بعد أن كانت أقصى أمانيهم أن يصبح لهم حزباً أو أن يعقد النظام معهم صفقة أكثر ربحاً من سابقتها، وجد الإخوان المسلمون أنفسهم أمام ساحة سياسية فارغة إلا من شباب ثائر لا يملك قيادة أو رؤية موحدة وبقايا تيارات سياسية بعضها أنهكته الضربات الأمنية وبعضها استساغ دور الديكور الديمقراطي . وتسارعت الأحداث ليقرر الإخوان تحمل المسئولية، فآلت اليهم بعدما فضلت الغالبية العددية الطفيفة من كان في الميدان على من كان فى الديوان، أملا منهم فى تغيير الأوضاع إلى مختلف مشرق .. فكان الترقب سيدا للموقف لدى البعض ممن كانوا يأملون فى الإخوان خيرا، والتربص كان سيدا لدى آخرين ممن رجحوا ميزان مرسى على غريمه الانتخابي شفيق مكرهين ممن اشتهروا بعاصري الليمون. تبرير الفشل مرت المائة يوم الأولى دون أن يفي مرسى بأي من وعوده الانتخابية التى قطعها على نفسه خلال حملته للإعادة، وكان يوم الحساب فى جمعة كشف الحساب، ليكشف الإخوان عن وجه عنيف نعلمه عنهم وخبرناه سابقا، ولكن لم نتوقعه بهذه السرعة، فأتى عدوانا همجيا على منصة التيار الشعبى شاهده الجميع متلفزا على الشاشات، وسرعان ما أعلنت الجماعة أسفها وإنكارها للفاعلين.. كشفت الواقعة عن منهج الجماعة فى التعامل مع المعارضين فى أول مظاهرة ضد رئيسهم استمر فشل مرسى وحكومته فى جميع الملفات الداخلية مع زيادة الأخطار الأمنية فى سيناء ولا جديد يذكر فى الملفات الخارجية مما زاد من سخط الشارع السياسى وبداية تحلل الكتلة الانتخابية التى ساندت مرسى والتى صوت أغلبهم له على مضض. قدم مرسى وجماعته مبررات متتالية للفشل المستمر على صعيد كل ملفات التورة بدأ من محاكمات النظام السابق وعودة المنهوبات المصرية مرورا بملف القصاص ومصابى الثورة وصولا الى كل الملفات الاقتصادية والاجتماعية العاجلة ، وتلخصت مبررات القيادة الجديدة فى تحميل النظام السابق بفلوله وإعلامه مسئولية عجزها وفشلها. سيناريو العنف مبررا للفشل لم يكن من الممكن استمرار تقديم نفس المبررات لفترات طويلة ، وفى نفس الوقت هناك معارضة تحقق مكاسب شعبية كل يوم على أكتاف الفشل الإخوانى .. فكان لابد من سيناريو مبتكر يوفر شماعة جديدة تحمل أوزار الفشل المريع لجماعة تحملت وحدها عبئا لا يستطيعه أحد منفردا. استدعى مرسى كبار منافسيه فى الساحة السياسية ليجلسوا معه جماعة وفرادى فى مشهد أسعد كثيرا من المصريين ليخرج علينا بعدها بإعلان دستورى استبدادي مستفز ليدشن به مرحلة جديدة فى تاريخ الثورة المصرية . فخرجت جموع المصريين بين ساخط ومؤيد لينقسم الشارع السياسى بشكل حاد ويزداد الاستقطاب السياسى بين جموع المصريين مفرقا بينهم ليطال حتى بيوتهم التى انقسمت بين هذا وذاك، وأكتسب المشهد ألوانا دموية فى أغلب لقطاته فكان سيناريو العنف المتبادل بين المعارضين والمؤيدين الذى كان يتم صناعته فى أغلب أوقاته بعناصر مجهولة الاتجاه لدفع المشهد السياسى الى مرحلة المواجهة ثم تختفى تلك العناصر تاركة الساحة لشباب متحمس لا يدرك المغزى من صناعة هذا المشهد. نجح الإخوان فى شهور الصراع الماضية فى إقناع الدوائر الأقرب للإخوان بمسئولية المعارضة عن العنف السياسى وبالتالى مسئوليتها عن الفشل الحكومى المستمر كما نجحت عند بعض القطاعات فى شيطنة معارضيها وتحديدا كبار الرموز المنافسة، لكنهم خسروا قطاعات كبيرة من ذوى الحناجر الصامتة وأصحاب المصلحة المباشرة فى التغيير الذين لم يشعروا بأى تغيير عن مرحلة ما قبل الثورة إلا غلاء فى الأسعار وتدنى فى الخدمات وضياع للأمن. وكانت مشاهد محاصرة المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج