا يكون قابلا للتغير والتزلزل بل يكون ثابتا، ويسمى باليقين بالمعنى الأخص، وإنما كان ثابتا لأنه حصل من أسبابه الموضوعية الذاتية ؛ فإنه يقوم على أساس بديهيات وقضايا تحليلية لا يشك فيها إطلاقا، لذا فإن حجيته ذاتية، أي أنه لا يحتاج إلى ما يثبت قيمته العلمية لحصولها من نفسه،وهذه هى أعلى وأرقى مراتب العقل والعقل في هذه المرتبة يسمى بالعقل البرهاني الخاص، وهو ما نعنيه في نظرنا بأنه الأساس والمعيار في بناء المنظومة الفكرية للفرد والمجتمع.