"دانا وزانا" هما نموذجان مصغران للمجتمع الكردي في كردستان العراق، وهما يتيمان فقدا والديهما أي فقدا أي إحساس بالأمان والرعاية، كما يشعر المجتمع الكردي باليتم والانفصال المعنوي عن باقي العراق، ولم يتسنَّ لهما الانخراط في هذا المجتمع الذي هاجرا إليه وهما في طريقهما إلى الهجرة الكبري إلى بلد الحلم "اأمريكا"، حيث اختتم المخرج الكردي كرزان قادر أحداث فيلمه "بيكاس" بالتأكيد على أن الخلاص من شعور الضعف والعزلة الذي يشعر به الأخوان "دانا وزانا" يكمن في ترابطهما وتمسك كل منهما بالآخر، مؤكدًا أن الوحدة وترابط شعب كردستان هو الحل الوحيد لمواجهة النبذ الطائفي الذي تواجهه تلك المنطقة المقتطعة من العراق. بيكاس تعني باللغة الكردية اليتيم أو الشخص الذي فقد أهله، ويعود مخرج الفيلم الذي عرض ضمن مسابقة الأفلام الطويلة في مهرجان الخليج السينمائي في دورته السادسة إلى عام 1990 أي إبان فترة حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، من خلال قصة الطفلين "دانا وزانا" وهما أخوان فقدا والدهما أثناء الحرب، ثم فقدا والدتهما؛ ليعيشا بمفردهما وسط المجتمع الذي يسحق طفولتهما ويتلاعب بضعفهما وصغر عمريهما. يمر الأخوان بمواقف كثيرة قاسية، حيث العنف الذي يمارسه بعض سكان الحي عليهما وحالة الفقر والجهل التي تحيط بهما، ويبحثان عن الخلاص في شخصية سوبرمان المخلص والمنقذ الذي يستلهم مخرج الفيلم بعض ملامحه من حكاية حقيقية حدثت له أثناء وجوده في كردستان عندما كان طفل يحلم بزيارة أمريكا ومقابلة الشخصيات الخيالية التي تصدرت الأفلام الأمريكية في تلك الفترة، بينما يختزل الصغار أحلامهم في البحث عن نموذج بطولي يحتمون به يمارس أهل المدينة العنف ضد الأخوين، فيحاول "دانا وزانا" الفرار إلى أمريكا؛ لاستحضار سوبرمان الخارق؛ ليعيد والديهما إلى الحياة، وينتقم من الأشخاص الذين أساءوا معاملتهما. يحمل الفيلم جانبًا فانتازيًّا كوميديًّا يصوغ أجواءه الطفلان الصغيران بعفوية أفكارهما وحماس طفولتهما في الإصرار علي الهجرة إلى بلد لا يعرفان حتى أين يقع، ويدفعهما هذا الحماس إلى شراء حمار؛ ليوصلهما إلى أمريكا، ويقوم الأخ الأصغر بعمل جواز سفر له ولأخيه برسم صورتيهما داخل دفتر، إنها الحياة في صورتها البدائية بكل ما تحمله من عفوية وبراءة مختزلة في أحلام طفلين مشردين في وطنهما الصغير ويتيمين في وطنهما الكبير، المجتمع الكردي في الداخل يعنفهما، والمجتمع العراقي في الخارج يتجاهلهما؛ ليؤكدا في كل موقف يقعان فيه أنهما يعيشان على هذه الأرض ولكن خارج هذا العالم الذي لا يشعر بوجودهما. استخدم المخرج الأسلوب الخطابي والمباشرة في النصح والتأكيد أن وحدة الأكراد وقوتهم تكمن في ترابطهم لا في تفرقهم، ولم يحمل الفيلم النظام العراقي ولا صدام حسين مسئولية اضطهاد شعب كردستان ونبذهم عن المجتمع العراقي فحسب، بل حاول المخرج وضع المجتمع العراقي قيد المسئولية إلى جانب النظام، وذلك في آخر مشاهد الفيلم، حيث وصل الأخوان بعد رحلة قاسية ومحفوفة بالمخاطر من كردستان إلى داخل العراق؛ ليعبرا إلى الحلم الأكبر، لكن الأخ الأكبر يقع في منطقة مليئة بالألغام، وكاد أن يفقد حياته، بينما يهرع الأخ الأصغر لاستحضار المساعدة من سكان إحدى المدن المجاورة لمكان المنطقة الملغومة، لكن لا أحد يراه أو يسمعه، وينتهي به الأمر تحت أقدامهم، في الوقت الذي يحاول الأخ الأكبر الخلاص من هذا الموقف، يحاول الابتعاد عن مكان اللغم، بعد أن أدرك أنه سيموت تقع المفارقة، حيث ينجو من الموت، ويلحق بأخيه إلى القرية التي يشعران فيها بالغربة ولم يجدا سبيلاً إلا التمسك كل منهما بالآخر، في رسالة مباشرة وجهها مخرج الفيلم من خلال لغة السرد إلى شعب كردستان العراق، يدعوهم إلى الالتفاف حول أنفسهم والاستقواء ببعضهم بعضًا ضد النظام الذي يضهدهم. شهد الفيلم أمس حضورًا جماهيريًّا كبيرًا، وقد عرض الفيلم من قبل ضمن فاعليات مهرجان دبي السينمائي العام الماضي، وهو الفيلم الروائي الأول لمخرجه كرزان قادر الذي ولد في مدينة السليمانية في كردستان العراق عام 1982، ثم غادر إلى السويد بعد الحرب على العراق، وقد صرح المخرج أن بعض أحداث الفيلم الذي كتب له أيضًا السيناريو مستوحاة من أحداث حقيقية حدثت له قبل مغادرته كردستان.