صدر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب "الاقتصاد الإسلامي والاقتصاديات الوضعية"، لمؤلفه عبد الرحمن أبو قطيفة، تناول فيه الفكر الاقتصادي الوضعي، سواء الحر أو الموجه، والرأسمالية والاشتراكية، كما فرق بينهما في مقارنة سريعة. كما ناقش الكتاب،شقاء البشرية، وأرجع سببها إلى سيادة طبقة عن باقي طبقات المجتمع، مما أدى إلى الصراع بين الطبقات، وبدوره أدى إلى تدمير المجتمع وشقائه، لذلك دعا إلى تطبيق الاقتصاد السماوي، باعتباره النظام الذي يحقق سعادة البشرية دون تميز لجنس أو لون أو عقيدة. يعتبر الاقتصاد علم تعددت فيه الأقوال والأفكار والآراء والنظريات العلمية والعقائدية، وأرست له مذاهب عقائدية وفلسفية متباينة، وبالتالي لا يمكن وضع الاقتصاد تحت التجريب والاختيار، بغية الحصول منه على نتائج علمية محددة، واعتبارها مرجعًا يقاس عليه الأفعال، ما لا يمكن التكهن بنتائج مقداره على غرار العلوم الأخرى. والاقتصاديات الوضعية تشمل عدة نظم منها الاقتصاد الحر الرأسمالي، الذي يعتمد على الحرية الفردية في التمليك والتخطيط من جانب الرأسماليين، وعدم السماح بالتدخل في شئونهم، فالحرية الفردية التي يدعمونها هي الحرية أفراد الطبقة الحقيقيون صاحبة السيادة في هذا النظام، ولهم كل الحرية سواء الحرية الاجتماعية أو السياسية أو الإدارية والتخطيطية أو المالية، دون منازع على اعتبار أنها حق من حقوقهم. وعن النظام الاقتصادي الاشتراكي، وهو ثاني النظم الاقتصاديات الوضعية، الذي صارع النظام الرأسمالي، بثورات عالية لانتزاع السلطة من النظام الرأسمالي، ليحقق أهم أهدافه وهي (الأممية)، بمعنى تحويل العالم كله إلى النظام الماركسي، فأصبحت تغزو أسواق الدول الاشتراكية في الداخل والخارج، بسلع ذات مستوى جيد للمنتجات المنتجة في الدول الاشتراكية. وحرصت الماركسية على إلغاء التخطيط الفردي لتحل محلها الملكية المركزية، وما ذلك إلا إن الاقتصاديات الوضعية بمختلف نظمها تعتمد دائما على النظام الطبقي الذي يؤدى حتمًا إلى الصراع بين الطبقات، الذي لابد أن ينتهي إلى حروب طاحنة. وهذا الصراع يعتبره الماركسيين "ديالكتيك" التاريخ أي "المادية التاريخية" الذي يتحكم فيه ويحدد له مسارًا حتميًا. أما المنهج الإلهي كما جاء في الكتاب، فيشجع على الخلق والابتكار والاجتهاد ويجعل له أجران، أجر من المجتمع وأجر من الله سبحانه وتعالى، وهذا المنهج الإلهي لم يكن قاصرًا في تطبيقه على أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه امتد إلى الذين يؤمنون بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهم يسلكون نفس المسلك وينتهجون نفس المنهج طاعة لله ورسوله، فلا يفرقون في تطبقيه بين طبقة وطبقة، ولا بين فرد وآخر، فالرحمة والعدالة سمتا المنهج، وهما القاسم المشترك في طريقهم. كما المنهج الاقتصادي الإلهي في الإسلام قصد إدارة الإنسان أولًا، وباقي المخلوقات التي لها حرية الاختيار الترجيحي ثانيًا، والكون كله ثالثًا، وفهم الاقتصاد باعتباره موارد تشبع الشهوات، وتحافظ على استمرار الحياة، سواء كانت تلك الموارد في صورتها الأولية أو بعد تحويلها لمنتج صالح لإشباع الشهوة أو الضرورة الحياتية. وقال أبو قطيفة في كتابه: الاقتصاد في حاجة حتمية إلى إدارة، لأن فصل الإدارة والاقتصاد عن بعضهما يكون سبب مباشر لتخلف المجتمعات البشرية اقتصاديًا وسياسيًا، ومن هذا نستطيع أن نشير إلى أن الثروات في مصر التي يسئ استخدامها يرجع إلى سوء الإدارة، مثل ماء النيل الذي يساء استخدامه يمكن استغلاله في استزراع مساحات شاسعة، وتحويلها إلى اللون الأخضر، سواء في الوادي وسيناء؛ لفتح أبواب العمل أمام الشباب، وكل ذلك صار مرهونًا بوضع النظام الاقتصاد الإسلامي في الاعتبار، لأنه لا غاية له إلا إسعاد البشرية، دون اعتبار لعقيدة أو لون أو طبقة.