لا أحد يستطيع أن ينكر دور عمال وشعب مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية فى إشعال فتيل أول ثورة بمصر الجميع يتذكرها بالقطع. ومن الممكن أن يتم وصف ما فعله أهالي المحلة الكبرى يوم 6 أبريل 2008 بالثورة الصغيرة حينما أسقط أهلها لافتة عريضة تحمل صورة الرئيس السابق "مبارك" وداسوها بالأقدام اعتراضا عليه وعلى نظامه ، فما كان من السلطة إلا أن تعقبتهم ونكلت بهم وعذبتهم وحاصرتهم وتنكرت لشهدائهم. وكان لعمال المحلة الكبرى نصيب الأسد من إشعال فتيل ثورة 25 يناير حيث كانت لإضراباتهم ووقفاتهم الاحتجاجية ومطالباتهم بحقوقهم أكبر الأثر فى زحزحة الحجر الصوان الذى كان يمكث على صدور المصريين منذ عشرات السنين. كان إضراب 6 أبريل عام 2008 ضد الغلاء والفساد والذي جاء تضامنا مع إضراب عمال شركة المحلة في ذلك اليوم هو القشة التي قصمت ظهر البعير حيث تحول الإضراب من دعوة إضراب عمالى لعمال شركة المحلة إلى إضراب عام في مصر بعد تبني بعض المدونين وبعض النشطاء آنذاك الفكرة عرفوا فيما بعد بحركة شباب 6 أبريل وحركة كفاية وبعض الأحزاب المعارضة في مصر. وتحول الإضراب في مدينة المحلة الكبرى إلى أحداث شغب كبيرة عرفت إعلاميا بأحداث 6 أبريل ، أو أحداث المحلة ، شملت هجوم على أقسام ومراكز الشرطة وتدمير جزء من المدينة وإحراق مبانى وعمليات سلب ونهب بشكل عشوائى. وكانت مطالب الإضراب الذى كان له الفضل بعد الله سبحانه وتعالى وعزيمة الشعب المصري تتضمن زيادة المرتبات وتحسين خدمات المواصلات العامة والمستشفيات وتوفير الدواء ومحاربة رفع الأسعار والمحسوبية ومحاربة الفساد والرشاوي. وجاء في الدعوة التي كتبت باللهجة المصرية العامية ومن بينها بعض العبارات البسيطة لسهولة فهمها من قبل غالبية الشعب المصري التي تمثل نسبة الأمية بين أبنائه ما يقرب من 40% (خليك قاعد في البيت) أو( شاركنا في الميادين العامة ) و (أوعى تنزل لكن شاركنا ) و( ماتروحشي الشغل) و (ماتروحشي الجامعة ) و (ماتروحشي المدرسة) و(ما تفتحشي المحل). كما جاءت المطالب معبرة عن قضايا المجتمع كله وليست متمثلة فى قضايا العمال فقط ، رافعين لافتات وشعارات مناوئة للأوضاع المصرية على جميع المستويات ومن بينها (عايزين مرتبات تعيشنا ) و (عايزين نشتغل ) و (عايزين حرية وكرامة ) ، وحذرت الحكومة من التجمهر والتظاهر في ذلك اليوم ومن غياب الموظفين الحكوميين والعاملين بالدولة من الغياب في هذا اليوم ، مع قرارات بالعقاب مع كل من يغيب بدون عذر مسبق مقبول ، كما نشرت وزارة الداخلية المصرية عدة بيانات تحذر من المشاركة في الإضراب والإعتصام وعدم الذهاب إلى العمل ، وقالت أنها لن تتهاون مع مثيرى الشغب ، وتم نزول عربات الأمن المركزى بشكل مكثف في كل المحافظات والمدن ، بالأخص مدينة المحلة ،وربما فى تلك الآونة قد نجحت الشرطة المصرية فى إخماد مؤقت لنيران الثورة التي اشتعلت فى قلوب قبل عقول المصريين ، وكان لعمال المحلة الشرفاء الفضل الأكبر فى هذا الأمر ، إلا أن نيران الثورة استمرت فى الاشتعال وتصاعدت أدخنتها هنا وهناك.. إلى أن جاءت لحظة "الفوران" يوم 25 يناير 2011 الذى شهد أكبر صحوة فى تاريخ مصر الحديث عندما وقف جموع المصريين وقفة رجل واحد رافعين شعار واحد فقط وهو (عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية) أول شهيد تعرفه مصر 5 سنوات قادت خلالها المحلة العصيان علي النظام السابق، قدمت شهداء ومصابين لم يلقون في السابق (أحداث 6 أبريل 2008) ولا اللاحق (ثورة 25 يناير) حقهم المادي أو المعنوي، فكيف يري الأهالي حجم إسهامهم الآن رغم الجرح الذي لم يندمل؟ في إحدى شرفات منزل بمنطقة شارع الجمهورية وقف علي مبروك والد الشهيد أحمد علي مبروك (15 عاما) يشرح لنا كيف قتل ابنه يوم 7 أبريل عام 2008، قال كانت قوات الأمن قد توغلت في شوارع المدينة لفض حركة الإعتصام التي دعا إليها عمال شركة الغزل كان ابني يقف إلي جواري عندما أصابته رصاصة الأمن وهو يشاهد الأحداث من الشرفة. وقال علي مبروك والد الشهيد أنه برغم أن دمه هو ما مهد إلي ثورة 25 يناير لكنهم لم يعترفوا به شهيدا ولقد ذهبت أكثر من مرة إلي مكتب د. عصام شرف رئيس الوزراء سابقا مطالبا بضم ملف ابني إلي شهداء الثورة ، وحتي الآن لم أتلق أى رد. قام الأب أيضا بالسفر إلي مدينة المنصورة بعد الثورة وسلم ملف نجله الشهيد إلي القيادي في حركة كفاية "جورج إسحاق" والطبيب العالمي "محمد غنيم" ثم فوجئ لاحقا بدعوة للقاء المهندس "ممدوح حمزة" جمع فيه أهالي الشهداء وتلقي وعدا بضم ملف ابنه إلي ملفات الشهداء ، ولكن الأب حتي الآن يجري علي أبواب المسئولين للاعتراف بابنه شهيدا ، وهو ما لم يحدث. فالنظام الحالي يسير على درب سلفه ويرفضون اعتماد "أحمد" شهيدا من شهداء الثورة وبالتالى يستحق أن يصرف والده معاشا ،رغم موافقة محافظ الغربية ووزير التضامن الإجتماعى على ذلك ، كما أن مجلس مدينة المحلة يتلكأ فى تنفيذ أمر المحافظ بتخصيص شقة له من شقق المحافظة بدلا من الشقة التى قتل فيها ابنه بلا ذنب.