بالأمس القريب والذي كان لا يبعد سوى سويعات عن ال 25 من يناير 2011، ووسط حملات أمنية وإعلامية مسعورة كان يشنها نظام مبارك على جماعة الإخوان المسلمين (المحظورة حينذاك)، كان انتقاد أو مجرد الاقتراب من فكر وأداء الاخوان رغم ما فيهما من تهافت وانتهازية واضحتين على رأس قائمة الممنوعات العرفية لفصائل واسعة من المعارضة المصرية، ولم يكن يحكم هذا المنع قوة قاهرة تضعهم فوق مستوى النقد والمناوشة السياسية، لكن قوة الدفع في تجنب انتقادهم كانت تحركها بواعث يمتزج فيها البعد الإنساني الذي يرى في انتقاد المكروب المطارد الكثير من الخسة والنذالة وخروجا عن أخلاق الشهامة والفروسية، والبعد السياسي الذي يوقن أن تعميق الخلافات الوطنية رغم وضوحها انتصارا سهلا لنظام مبارك الذي كان يدير جزءا كبيرا من اللعبة بأجهزته الأمنية. كان يساريو وناصريو الأمس (كفار وملحدو اليوم وفق القاموس الإخواني العصري) أشرس المدافعين عن حرية قادة الإخوان خلف قضبان مبارك، فلا تردد ولا مثقال ذرة من تفكير في مصيرهما خلال مظاهرات تضامنية مع قادة الاخوان تنديدا بنظام مبارك وقمع طغمته الأمنية، والمفارقة اللافتة في هذا التقييم التاريخي أن ماكينة الدعاية الإخوانية كانت تحجب بملصقاتها جدران المباني في شوارع المحروسة، ممارسة لعبة الاختطاف بمنشورها الشهير (قادة الأمة خلف القضبان) في اختزال فج لمفهوم الزعامة على شخوصهم وجماعتهم، وهي مسألة لم تلق بالا من الكثيرين على اعتبار ان عظمة الهدف تجب أي هفوات صغيرة، أو كان التقييم لهكذا سلوك. كان القيادي الإخواني محمد البلتاجي يحمل مكبر الصوت للزعيم الناصري حمدين صباحي في المظاهرات المناهضة لنظام مبارك، وربما لو اجتمعا وقتذاك خارج حدود الجاذبية الأرضية، لأشعلا حرب نجوم جديدة، ولاشتكت الكائنات الفضائية من صداع الإزعاج المنبعث من معاركهم جذرية الاختلاف، لكن فروض الولاء والطاعة للاصطفاف الوطني في وجه نظام مبارك كانت تقضي الجميع الالتزام، وهو ما كان يتم الوفاء به قطعا لكن من طرف واحد، في مقابل مناورات مقالب ساخنة من الشريك الثاني، والذي ربما كشفت تفاعلات اليوم وبوضوح أنه كان يتخذ شركاء الأمس حصان طروادة وتقية سياسية للنجاة بمشروعه (عابر القارات وحدود العقل والمنطق الإنساني) والطامع الطامح إلى سلطة مبارك بأدواتها الديكتاتورية، فيما كانت تضمر كواليس لقاءاته مع الأميركان والغرب الكثير والكثير من التفاهمات والتي لا تضع فقط ترتيبات لمستقبل مصر بل للمنطقة بأكملها. اليوم.. وبعد أكثر من عامين من ال 25 من يناير انكشف الغطاء عن حقيقة النزوات السياسية الإخوانية التي اختطفت ثورة الشباب بصناديق الاقتراع في مرحلة انتقالية فوضوية أدارتها مطابخ واشنطن، وأدخلت مصر كلها في برزخ أصبح فيه حوار المنطق لا يجدي مع من لا منطق له، بعد أن هيأ الخيال العلمي المغرق في سرياليته لمرسي وجماعته انهم اختطفوا وطنا وشعبا وتاريخا، وأعماهم غرور القوة ودفعهم إلى مسابقة الرياح في طريق (أخونة الدولة) وطلاء أهرامات تاريخها، بديهي اذن أن تسقط آخر ورقة توت عن إخوان العرش المدعوم اميركيا وغربيا، وان تتحول آيات العجرفة والصلف إلى عنف لفظي وجسدي بحق معارضيهم من شركاء الأمس، وأن تتعرض ميليشيات الإخوان و(شبيحتهم) بالاعتداء الدامي على متظاهرين من شباب ثورة ال 25 من يناير أمام مكتب إرشاد الجماعة، ولم يكتفوا بخلغ قناع التدين الظاهري بل تفوق (رجال) ميليشياتهم على بلطجية نظام مبارك بالاعتداء الجسدي على إحدى المتظاهرات، وهي مهام كانت يوكلها عسس مبارك إلى نساء من معتادات الاجرام. انه (جزاء سنمار) لبعض هؤلاء الشباب الذين كان من بينهم من كان يقف بالأمس (المباركي) ليطالب بالحرية لمن يسمونهم ب (زعماء الأمة)، فيما كان اعضاء مكتب الإرشاد خافتي الصوت يديرون اتفاقاتهم مع اجهزة مبارك الأمنية في عتمة الليل.. فهل يصح أن يتركوا يضمدون جراح أصابهم بها من كانوا رفقاء الأمس ولسان حالهم يردد بيت الشعر القائل: ذهبَ الوفاءُ ذهابَ أمس الذاهب.. فالناس بينَ مُخاتل وموارب يُفشون بينهمُ المودةَ والصّفا.. وقلوبُهم محشوّةٌ بالعقاربِ يكفي فقط أن نذكرهم بأن الاخوان تمرسوا وخبروا لعبة المساومة والمماطلة، فإخوان سوريا ساوموا أبناءهم الأيديولوجيين من تنظيم القاعدة على بيعة الولاء للمراقب العام في غرفة عمليات القتل مقابل بضعة آلاف من الليرات، فلن تكونوا يا ثوار مصر أرفع مكانا في قلب الإخوان من (نصرة القاعدة)، ولن تكون مصر في قلوبهم أثمن من مشروع الخلافة والحاكمية للمرشد، وربما لا نحتاج لحديث مطول عن تفتيت الأمن القومي لمصر بلعبة الأنفاق والجماعات الجهادية في سيناء كدليل على صدق البيان. [email protected]