حين تبدأ مشاهد أحد الأفلام السينمائية بلقطة لضابط يقوم بتفتيش أحد المواطنين، فاللقطة تبدو باردة خرساء لم تنبئ بعد عن أي عنصر جذب، ولم تضف خصوصية لهذا الكادر يشد المشاهد إلى مقعده كي يبقى متابعًا للصورة. وعندما يتقدم بعض الضباط إلى داخل الكادر، فقد يتوقع المشاهد أن المواطن الموجود باللقطة قد تطاول على الضابط، أو أنه مجرم يصعب السيطرة عليه بواسطة ضابط واحد، ومن ثم يصير من المنطق أن يدخل هؤلاء الضباط الجدد إلى الكادر.. لكن عندما ينقلب اتجاه الحدث فجأة.. ويترك الضباط المواطن ويلقون القبض على الضابط.. فقد وصل الحدث لذروة التعقيد اللحظي، ويبقى المشاهد مشدوها بانتظار التفسير لما رأى.. !! هذا المشهد لم يكن ضمن سياق أي فيلم جديد، وإنما كان مشهدًا واقعيًا حدث بمنطقة السلام، حيث اعتاد الضابط الوسيم أن يمارس عمله في توقيف المواطنين وتفتيشهم بدواع مختلفة، لكنه في هذه المرة كان قد أهمل أهم أدواته على الإطلاق، وهو عنصر الوسامة التي يمتاز بها، حيث بدا بعض الإهمال على هندامه، وهو ما دفع المواطن إلى الشك في أمره وطلب تحقيق شخصيته.. هنا ارتبك الضابط المزعوم، وتجمع الأهالي حوله ونال "علقة ساخنة"، ولم يتركه الأهالي إلا بعد استعطاف صديقه لهم! اسمه إبراهيم - 42 سنة، يمتاز بمظهره الوسيم، يمتلأ ثقة بالنفس، ويبدو ثابتا هادئا رابط الجأش، يتحدث عن جرائمه بكثير من الزهو، لاسيما وأنه ظل "ضابطًا" لما يقرب من عام ونصف العام دون أن يكشف حقيقته أحد، ولم يقع إلا بالمصادفة! قال إبراهيم: لم أكن أتوقع القبض علي بهذه السهولة بعدما تمكنت من الإفلات من قبضة الأهالي بمنطقة السلام، الذين حاولوا الإمساك بي في إحدى المرات أثناء عملي علي "عربية كارو" وممارستي لنشاط السرقة. ربما يكون دافعي الأول هو صعوبة الحياة واحتياجي الطبيعي كأي إنسان إلى مال وطعام وملبس ومصروفات لكل مظاهر الحياة، ولا شك أننا جميعا أمام هذه الاحتياجات نعمل لكي نحصل على المال، وحتى هذه الدرجات المنطقية للحياة وقوانينها لم أكن مخالفًا لغيري من البشر، فعلت مثل الجميع وبحثت عن عمل، وكلما ذهبت إلى أي صاحب عمل يطلب مني صحيفة سوابقي الجنائية، وبالتالي يتم رفضي لأنني مسجل، قررت وقتها أن أنتقل من محافظتي "الشرقية" إلى القاهرة. ذهبت إلى صديق لي بمنطقة الشرابية يدعى محمد، وأقمت لديه، وذات مرة ونحن على وشلك الإفلاس اقترح صديقي أن امتهن صفة ضابط شرطة لما أتمتع به من وسامة. نجاح بدأنا العمل بعدما تحصلت على جهاز راديو يشبه اللاسلكي الشرطي، ونجحت أول عملية بعدما أوهمت أحد المواطنين بأنني مقدم شرطة وأريد تفتيشه، وكان أسلوبي معه مهذبًا، وهو ما منحه الثقة في على الفور، وعندما قمت بتفتيشه وجدت معه "سلاح أبيض"، طلب مني عدم اصطحابه إلى القسم، وأخذت منه مبلغ 500 جنيه نظير ذلك. نقلت نشاطي بعد ذلك إلى دائرة مصر الجديدة، حيث جمعت مبالغ كبيرة، وفتحت حسابا بأحد البنوك، وفكرت جديًا في الاكتفاء بما جمعت، لكن الشيطان لم يتركني، وظل يزين لي دائما الاستزادة، حتى سقطت أخيرًا. أوراق ملف السقوط وردت معلومات للعميد محمد توفيق - رئيس مباحث قطاع الشرق، وعبدالعزيز خضر - مفتش المباحث، بقيام شخصين بانتحال صفة ضباط شرطة والنصب على المواطنين. باجراء التحريات وجمع المعلومات تبين أن وراء الواقعة إبراهيم سعيد إبراهيم حسن - 42 سنة - عاطل، ومقيم بمحافظة الشرقية "مسجل خطر - نصب" تحت رقم 1801 فئة "ب"، ومحمد عبد الجواد السيد حسن - 48 سنة - عاطل، ومقيم بدائرة قسم شرطة الشرابية "مسجل خطر - نصب" تحت رقم 1228 فئة "ب" السلام. عقب تقنين الإجراءت، تمكن الرائد شادي وسام - رئيس مباحث مصر الجديدة ومعاونوه من ضبط المتهم الأول حال استقلاله السيارة "س ف ج 6982" ماركة تويوتا كرولا سوداء اللون "ملك المتهم الثاني"، عثر بداخلها علي جهاز راديو علي هيئة لاسلكي، وكمية من المظاريف بداخلها أوراق جرائد مقطعة علي هيئة عملات ورقية، في حين فر المتهم الثاني هاربا. بمواجهة المتهم أقر بحيازته للمضبوطات بقصد استخدامها في انتحال صفة رجل شرطة والاستيلاء من المواطنين علي متعلقاتهم الشخصية بالاشتراك مع المتهم الهارب، وبتطوير مناقشته، اعترف بعدة عمليات سرقة، آخرها الاستيلاء على مبلغ مالي 600 دولار، من المواطن عمر فاروق غلاديم - 63 سنة، عامل. تم اتخاذ الإجراءات القانونية وأخطرت النيابة للتحقيق.