الاستجابات المتوالية لمطالب العمال تثبت خطأ وجهة نظر المعارضين للاحتجاجات ، بأنه ليس هناك وقت للنظر في هذه المطالب، وأن الجيش لا يفهم في هذه المطالب لكي يرفضها أو يقرها، هؤلاء الذين كانوا ملكيين أكثر من الملك، واجهوا الاحتجاجات بنفس دعاوى النظام، منها الحرص على الاستقرار، وأن شكل مصر “وحش”بسبب مطالب العمال الفقراء، وأن فلول النظام السابق هي التي تحرك العمال، وأن الثورة حققت الانتصار وعلينا الانتظار لما سيفعله الجيش، في وضع أشبه بالأيام الضبابية التي تلت خطاب مبارك الذي وعد فيه بعدم الترشح لفترة رئاسية جديدة، عندما اعتبر البعض أن ذلك مكسب كبير، وطالبوا المعتصمين في التحرير بفض اعتصامهم، وعندما أصر الثوار على الاعتصام، اتهموا بالعمالة، في الوقت الذي بدأ مبارك في سلسلة تنازلات، انتهت بتخليه عن السلطة لمجلس عسكري هو جزء من النظام السابق أياً كان رأينا في موقفه من المظاهرات..ما أشبه اليوم بالأمس. لا تغيير في مصر إلا بثورة مستمرة، فالنظام مستعد لتقديم تنازلات تقل أو تزيد حسب قوة الثورة ، التي تتمثل في قوة التحالفات بين التيارات السياسية، وبين الفئات والشرائح والطبقات المشاركة في الثورة، وقد شارك العمال كغيرهم من الفقراء مع فئات الطبقة الوسطى في الثورة ، وواجهوا قوات الأمن في كل المحافظات، واعتصموا مع الثوار في التحرير، وأعلن عمال الصلب بالسويس إضراباً يوم السبت 29 يناير مطالبين بمطالب الثورة وفي مقدمتها إسقاط مبارك، وذلك بعد استشهاد ثلاثة مواطنين في السويس ، ومنحت إضرابات العمال في أيام 9 و10 فبراير قوة للحركة ساهمت في خلخلة النظام الحاكم وفقدانه الثقة بنفسه، وتأكده أن الأمور خرجت من يده، ليلجأ إلى الخيار المر، بالتضحية بمبارك وبعض الرموز ، إلى جانب بعض الإصلاحات، في سبيل بقاء النظام وحزمة مصالحه التي تمثل طبقة كاملة أهم من مبارك وغيره في نظر هذه الطبقة، وعندما نصل إلى المصالح، فلا بد من الاصطدام بالعمال والفقراء والعاطلين، ليظهر معدن الثورة، وما إذا كانت تقصد ما رفعته من شعارات عن العدالة الاجتماعية، أم أن هذه الشعارات كانت “طق حنك”. الثورة مستمرة، فحتى العمال الذين حصلوا على مطالبهم ؛ عليهم أن يستيقظوا تماماً حتى لا يخدعوا بعد ذلك ، وعلى أساتذة الجامعة والطلاب أن ينظفوا الجامعة من كل الفساد والنفوذ الأمني الذي ينتشر فيها، فلن ينظفها لهم الجيش، ولن يقوم الجيش بتنظيف وزارة الداخلية التي يعمل فيها أمناء شرطة وضباط تخرجوا من كليات ومعاهد، دخولها أصلاً بالواسطة، ولن ينظف الجيش المدارس ووزارة التعليم مما فيها من فساد ومناهج تدفع التلاميذ إلى البلادة، أو الجريمة، أو الانتحار، والصحة والقوى العاملة والإسكان، والصحف والتليفزيون، حيث تحولت القيادات من الصنم القديم”مبارك وحاشيته” إلى صنم جديد”الجيش”، ومحاولة استيعاب الثوار، وتحويل فكر الثورة إلى صنم، وبالتدريج سيطلقون اتهامات العمالة على من يغضب عليهم الجيش. الثورة مستمرة حتى تغيير الدستور بالكامل، والقوانين، والانتخابات، والأسس التي تقوم عليها الانتخابات، وقيام الأغنياء بشراء أصوات الفقراء، ليتحكموا في التشريعات التي تعيد صناعة الفقر والجهل، وهكذا يدخلون الوطن في دائرة مفرغة، لا تنتهي الثورة إلى بإخراج الجميع منها. الثورة مسيرة طويلة متواصلة، لو وقفت، يتراجع الوطن ببطأ إلى البلادة والفساد والديكتاتورية، ويبدو أن ثورتنا مقدر لها الاستمرار، ودليل ذلك نجاح إضرابات العمال وآخرهم عمال المحلة في التخلص من الفاسدين، واستمرار الضغط الثوري المتمثل بشكل رمزي في استمرار أيام الجمع الثورية، التي التف حولها الشعب، وأمدها بالحضور الكثيف والاهتمام البالغ، لتنمو الثورة وتملأ الوطن كله.