أثار الإنجاز الميداني الذي حققه الجيش العربي السوري بتحرير القصير في ريف حمص كثيراً من ردود الفعل والتداعيات السياسية والإعلامية، وظهرت ملامح الهستيريا على عصابات الإرهاب التكفيري في سوريا ولبنان وتزلزلت الواجهات السورية للعدوان الغربي التركي الخليجي، بينما اجتاح الذعر من عمق التحولات القادمة مراكز القرار في عواصم الناتو دفعة واحدة . أولاً: يتبين لمن راقب مسار التحول الميداني ووقائع ما بعد سقوط مواقع العصابات في القصير أن حسم المعركة وانهيار الجماعات الإرهابية لم يكن ناتجا عن نقص في الذخائر والأسلحة النوعية المكدسة التي أظهرتها الكاميرات فكذبت ما حاول حلف العدوان أن يدعيه لتبرير هزيمته، فما كشف من مستودعات ضخمة ومن تحصينات وأنفاق مجهزة جرى العمل عليها ومن داخلها طيلة أكثر من سنة ونصف ليس قليلاً في حسابات القدرة على الثبات والقتال، وبدا واضحا أن عقدة القصير تحولت لحصن حقيقي وقع فيه انهيار كبير وشامل داخل صفوف العصابات الإرهابية التي فقدت حاضنها الشعبي وتضعضع حاضنها الخارجي مع اهتزاز حكم العدالة والتنمية في تركيا واضطرار الولاياتالمتحدة لقبول بيان موسكو والرضوخ لمبدأ الحوار بين الدولة السورية والمعارضة، والتخلي بالتالي عن شعارات التنحي التي داعبت خيالات المخططين والمرتزقة التابعين، وكان واضحاً أن كل الصراخ والعويل الذي صدر من القصير ومن خارجها لطلب تدخل الناتو وحكومات العدوان في المنطقة ولطلب نجدة الجماعات اللبنانية المتورطة في العدوان على سوريا لن يؤت شيئاً،خصوصا بعد تثبيت الرئيس بشار الأسد والسيد حسن نصرالله لمعادلات الردع الجديدة التي غلت يد إسرائيل وشلت قدرتها على التدخل، ولذلك صب قادة الجماعات التي صمدت في القصير غضبهم على تيار المستقبل والشيخين القرضاوي والأسير وحكام قطر والسعودية وتركيا ومصر وتونس الذين تخلوا عنهم كما جاء في الخطب الأخيرة لشيوخ وقادة ظلوا في القصير حتى اللحظة الأخيرة للانهيار وهي متداولة على اليوتيوب ومواقع التواصل. ثانياً: ركزت بعض التعليقات والمواقف على دور المقاومة اللبنانية في حسم معركة القصير وانطوى الخطاب السياسي للمعارضات المرتبطة بالأجنبي على محاولة يائسة لترميم المعنويات المنهارة بعد الهزيمة ولرفع منسوب التحريض الطائفي في التعامل مع مسار الأحداث، والحقيقة هي أن المقاومة تأخرت في الانخراط بمعركة الدفاع عن ظهرها وسندها وهي لمست حجم الانخراط الإسرائيلي المباشر وتعرف الكثير عن دور حلف الناتو وجميع الحكومات العميلة وتلك المعارضات السورية التي تغطي دور خليط عالمي إرهابي على الأرض بتسمية الثوار المزعومة والتي تجاهر بطلب غزو جيوش الناتو وأساطيله لبلادها هي المسئولة أولا وأخيراً عن تدخل شركاء محور المقاومة بعد تمادي التدخلات الأجنبية طيلة أكثر من عامين وإثر سد أبواب الحل السياسي والحوار ويعرف جماعة الائتلاف قبل سواهم ومعهم قادة تنظيم الإخوان المسلمين ما بذله حزب الله من الجهود والمساعي طيلة عامين لإقناعهم بالحوار الذي رفضوه تلبية لأوامر أميركية ولرهانهم على غزو الناتو لسوريا أو بناء على ترقبهم لمبادرة إسرائيل إلى اجتياح سوريا بفضل ما فعلوه، وهم يعرفون ما قدمه لهم حزب الله من الضمانات لكنهم كانوا مصممين على المزيد من التورط في السكة الأميركية الإسرائيلية بهدي من مرجعيهم العزيزين أردوغان وحمد وهم يعلمون أن حزب الله يتحرك بحافز وطني تحرري ويدركون أن كتلة رئيسية وحاسمة من السنة العرب في بلاد الشام تقف مع الدولة السورية وجيشها و تساند حزب الله كحركة مقاومة ضد إسرائيل، وهذا ما يمثل مع موقف المسيحية المشرقية عامودا فقريا لمنظومة المقاومة السورية اللبنانية. ثالثاً سأل كثيرون حول ما بعد القصير ومن الواضح أن ما بعدها انهيارات متجددة في صفوف العصابات وتقدم متواصل لقوات الجيش العربي السوري ومزيد من الشراكة والتلاحم بين سوريا العربية وحلفائها المقاومين واختلال متصاعد في المعادلات الدولية والإقليمية لصالح سوريا وشعبها وجيشها. لن تأتي التحولات على نسق أوتوماتيكي كما يرى البعض فلكل هدف وقته الضروري وبقدر ما هي الحرب عالمية الطابع وتترتب على نتائجها تحولات كونية وإقليمية نوعية فإن حسم الأمور بصورة شاملة يقتضي المزيد من الوقت والتضحيات والأكيد أن انتصارات الدولة السورية خلال الأسابيع والأشهر القادمة على العدوان الاستعماري وأداته عصابات التكفير الإرهابي ستعزز قدرة دول الشرق على محاصرة هذا الخطر والتخلص منه في السنوات المقبلة وسيكون للإنجاز السوري تأثيره العميق في فرض توازنات عالمية جديدة وإنهاض محور المقاومة الذي أرادت إسرائيل بكل قواها أن تسدد له ضربة قاتلة عبر خطة تدمير سوريا بالتحالف مع حكومات الخليج وتركيا والناتو.