يواجه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أخطر أزمة سياسية منذ صعود نجمه في تركيا على أكتاف التيار الشعبي الذي أسسه نجم الدين أربكان وفي أعقاب انقلاب أمريكي داخل هذا التيار أنتج حزب العدالة و التنمية الحاكم الوثيق الارتباط بالولاياتالمتحدة وبحلف الناتو وانخراطه في المخطط الأميركي لحماية إسرائيل بواسطة التفاهمات السرية مع قيادة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين التي استهدفت شل مصر وتجديد إخضاعها للهيمنة الإسرائيلية وتدمير القوة السورية. أولاً: إن الاحتجاجات الشعبية على مشروع تقسيم في اسطنبول هي تعبير مكثف عن حالة الاحتقان في المجتمع التركي نتيجة الفشل السياسي والأمني الخطير لحكومة أردوغان التي جلبت بتورطها في العدوان على سوريا عصابات التكفير الإرهابي بخليطها العالمي إلى داخل تركيا وأثارت حالة من القلق والاضطراب في جميع المناطق التركية التي زرع فيها أردوغان معسكرات ومقرات و مراكز عمل لجماعات إرهابية سورية وعالمية يوظفها في خطته لإخضاع معارضيه داخل تركيا، ولا يقف باستعمالها عند حدود تكليفها بمهمات تدمير ونهب سوريا وسرقة معاملها فخطر هذه الأدوات بات خطراً على أمن تركيا واستقرارها ووحدة شعبها الوطنية مع انتشار مظاهر نافرة لجماعات التجنيد التركية المتطرفة التي انبثقت من حزب الإخوان الحاكم بزعامته. ثانياً: تكشفت للرأي العام التركي خطة العثمنة ونسف الدولة المدنية العلمانية القائمة في البلاد عبر ما يقوم به أردوغان من تغيير معالم اسطنبول ومسح آثار الأتاتوركية التي تشكل عنصراً مكونا رئيسياً في بنية المجتمع التركي ونهج الإلغاء والاستئثار الذي يمارسه أردوغان ويقود البلاد إليه هو جوهر الديكتاتورية الإخوانية الذي ينكشف مع اعتزامه السير في اتجاه تعديل الدستور، ويولد بالتالي حالة واسعة من الرفض والمقاومة تجتمع عليها تيارات المعارضة السياسية التركية التي خرجت إلى الشوارع والميادين في مختلف أنحاء البلاد خلال الأيام القليلة الماضية، وهذه القوى الحية هي نفسها التي تصدت لتوريط تركيا في العدوان على سوريا وأعلنت عن مواقف داعمة للأخوة والجوار مع سوريا وأعربت بأشكال مختلفة عن تصديها لسياسة اردوغان القائمة على تنفيذ المخطط الأميركي في المنطقة على حساب اقتصاد تركيا وعلاقاتها بكل من سوريا والعراق التي بلغت درجة عالية من العدوانية والقطيعة الشاملة سياسيا واقتصاديا. ثالثاً: ليس من باب الصدفة تزامن الانتفاضة الشعبية ضد أردوغان وحكومته مع بشائر اندحار العدوان على سوريا باعتراف المؤسسات الأمنية في الولاياتالمتحدة وألمانيا ومع الإعلان عن تقرير الحلف الأطلسي الذي يقر بتأييد غالبية الشعب السوري للرئيس الأسد، وهو تقرير قيل إنه حصيلة استطلاعات يرجح أنها أجريت في مناطق سيطرة الجماعات المسلحة التي يدعمها الناتو ويحتضنها أردوغان ويقيم لها مكاتب التجنيد والإسناد على الأراضي التركية، حيث حاصرتها غير مرة تظاهرات احتجاج شعبية نظمها المعارضون الأتراك الذين سجلوا حقيقة أن أردوغان بخطابه المعادي لسورية والمحرض على الفتنة الطائفية والمذهبية في سوريا إنما عرض الوحدة الوطنية في تركيا للخطر بالنظر لتماثل التكوين الديني والطائفي والعرقي بين البلدين ولوجود الكثير من المظالم التي يدرها حكم الإخوان التركي ضد جماعات تركية متعددة. رابعاً: اللاعب الصامت على المسرح التركي هو الجيش الذي شكل سندا للعلمانية في تاريخ تركيا الحديث، وقد استهدفه أردوغان من خلال تلفيق تهمة الانقلاب للتخلص من قياداته التاريخية الوازنة ولمحاولة تعديل هيكليته عبر تصعيد العناصر الخاضعة لأردوغان، وثمة من بين الخبراء والمحللين من يعتقد ان النقمة داخل صفوف المؤسسة العسكرية التركية تصاعدت بقوة خصوصاً وأن بعض القيادات العسكرية العليا اتخذت موقفا مناهضا للتورط في الحرب على سوريا وحذرت من النتائج والانعكاسات الخطرة على الاستقرار التركي سياسيا وأمنياً، في الخلاصة أن ما يجري في تركيا هو مجرد بداية تؤسس لتطورات كبيرة ومهمة ومن المؤكد أن جولات من المواجهة بين القوى المتصارعة سوف تشق الطريق لمعادلات جديدة مع اشتداد وطأة مأزق أردوغان بفعل الهزيمة و الفشل التي يمنى بها العدوان على سوريا الذي شكل الهم الرئيس لأردوغان الذي قضى عبره على جميع عناصر القوة التركية وهو يطوح بما اعتبره إنجازا كبيرا في بداية حكمه من خلال العلاقات الاقتصادية والشراكات التجارية مع دول الجوار، وهو نسف الجسر الرئيسي الذي حقق التقدم في هذا المجال من خلال حربه العدوانية على سوريا.