على غير عادته وخلافاً لما تعودناه فى خطاباته كان حديث الدكتور مرسى مساء أمس الأحد موجزاً ومكثفاً، فرض فيه حظر التجوال وأعلن الطوارئ، وأزبد وأرغى وهدد وتوعد ووصف المعارضون بأنهم غير شرفاء ! ووعد بالمزيد من القرارات والتصرفات القمعية، وأعاد التأكيد والتهديد وأكد على انه لن يتوانى عن الإيغال فى القمع . شخصيا لم يفاجئني فى هذه الكلمة إلا قصرها وعدم استخدام مرسى لقاموسه البلاغى وتخليه عن استدعاء الخطاب الدينى من خلال الآيات والأحاديث التى تمتلئ بها خطاباته - بمناسبة وبدون – أما ما دون ذلك فهو أمر أنتظره وأتوقعه - وأخشى أن أترك لخيالى العنان لتوقع المزيد - كما أعتقد أن مرسى سيقوده قصر نظره- أو العمى - السياسى إلى نهايته . إن الدكتور مرسى حتى الآن لم يكن يصدق أنه يحكم هذه البلاد؟ فلقد ترك أبناء مصر يموتون وتدهسهم مصفحات الشرطة ورصاصات قناصتها ولم يحرك ساكنا لمنع هذه الجرائم وهذه الإبادة ، ثم توجه إلى عالمه الافتراضي وغرد عبر تويتر موجها حديثه لأسر الشهداء ومتوعدا بملاحقة المجرمين ؟ دون أن يقدم أية معلومات تفيد بحقيقة ما حدث ويحدث ومن هم المجرمون الحقيقيون ، ثم عاد إلى جلسته الأولى محلقا فى العالم الافتراضي الخاص به ومنتظرا ما سيأتى إليه من أوامر ! أجل فمن الواضح انه حتى هذه اللحظة لم يكن قد تلقى بعد أية تعليمات من المسئول التنظيمى الذى يتولى أمره فى جماعته – التى ما تزال غير قانونية حتى الآن – حين غرد مرسى كان مازال يعيش فى عالم الافتراض فهو رئيس افتراضي لمصر ، لكنها ليست مصر التى نعرفها ونعيش فيها وتسكن هى فينا ، بل مصره الافتراضية التى حددتها له جماعته ، فهو ككل إخواني يعيش على أرض مصر لكنه لا يعترف بها ولا يؤمن بأنها وطنه بل هى مجرد منطلق لتحقيق أهدافه لتكوين أمة الإخوان الكبرى ، ولهذا فمرسى كائنا افتراضيا يحكم دولة افتراضية خاصة به ، بينما القرارات الفعلية تصدر من مكتب إرشاد الجماعة وتمهر بخاتم مؤسسة الرئاسة وربما – ربما – حرص من يصدر القرارات على أن يجعل مرسى يلقى نظرة ولو للعلم فقط على ما سيوضع عليه خاتمه الرسمى . هل يدرك من أشار - أو أصدر – على مرسى الأوامر بإصدار هذه القرارات بهذا الشكل التغييبى أنه بذلك يزيد من الهوة التى صنعها الرئيس وجماعته بينه وبين الناس فى بر مصر ؟ كيف لعاقل أو مبصر أن يخرج على الناس وهم فى هذه الحالة من التمزق والتيه والشارع يمور بثورة وباحتجاج وبعمليات عنف شديدة ويرتدى لباس القمع والتهديد ؟ وكيف لرئيس البلاد أن يفشل فى تقديم معلومة تزيل هذا الكم من الغموض والضبابية التى تحيط بالمشهد المصر الأن ؟ هل تخيلت الجماعة أنها ستتمكن من خداع الشعب المصرى وفى استمرار اختطاف الثورة والإيغال فى الكذب الذى احترفته وبرعت فيه ، وهل يصدق هذا الرئيس الافتراضى انه بخطابه هذا سوف يخيف مصر ويدخلها الى جحور الخوف ؟ إن المشكلة الأساسية التى يعانى منها مرسى انه لا يفرق كثيرا بين عالمه الافتراضي وبين الواقع الفعلى الذى يعيشه الناس . يخطئ النظام حين يروج أن ما تشهده مصر الآن هو انعكاس للحكم القضائى الذى صدر بخصوص مجزرة بورسعيد ، فالحقيقة أن المشكلة الأساسية والجوهرية تكمن فى التخبط والفشل الإخوانى الذى يدير البلاد الآن ، وأيضا فى هذه النزعة الاستحواذية الإقصائية التى تسيطر على هذا النظام الافتراضي الذى يحكم مصر الآن من خلال مكتب الإرشاد ، لقد أساء مرسى إلى القانون وإلى القضاء وإلى الحريات والى أبسط قواعد المشاركة السياسية وانتهج نهجا عبثيا فى إدارة البلاد منذ تولى أمرها ، فأصدر إعلانا دستوريا باطلا ديكتاتوريا , وحصن الجمعية التأسيسية حتى أصدرت دستورا معيبا أحاديا من فصيل ذو صبغة واحدة متجاهلا بقية فصائل المجتمع ، وعمد إلى تزييف وعى الناس حتى مرره عبر استفتاء أكثر عبثية من مشهد التصويت على مسودته ،ذلك المشهد الذى سيظل شاهدا أبد الدهر على الغباء السياسى ، وتعجل التمكين الذى يسعى إليه الإخوان وحلفائهم من تيارات اليمين المتشدد ، ولم يكتف بهذا بل أعد حزمة من القوانين التى من شأنها أن تضغط على المصريين وتحاصرهم اقتصاديا و تزيد من معاناتهم وأن تجعل اقتصاد مصر قائما على الاقتراض الذى ستدفع فاتورته الأجيال القادمة ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل امتد إلى قتل المصريين بعضهم بعضا عند أسوار قصر الاتحادية بعدما استعان النظام بميليشياته المدربة التى لطالما نفوا وجودها بينما ظهر للعالم جرمها وسجلت وسائل الإعلام قتلها للشباب المعترض على سياسات مرسى وجماعته ، لقد تفجر الشارع بالغضب حين فوجئ الناس ان شيئا من عقيدة الشرطة لم يتغير وأن النظام الحالى هو امتداد لنظام مبارك لكنه بلحية . وأتخيل ان مرسى حين فرغ من إلقاء خطابه هذا عاد إلى مكانه وربما مر ببصره عبر التويتر وفيسبوك وهام فى عالمه الافتراضى منتظرا ما يأتيه من أوامر من تنظيمه ترسم خطواته القادمة ، وليعلم مرسى وجماعته وأهله وعشيرته أنهم يكتبون نهايتهم السياسية فى هذه الساعات ، لقد فشل نظام الاخوان وأثبتوا أنهم لا يجيدون سوى العمل السرى والسير فى طرق الكذب والادعاء وتزييف التاريخ ، لقد ارتضى مرسى أن يكون مجرد واجهة لجماعة سرية وأن يحيا فى عالمه الافتراضى ولهذا فلقد قرر الشعب أن يخرج من هذه الدائرة الافتراضية الى أرض الواقع ، لقد فقد مرسى شرعيته الاخلاقية يوم اعتدت ميليشات الاخوان المسلحة على الشباب الأعزل عند أسوار الاتحادية تحت سمعه وبصره وبمباركته وبسعيه لطمس هذه الحقيقة وتزييفها ، وهاهو الآن يفقد ما تبقى له من تلك الشرعية بسبب أحادية نظرته السياسية – العاجزة أصلا والكليلة – وبسبب النهم الاخوانى للتسلط ولاختطاف الوطن ، فلا تظنن الجماعة أن الطوارئ وحظر التجوال سوف ينهى الكارثة التى وضعت فيها البلاد ،إنهم افتراضيون يعيشون فى عالمهم الافتراضى من خلال رئيس افتراضى لا يرتفع لمستوى بلد كمصر ، فمصر أكبر منه ومن جماعته وتنظيمه وتياره ، لقد آن الاوان للخروج من عالم الافتراضى إلى العالم الواقعى ، وإنني أكاد أرى محاكمات جديدة لنظام يسرع به فشله وغباؤه إلى نهايته . Comment *