منذ كشفت جماعة الإخوان عن وجهها الحقيقى يوم أعلنت أن مشروع نهضتها ما هو إلا مشروع فكرى ، بدأ العد التنازلي لسقوط ذلك الوهم الذى سعت الجماعة عبر عقود طويلة للترويج له ، والخاص بأنها تكتل منظم له رؤى وأفكار ومشاريع كبيرة كفيلة بحل مشكلات مصر والعالم ، وعلى المستوى السياسى بدأ الكشف عن الوجه القبيح لهذا التنظيم الفاشى حين أصدر محمد مرسى - مندوب الجماعة فى قصر الاتحادية - إعلانا مشبوها وغير دستورى فى نوفمبر الماضى ، وروجت له الجماعة كذبا على أساس انه يسعى لصالح البلاد ، بينما الحقيقة انه إنما كان يسعى للتمكين للإخوان وحلفائهم من بقية تيارات اليمين المتطرف ،وتتابعت حماقات هذا الفصيل المنتشى بخمر السلطة التى كشفت عن طبيعته الاقصائية الانتقامية بل والتكفيرية فى أحيان كثيرة ، ومنذ سمح محمد مرسى لميليشيات جماعته وتياره بأن تتعدى على المعتصمين السلميين عند أسوار الاتحادية وتقتل بعضهم وتحتجز الآخرين وتعذبهم وتقعد لمنهج العنف فى التعامل مع المخالفين فى الرأى ، منذ هذا الحين سقطت شرعية هذا الرجل الذى استمدها من الصندوق الذى يتعبد عنده الإخوان ويظنون بأن نتائج الصناديق تعنى أن يقوم الفائز بالقتل والتنكيل والإقصاء !! و هذا بالطبع يتماشى وقصر نظرهم السياسى والفكرى ومع طبيعة تكوينهم وتحركاتهم عبر عقود طويلة قضوها فى نسج المؤامرات وعقد الصفقات مع أجهزة الأمن ومع عدة دوائر فى نظام مبارك ، بل ومع دول أخرى وكيانات خارجية - كثيرا منها يكره مصر ويسعى لتقزيمها وتحييد دورها - والذى أثبتته الأحداث أن هذه الجماعة وهذا التيار كان فى حاجة شديدة للخضوع للعلاج النفسى قبل أن يتصدروا المشهد السياسى المصرى . ولأن الكذب صفة أصيلة ومنهج رئيسى فى طريقة تفكير الإخوان وفى طريقة حكمهم لمصر فلقد تتابعت علينا الأكاذيب - منذ ادعائهم بأنهم شاركوا فى تفجير ثورة يناير وأنهم وقودها - وصرنا نستقبل كل يوم سيل من الأكاذيب التى يروج لها هذا النظام المتقزم المرتعش الذى يحكم مصر الآن والذى يسعى لتنفيذ ما يطلب منه راعيه الأمريكى وحليفه الصهيونى ووكيلهما فى العالم العربى دولة قطر . وبالطبع فإن هذه التبريرات الفاشية التى يروج لها نظام الجماعة موجه فى الأساس للتابعين والمحبين والمتعاطفين الذين لا يتحركون خطوة ولا يفكرون فى أى شيئ إلا بعد تكليف وأمر ، ومن ثم يستمعون ويطيعون فى صمت والتزام ، حتى صاروا مجرد كائنات تتلقى الأوامر وتنفذها دونما أدنى لحظة من تفكير أو مناقشة ،وأصبحوا يتحركون بمنطق " القطيع " ولهذا خرج علينا محمد مرسى يتوعد ويهدد مستخدما إصبعه- ذلك الذى سبق وأن لوح به لأهل مدن القناة الشجعان الذين لقنوه درسا هو و جماعته أظن أنهم لن ينسوه - وأرغى وأزبد وأفرط فى توزيع الاتهامات هنا وهناك وتوعد بالمزيد وقال بأنه سوف يفعلها ! والسؤال المهم هنا هو ما الذى سيفعله الدكتور مرسى ؟ وهل بعدما أساء لمصر وشوه وجهها االحضارى الجميل ينقصه أن يفعل شيئا آخر ، لقد قام محمد مرسى بالإساءة لمصر وتاريخها وثورتها حين ارتضى أن يجعل من نفسه ومن نظامه خفير درك للكيان الصهيونى كيما ينال رضا العم سام الأمريكى الذى كان له دور كبير فى الإتيان به وتثبيت حكمه ، والدكتور مرسى الذى لطالما دغدغت جماعته المشاعر الوطنية والدينية بأحاديث مطولة عن القضية الفلسطينية والخلافة التى ستكون عاصمتها القدس وعن القردة والخناذير ، جلس فى القمة العربية التى وضعت لها أمريكا السيناريو ونفذته قطر - لا لشيء إلا للتعجيل بإسقاط بشار الأسد كى تستريح إسرائيل وتركيا وبقية المستفيدين من هذا الأمر - الدكتور مرسى لم تخرج منه كلمة واحدة يدين بها ما قاله " أوباما " فى زيارته لإسرائيل حين تحدث عن أن القدس هى العاصمة الأبدية لها ! لقد نسى الإخوان تماما كل ما كانوا يروجون له قديما وتبين أنهم مخادعون متاجرون بكل شيء ، التاريخ والدم والحاضر والمستقبل ، هذه الجماعة المظلمة القلب التى لا تتورع عن الكذب على الجميع ولا تتورع عن استخدام الدين وتطويعه لخدمة أغراضها يقودها طمعها الآن لوضع نهاية تتسق وميراثها من التآمر والإجرام ، والمتأمل للعصبية التى تعترى مرسى فى أحاديثه الأخيرة سيدرك مدى ارتباكهم وتخبطهم ، كما سيدرك أن الرجل عندما يسرف فى التأكيد على أنه.. رئيس مصر وأنه رئيس لكل المصريين ، إنما هو يعكس حقيقة شعوره بأنه لا يحكم مصر فعلا وأنه مجرد منفذ لقرارات مكتب الإرشاد الذى دفع به لمضمار السباق الرئاسى بعدما كان يضعه كاحتياطي - استبن - لرجل الجماعة القوى" خيرت الشاطر " الذى يدرك الجميع أنه هو المحرك الرئيس للنظام الاخوانى الآن . والأمر الملفت للنظر أيضا فى خطابات مرسى الأخيرة والتى يتوعد الشعب فيها ويهدده ، هو استخدامه للإصبع ، سواء للتهديد أو" للتلقيح " حتى لقد أسماه البعض الرئيس " أبو اصبع " واعتقد أن الأمر يحتاج للتحليل النفسى فعلا ، والرجل من الواضح أنه يعيش بمعزل عن العالم لأنه لو انتبه لكم الانتقادات اللاذعة والساخرة التى تكال له حول حديث الإصبع هذا ، لكان عمد للتخلص من استدعائه فى حواراته ، لكنه كرر ذات الاستدعاء فى زيارته الأخيرة لقطر ! تلك الزيارة التى أوضحت حقيقة مكانة هذا النظام والخانة التى يضعه فيها العالم ، وإلا فبماذا نفسر عدم خروج أمير قطر لاستقبال مرسى وإنابته لآخر بدلا منه ؟ إن الإخوان ارتضوا على أنفسهم أن ينبطحوا أمام هيمنة الولاياتالمتحدة وأمام أموال قطر ولهذا فلا يجدون غضاضة من مغازلة العم سام كل فترة بمجموعة من التصريحات العبثية مثل تلك التى يطلقها عصام العريان كل فينة وأخرى ، كما لا يستشعرون غضبا ما حين يتم التعامل معهم كأتباع ومجرد منفذين لسياسات وضعت لهم ، لقد دللت الجماعة فى الفترة التى أدارت فيها شئون البلاد على أنها جماعة فاشية فاشلة لا هم لها سوى التمكين والسيطرة لابتلاع هذا الوطن كخطوة على طريق تنفيذ المشروع الاخوانى الكبير ، لكن ما يحدث على أرض الواقع يؤكد على أن هذا النظام يسعى لحتفه ،وأن العد التنازلى لسقوطه قد بدأ منذ أحداث الاتحادية مرورا بغيرها من جرائمه ووصولا ليوم جمعة الكرامة ، هذا النظام الذى يعد الفشل هو العنوان الرئيسى لسياساته والذى يكبد المصريين كل ساعة المزيد من الخسائر على كافة المستويات ويثقل كاهلهم بالكثير من الأحمال ويعمل على بعث الإحباط واليأس فى النفوس ، لكن هيهات لهم ، فالرهان الآن على جموع الشعب المصرى وعلى مدى وعيه وحرصه على مستقبله ، مصر فوق الجميع ووجها المدنى الحضارى العظيم يتهدده مشروع فاشى قميء ولن ينجح هذا الفصيل الذى يعيش خارج إيقاع الزمن فى تشويه هذا الوجه الناصع .