أصدرت هيئة الكتاب "فلاسفة الحكم والإدارة فى العصر الإسلامى الوسيط" للدكتور نجاح محسن، وفيه نجد أن هؤلاء المفكرين السياسين لم يتركوا شيئًا من شئون الإدارة والحكم فى عصورهم وغيرها إلا وتناولوه بالبحث والدراسة والتقييم، فتعرضوا لقضية الإمامة، وحددوا أهميتها بالنسبة للمحكومين وشروطها وواجباتها وحقوقها. كما تناولوا بالمناقشة الجهاز التنفيذى فى الدولة، وحددوا أدواره وكيفية ضبط الأداء ومتابعة أعمالهم، وتعرضوا لإشكالية معاملة الخارجين على سياسية الدولة والنظام العام، مع دراسة كيفية إدارة شئون غير المسلمين فى المجتمع الإسلامى. ففى الفصل الأول درس الجاحظ مشكلة الإمامة بطريقته الأدبية وأسلوبه العلمى وآرائه الدينية ونهجه الساخر والتوجيه الفلسفى؛ فهى أول مشكلة اختلف المسلمون فى شأنها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة، كما أدى الخلاف حولها فيما بعد إلى نشوء الفرق الإسلامية الأولى كالشيعة والخوارج والمرجئة، فهى من الناحية التاريخية أول مشكلة ترتب عليها انقسام المسلمين إلى فرق تتصارع فيما بينها صراعًا سياسيًّا سرعان ما تطور وأصبح صراعًا عقائديًّا. وطرح الجاحظ نظرية الإمامة التى تقوم على الشورى والاختيار بدلاً من النظام الملكى، فطالب الجاحظ بالوحدة القومية لأجناس الدولة الإسلامية الواحدة. أما الفصل الثانى فتعرض للفكر السياسى عند "الثعالبى"، حيث ركز على الناحية العملية من السياسة، فعمل على صياغة الخطوات لانتظام عملية الحكم واستقرارها، وربط بين السياسة والأخلاق، فأرسى فكره على أسس أخلاقية استقاها من المصادر الدينية وتجارب الأمم السابقة والمعاصرين ومن الواقع السياسى الذى عاش فى ظله، حيث أظهر أثر أقلام الكتاب والمفكرين فى تسيير أمور الدولة وأهمية الفن فى حياة الشعوب. وفى الفصل الثالث تعرض للنظام الملكى فى الحكم "سياسة نامة"، حيث يركز الطوسى فى فكره السياسى على الجانب العملى البحت من السياسة والإدارة، فربطه بالواقع ارتباط من يحاول أن يصلحه ويقوِّم اعوجاجه؛ لما ضمه القرن الخامس الهجرى من ثقافات ومشكلات سياسية واجتماعية ودينية واقتصادية، فالنظام الملكى الذى قدمه الملك فى سياسية الممالك الإسلامية كان يقوم على العدل والشورى والمساواة. أما عن نظم الحكم والإدارة عند بدر الدين بن جماعة الذي أقام أفكاره السياسية على أسس دينية، فبعد عن التجربة الفارسية والسياسية اليونانية، ومن هنا يمكن التساؤل: هل يوجد ما يسمى ب "علم الإدارة" عند مفكرى الإسلام القدامى؟ فمصطلح "الإدارة" هو نفسه المضمون الحقيقى لمصطلح مثل "تدبير الممالك" وهو نفسه المضمون الحقيقى لمصطلح "سياسة المُلك"، ففى حياة بناة كل الدول وصانعى الحضارات توجد المضامين الإدارية بصورهها المختلفة، فلا دولة ولا حضارة بدون إدارة، ومن خلال الدراسة للمفاهيم السياسية عند ابن جماعة نجد أن المصطلحات المستخدمة فى علم السياسية اليوم مثل الدستور والسيادة والفصل بين السلطات هناك الإمامة والخلافة والولاية وزارة التفويض والبيعة والخراج والفيء والحسبة وغيرها من المصطلحات التى أصبحت غير متداولة فى لغة العصر. أما الفصل الخامس فتناول علاقة الحاكم بالرعية عند ابن الأزرق وأن مفهوم "الرعية "يعتبر من المفاهيم المحورية التى تحدد المجال السياسى العربى الإسلامي، حيث أظهر ابن الأزرق علاقة الحاكم بالرعية من خلال خطابه إلى الحاكم الذى يتضح منه علاقة الحاكم بالمحكوم، يعنى خضوع الثانى للأول، وهذه العلاقة هى مجموعة من الأساليب المفروض أن يستعين بها السلطان فى سلوكه مع الرعية فى كيفية ضبط رعيته وأشكال سلوكه مع الرعية، كما يقوم الأدب السياسى السلطانى عند ابن الأزرق على مفهوم النصيحة، وهى نصائح موجهة إلى أولى الأمر فى كيفية تدبير شئون ممالكهم، ومن هذا التصفح لفصول الكتاب نجد أن المؤلف آثر التعامل مع هذا التراث بمنهج انتقائي بطرح الأفكار والآراء التى تصلح للطرح والمناقشة فى حياتنا المعاصرة مع استبعاد كل ما يتعلق بعصور هؤلاء الفلاسفة التى عاشوا فيها.