استمر التخطيط لإنشاء محطة الضبعة النووية، بمحافظة مطروح، بمساحة إجمالية تبلغ 60 كيلوا على الساحل أكثر من 30 سنة، لجعل مصر من أكبر الدول المنتجة للطاقة بالمنطقة، وتعد المدينة من أفضل المواقع المصرية الصالحة لبناء تلك المحطات، وفقًا لدراسات الشركة الفرنسية التي شيدت 6 مفاعلات نووية في فرنسا،واختارت الموقع ضمن 23 موقع آخر. فشل تنفيذ المشروع لثلاث مرات خلال الأعوام الماضية، بداية بعهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بعد أن تم إعداد دراسة لمحطة نووية تمتد من سيدي كرير في مصر إلى زوارة في ليبيا، قدمتها لجنة مشكلة من 18 عالمًا من البلدين، لتكون أول محطة قوى نووية على ساحل البحر المتوسط مكونة من وحدتين، كل منهما بقدرة 400 ميجاوات، وكان من المقرر تشغيل الوحدة الأولى عام 1979، والثانية عام 1982، وكان من المقرر أن يتم إنشاء المحطة بتكلفة مصرية ليبية، إلا أن السادات تراجع عن قراره باللجوء لأمريكا لمساعدته في إنشاء المحطة، ولم يعرف سر توقفه حتى الآن. عادت الفكرة مرة أخرى مع بداية 1990، إلا أنها انتهت سريعًا، بسبب الإصراف المالي والإهمال من عمال هيئة المحطة النووية، وأكدت التقارير عن إنفاق العمال وخبراء لجان التقيم 21 ألف جنيه على السلع المعمرة، و34 ألف على إحياء المناسبات وشراء حلوى المولد النبوي وكعك عيد الفطر، و22 على حفل إفطار للحضور في يوم الوفاء والتفوق، و37 للمصايف السنوية و6 آلاف للرحلات الثقافية، بدون أدنى نتائج ملموسة عن فحصهم للموقع. وفى شهر أغسطس عن عام 2010، حسم الرئيس السابق حسني مبارك الجدل وتقرر أن تكون الضبعة موقعًا لأول محطة كهرباء تعمل بالطاقة النووية في مصر. وقال سليمان عواد، المتحدث باسم الرئاسة المصرية آنذاك أن مبارك حسم هذا الأمر خلال اجتماع عقده مع أعضاء المجلس الأعلى للاستخدامات السلمية، وأن هذا القرار يمثل نقلة في مسار تنفيذ البرنامج الاستراتيجي لتأمين إمدادات الطاقة والاستخدامات السلمية للطاقة النووية. وقال الدكتور حسن يونس، وزير الكهرباء الأسبق وقتها، إن تكلفة إنشاء هذه المحطة تقدر ب4 مليارات دولار، وأن مصر تأمل أن يبدأ تشغيل هذا المفاعل الذي تبلغ طاقته 1000 ميجاوات في العام 2019. وأضاف يونس أن الأسباب التي دفعت مصر إلى تبني برنامجها النووي لإنشاء عدد من المحطات النووية لإنتاج الكهرباء، أهمها الحاجة إلى توفير الاحتياجات المتزايدة من الطاقة الكهربائية، والتي تستلزم إضافة قدرات توليد تصل إلى حوالي 3000 ميجاوات سنويًا، في ظل قرب نضوب مصادر الطاقة التقليدية، وارتباط الجدوى الاقتصادية للطاقة المتجددة بالتقدم العلمي مستقبلًا، وكذلك الحاجة إلى حماية البيئة لأن المحطات النووية لا ينتج عن تشغيلها انبعاثات ملوثة للبيئة، فضلاً عن مساهمة البرنامج النووي في تطوير الصناعات المحلية، وما ينتج عنها من توفير المزيد من فرص العمل. وبدأت مصر في الخطوات الأولى لتنفيذ المشروع عام 2010، بقدرة توليدية 1000 ميجاوات، وظهرت بعض المباني والإنشاءات التأهلية بالمكان، إلا أن الحلم تبدد سريعًا للمرة الثالثة أثناء ثورة 25 يناير 2011، باقتحام الأهالي للموقع وتفجير منشأته بالديناميت، ليتحول المشروع بعدها إلى مزرعة للأغنام والدواجن، بعد الاعتداءات المتكررة على أرض المشروع من البلطجية والرافضين لإقامة مثل هذه المحطات في مدينتهم. بالإضافة إلى طمس معالم المشروع النووي، من خلال هدم السور المحيط بالمشروع وحرق جميع المباني وهدمها، وسرقة جميع محتوياتها بما فيها من برج الأرصاد الجوية ومحطة تحلية المياه ومحطة الكهرباء، بخلاف وحدة السيميليتور ووحدة رصد الزلازل، وأنكر الأهالي ذلك، مشيرين إلى مجموعة كبيرة من البلطجية هم من اعتدوا على المشروع من جميع محافظات مصر. احترقت جميع المستندات والخرائط الخاصة بالمشروع النووي، وباع البلطجية الأجهزة التي تم شراؤها بملايين الدولارات في صورة خردة، بدعم من رجال الأعمال ممن