رحل فجر اليوم الأربعاء المفكر الكبير جمال البنا،عن عمر يناهز ال93 عاما، وهب معظمها للدفاع عن دينه الإسلامي كما فهمه وعرفه ومارسه، فتكونت العداءات، إلا أنها لم توقفه حتى نهاية حياته. رغم نشأة جمال البنا في أسرة مرشد ومؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حسن البنا، "شقيقه الأكبر" إلا أن جمال اتبع منهجاً مختلفاً تماما عن أخيه، الذي ظل يحبه ويحترمه ويفتخر به. وفى المحمودية بمحافظة البحيرة ولد الراحل جمال البنا، وبالتحديد فى 15ديسمبر 1920، لوالد هو مصنف أعظم موسوعة فى الحديث "مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى" وجاءت الموسوعة فى 24 جزءًا. واظب البنا منذ طفولته على الاطلاع ليتزود بحصيلة ثقافية غزيرة، وبعد اتمامه دراسته الابتدائية دخل المدرسة الخديوية الثانوية، لكنه تركها غير آسف نتيجة، لشجار بينه وأستاذه فى اللغة الإنجليزية ،بريطانى الجنسية، واستكمل دراسته بوسائله الخاصة. وواصل جمال البنا مطالعاته، وأصدر كتابه الأول سنة 1945 عن الإصلاح الاجتماعى، تلاه كتابه "ديمقراطية جديدة"، الذى تضمن فصلاً بعنوان "فهم جديد للقرآن" استعرض فيه فكرة المصلحة كما قدمها الإمام الطوفى. عام 1952 أصدر البنا كتاب "مسئولية الانحلال بين الشعوب والقادة كما يوضحها القرآن الكريم" ،وأسس الجمعية المصرية لرعاية المسجونين، وحققت ثورة فى إصلاح السجون، وأدت إلى مجابهة بينه وبين السلطات. في الخمسينيات أصدر كتابا باسم "ترشيد النهضة"،وفي فصله الأول "أن هذه الحركة"،ويقصد بها ثورة يوليو 52 ،هى انقلاب عسكرى ،وليس ثورة، وما أن اطلع الرقيب على الكتاب، أصدر أمرًا بمصادرته، وأخذ كل الملازم المطبوعة، وبهذا التصرف تأكد البنا أن الحركة ذات طابع ديكتاتورى، وأنه لا فائدة من محاولة تقدم الرأى والمشورة. وخلال الحقبة الناصرية المعادية أهتم الراحل بالحركة النقابية، وأصدر وترجم الكثير من الكتب والمراجع التى نشرتها منظمة العمل الدولية بجنيف والجامعة العمالية بمدينة نصر، كما حاضر بصفة منتظمة فى معهد الدراسات النقابية منذ أن تأسيسه 1963 - 1993. وترجم كتاب "المعارضة العمالية فى عهد لينين" لمؤلفته مدام كولونتاى ، فقام بترجمته وعلق عليه. فى سنة 1981 أسس البنا الاتحاد الإسلامى الدولى للعمل، وكانت منظمة العمل الدولية استعانت به فى عدد من الترجمات ، كما استعانت منظمة العمل العربية به كخبير استشارى؛ وبحكم هذه الصفات نظم شبكة من العلاقات بقيادات اتحادات ونقابات فى كثير من الدول الإسلامية. وفى 1981 تلقى دعوة للاجتماع فى جنيف، خلال انعقاد مؤتمر العمل الدولى بها ، وفى هذا الاجتماع تأسس الاتحاد الإسلامى الدولى للعمل من مندوبى اتحادات عمالية فى الأردن والمغرب وباكستان والسودان وبنجلاديش وغيرها. وكانت دعوة البنا للإحياء الإسلام ،بالاجتهاد والفكر وبتجاوز ما تم تحليله وترسيخه منذ فترات الإسلام الأولى. وأسس البنا، بمشاركة شقيقته فوزية "مؤسسة فوزية وجمال البنا للثقافة والإعلام الإسلامى" معتمدين فيها على البحث والتوثيق، وتقيدم رؤية حرة للإسلام ،يُعد كل من يؤمن بها مالكا لها،أو شريكاً فيها. ويذكر أن فوزية البنا تبرعت بنحو نصف مليون جنيه لإنشاء هذه المؤسسة .وعندما فارقت زوجة البنا الحياة 1987 لم يتزوج بعدها، وحول شقته إلى مكتبة تحمل اسم المؤسسة ،وضمت المكتبة قرابة 15 ألف كتاب عربى، و 3 آلاف باللغة الإنجليزية ، كما تضم مكتبة والده وشقيقه عبد الرحمن ،وكثير من تراث آل البنا، والأصول الخطية لكتب الشيخ البنا .وبفضل ما خصصه البنا من وقت للقراءة والكتابة ،كان إنتاجه غزيرا ووصل الى قرابة المائة كتاب. رحم الله جمال البنا، وعلنا نتذكر تاريخه كاملاً دون اختصار، وتعمد الرجل في مجموعة من الفتاوى ،إخراجها من سياقها لتبدو غريبة وشاذة. Comment *