صادمة لتلك القطاعات كما نجح الإخوان فى تمرير دستور غير توافقى والسيطرة على كثير من مواقع القيادة فى الجهاز البيروقراطى للدولة الى جانب السيطرة على المجلس التشريعى المؤقت ومحاولات السيطرة على القضاء والجيش الى جانب الشرطة الموالية حاليا. كان سيناريو العنف سلاحا ذو حدين فكما وفر للإخوان غطاء للفشل عند البعض كان سببا فى قناعة الكثير من المصريين بعجز الإخوان وعدم امتلاكهم لأى رؤية للخروج من المأزق، بل ازدادت الأمور سوءا وازداد المواطن معاناة، وأصبحت الدولة المصرية مهددة بالانهيار والتفكك بعد سيطرة جماعات ارهابية على سيناء، ودأب إخواني فى تنفيذ مخططات مريبة فى منطقة القناة ووعود رئاسية تخص حلايب و شلاتين. التمرد على سيناريو العنف شهدت الرئاسة اضطرابا شديدا فى القرارات وتضاربا فى التصريحات واستقالات عديدة لمساعدى الرئيس مسببة بما يدعم مخاوف المعارضة ويثير دهشة المواطنين ويؤكد على تبعية الرئاسة الى مكتب ارشاد الجماعة، وتعالت أصوات المصريين بالهتاف ضد المرشد ومكتب الإرشاد عساها تجد آذانا مصغية ومدركة لخطورة الوضع لكنها وجدت آذانا لا تسمع وقلوبا لا تفقه أمام العمى والصمم الإخوانى أيقن المصريون أنه لا مجال لتقويمهم، ولم يصبح أمام المصريون سوى المطالبة برحيل مرسى إما عبر صندوق الانتخابات أو عبر ثورة ثانية .. فأتت حركة تمرد بتوقيعاتها الداعية الى انتخابات رئاسية مبكرة فجن لها جنون الإخوان لأنها نجحت فى تحويل الفعل المعارض الى فعل سلمى متواصلا مع الجماهير ومحفزا لهمتها ومواكبا للدعوة الى تظاهرة شعبية حاشدة فى الذكرى الأولى لتولى مرسى رئاسة الجمهورية فى 30 يونية صاح الإخوان كثيرا مطالبين المعارضة وجبهة الإنقاذ بإدانة العنف واستخدام أساليب المعارضة السلمية، ولكنهم أمام النتائج المبهرة لحركة تمرد بدأوا فى كيل الاتهامات لهذه الحركة السلمية، وبدأ أنصارهم وعناصرهم بالتحرش بشباب حركة تمرد فى أكثر من موقع، مستخدمين العنف بهدف تحويل المشهد الى معارك دموية كما فعلوا فى الشهور الماضية، ليحولوا كل فعل معارض لهم الى معركة ينفر منها الشعب وينفض عنها المجتمعون ، ولكن كان نجاح الحركة فى الشارع ملهما لشبابها، ومعينا لهم على احتمال سخافات عناصر الإخوان ومؤيديهم، فلم ينزلقوا لما أراده الإخوان من معارك تحقق مصالح الإخوان وتشوه المعارضة خيارات البقاء أو الفناء انشغل الشارع السياسى خلال الأيام الماضية بجدوى جمع التوقيعات وهل هى ذات قيمة سياسية أم قانونية أم أخلاقية، وتباينت الآراء بين من يراها فعلا رمزيا وبين من رآها سندا قانونيا معبرا عن إرادة الشعب ..وأيا ما كانت حجية التوقيعات على المستوى القانونى إلا أنها على المستوى السياسى كانت فعلا عبقريا لتحويل المسار الثورى من الفعل العنيف الذى خطط له الإخوان ليعلقوا عليه فشلهم الى الفعل السلمى الذى يعرى ضعفهم برغم كل ما سبق فما زالت الفرصة قائمة أمام الإخوان لتجنيب البلاد الدخول فى مرحلة خطيرة غير معلومة المدى والعواقب، وتجنيب أنفسهم وجماعتهم مصير مبارك وحزبه ، فقرار الانتخابات الرئاسية المبكرة ربما يخسر فيه الإخوان الرئاسة ولكنهم سيربحون بقاءهم فى الملعب السياسى كقوة رئيسية ، أو ربما يربحون الرئاسة ويربحون معها انكسار المعارضة لمدة طويلة واستقرار الأوضاع لهم لقترة رئاسية كاملة . أما إذا أصر الإخوان على كبرهم وعنادهم فالخيارات جد صعبة والنتائج وخيمة على الجماعة وأعضائها فربما تصل الأمور الى ثورة تنتهى بهروب قادة الجماعة ومعاقبة أفرادها وتؤول الجماعة الى زوال.