لديهم مصالح في عدم اكتمال المشروع، لامتلاكهم قرى سياحية على ساحل البحر المتوسط بجانب مشروع الضبعة. بعد زيارة الرئيس محمد مرسى الأخيرة لروسيا، تجددت الأمال مرة أخرى، بصدور قرارات لمحافظ مطروح ببحث الموقف لأرض الضبعة، وكيفية العمل على استعادة الأرض من جديد لهيئة المحطات النووية المالكة لها، وإزالة كافة التعديات التي عليها الآن بعد تدمير الموقع بكامل منشآته وهدم البنية التحتية. وقال مصدر مسئول بهيئة المحطات النووية: إن وزير الكهرباء طالب المحافظ بالتعاون في إخلاء أرض الضبعة بعد التفاوض مع المواطنين بمنحهم التعويضات لمن لم يحصل عليها، مشددًا على عدم حدوث أي صدام من شأنه إراقة الدماء أو ترويع المواطنين، وعقد لقاءات موسعة معهم؛ لتعريفهم بأهمية هذا البرنامج وحتميته لمصر وللأجيال القادمة. استطلعت "البديل" آراء بعض خبراء الطاقة النووية حول مدى رؤيتهم للمشروع، وكيفية التعامل مع مشاكله، مؤكدين أن ملف إنشاء محطة الضبعة النووية، يحمل عدة سيناريوهات من بينها الموافقة على إقامة المشروع النووي، أو نقل المشروع إلى مكان آخر غير الضبعة، أو إلغاء المشروع نهائيًا مما يؤدي إلى نتانج كارثية لأنه كلف الوزارة نحو 800 مليون دولار تكلفة استيراد الوقود، بواقع 10 مليارات دولار سنويًا، وخلال العجز الراهن بالشبكة القومية لكهرباء مصر، واحتياجها لأكثر من 8 مفاعلات نووية بقدرة 1600 ميجاوات للمفاعل الواحد. وقال الدكتور محمد حسن، أستاذ الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية، والخبير النووي "إن الطاقة النووية أصبحت واقعًا عالميًا وليست نوعًا من الرفاهية، والبرنامج النووي في مصر يعد برنامج مصر القومي، وليس مجرد مشروع لإنتاج الطاقة؛ لما له من أهمية في سد العجز المتزايد في مصادر الطاقة واكتساب الخبرة والتقنية النووية ومتطلبات البرامج النووية الحديثة. وأضاف حسن ل"البديل" أن الخلافات على تعويضات الأهالي بالمناطق الواقعة داخل حزام الأمان حول محطة الضبعة، هي السبب الرئيسي حاليًا في إيقاف استكمال بناء وتشغيل المحطة، بالإضافة إلى المخاوف السائدة من حدوث تسرب إشعاعي من محطة الضبعة النووية، تسببت في تأخر تشغيل المحطة؛ لنقص الوعي الشعبي في التعامل مع تلك النوعية من محطات توليد الكهرباء". كما لفت إلى متطلبات الأمان التي تحددها وكالة الطاقة الذرية وأنها البعد 8 كيلو بين المحطة المركزية والتجمعات السكنية، وهي معايير دولية يجب تطبيقها في تلك الحالات في مصر. وأوضح حسن أن موقع الضبعة هو أفضل الأماكن في مصر حاليًا لإنشاء وتشغيل محطة طاقة نووية، مشيرًا إلى اختياره بعد المفاضلة بين نحو 20 موقعًا في جميع أنحاء مصر، وخرج باختيار أفضل خمس مواقع في مصر لإنشاء محطة نووية، وفقًا لمعايير عديدة، أهمها المعايير الجيولوجية والبيئة والأمان، مؤكدًا أن موقع الضبعة حصل على أعلى تقييم؛ وبالتالي فإن نقله لمكان آخر يجعلنا نتنازل عن أفضل موقع يناسب المشروع، يليه موقع النجيلة غرب الضبعة، وحمام فرعون بسيناء، وجنوب سفاجا بالبحر الأحمر، وموقع آخر بمرسى علم. وقال الدكتور خليل ياسو، رئيس هيئة المحطات النووية لإنتاج الكهرباء، إنه يوجد ترحيب عالمي بدعم البرنامج النووي المصري، والمساعدة في تقديم الدعم المالي والفني لأول مشروع بالضبعة، وهناك ترقب عالمي لطرح المناقصة مع الإشارات الإيجابية من القاهرة للعالم، بقرب اتخاذ خطوات جدية في هذا المجال. وطالب يسو بالإسراع باتخاذ قرار البدء في تنفيذ المشروع، وخاصة أن المواصفات جاهزة للطرح فورًا بعد الانتهاء من تحديثها على ضوء الدروس المستفادة من زلزال تسونامي، ومراجعتها بواسطة المكتب الاستشاري، وورلي بارسونز، وخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واللجنة التي تم تشكيلها من الخبراء المصريين في جميع فروع الجيولوجيا والمياه الجوفية والتيارات البحرية والزلازل والأرصاد الجوية، وغيرها من مجالات دراسات المواقع.