قبيل انتخابات مجلس الشعب المنحل، وبينما كانت وزارة الداخلية تتعرض للموجة الأولى من أحداث محمد محمود، سألت صديقًا يعمل بالجهاز المركزي للمحاسبات، عن القائمة الحزبية التي سيمنحها صوته، فاندهشت عندما أخبرني بنيته في اختيار مرشحي حزب الحرية والعدالة، في الفردي والقائمة، لعلمي بميول صديقي الليبرالية، وانتقاداته المستمرة للتيار الإسلامي بدعوى استغلاله الدين وإقحامه الشريعة الإسلامية في اللعبة السياسية، لتحقيق مكاسب دنيوية. برر صديقي المِتْعلم (بكسر الميم) موقفه قائلا: «احنا محتاجين الإخوان.. انت مش شايف اللي بيحصل قدام وزارة الداخلية.. فيه ناس عايزة توقع الداخلية وتبقى فوضى.. ولو حصل ده.. تفتكر مين هيحمي الناس»، وراح يؤكد بحماسة أن الجماعة لديها من التنظيم ما يجعلها تبسط سيطرتها على مناطق بأكملها، وأنه في منطقته، العمرانية، يستطيع الإخوان بميليشياتهم أن يسدوا الفراغ الأمني، ويسيطروا على الشوارع في حالة حدوث انفلات أمني إذا ما انهارت الداخلية. إذن.. هو سلاح «الرعب من الفوضى» الذي دفع بقطاع كبير من المواطنين، ومنهم شريحة متعلمة مثل صديقي، إلى اختيار الإخوان خوفًا من وقوع صراعات دموية تقضي على ما تبقى من أمل في استعادة البلاد لاستقرارها، وهو السلاح نفسه الذي دفع مواطنين فقراء إلى اختيارها، على اعتبار أن الجماعة أصبحت تمثل حائط الصد لهم ضد نزوات قوى مدنية شريرة، حسب اعتقادهم، تستخدم العنف في التعبير عن آرائها، وتلقي ب«المولوتوف» في مظاهراتها السلمية، أملا في اغتصاب السلطة، دون نظر لمصلحة البلد أو أهلها الفقراء، وهو سلاح الرعب نفسه الذي سبق أن استخدمته مع البسطاء في الاستفتاء على الإعلان الدستوري، حينما أوههمتهم بأن النار تنتظر من يصوت ب«لا». الجماعة، وبعد فاصل طويل من «العك السياسي» في جنبات مجلس الشعب، أدركت أن رصيدها انخفض لدى قطاع كبير ممن انتخبوها، ما يعني أن معركة الرئاسة وطموح السيطرة مهددان بالضياع، فعاد سلاح «الرعب من الفوضى» للظهور، قبل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، فانتشرت شائعة تؤكد أن الإخوان ستخرج بالسلاح ضد الجيش والشرطة في حالة فوز شفيق، وأن الجماعات الجهادية ستعلن سيناء دولة مستقلة، ولتأكيد تلك الشائعة، تزامنت معها شائعة أخرى تقول إن شحنات من الأسلحة الخفيفة والثقيلة يتم تهريبها لصالح الإخوان، من الشرق عن طريق الأنفاق مع غزة، ومن الغرب عن طريق الحدود الليبية، حيث يستغنى ثوار ليبيا عن فائض الأسلحة التي تمدهم بها قطر (حسب الشائعة). وبصرف النظر عن صحة ذلك الحديث، فهو في النهاية لا يتعدى سوى شائعة، لكنها دفعت بكثير من مواطني «حزب الكنبة» إلى اختيار مرسي، ليس اقتناعا بشخصه، بل اتقاء وقوع مواجهة دامية تنسخ المشهدين الليبي والسوري في الشوارع المصرية. وحتى بعد وصول «الإخوان» إلى رأس السلطة في مصر، لم تجد أمامها إلا سلاح «الرعب من الفوضى» واستعراض القوة لإنقاذ «مرسي» من غضبة القوى المدنية، وتمرير قراراته الديكتاتورية، فخرج رئيسهم من قصر الاتحادية ليخطب في الملأ من أنصاره، محيياً إياهم بقبضتي يديه على طريقة القذافي، وكأنه يوجه رسالة رعب وتهديد للمصريين بأن الأمر قد يصل إلى «حرب أهلية». واستكمالاً لمسلسل الفوضى واستعمال سلاح «الرعب»، أعلنت الجماعة حشد أعضائها لمظاهرة تأييد لمرسي، في اليوم نفسه الذي دعت فيه القوى المدنية لمظاهرات ومسيرات لإسقاط الإعلان الدستوري الصادر عن الرئيس، قبل أن تتراجع عن قرارها بدعوى «حقن الدماء» في رسالة تهديد واضحة للشعب المصري: «احذروا الحرب الأهلية»، لتذكر الناس برسالة المخلوع الشهيرة: «أنا أو الفوضى» حتى إن البعض أصبح يتندر بها، مؤكدين أن مبارك كان يقصد حكم الإخوان عندما ذكر الفوضى، معتبرين أن ما حدث أمام المحكمة الدستورية العليا، ومنع مستشاريها من الدخول، أكبر دليل على «عصر الفوضى الإخواني». ربما لم يستخلص مرسي من دروس ثورة يناير حقيقة أن الشباب المصري لا يخشى الموت، ولا يتأثر برسائل التهديد، لذلك أدعو الرئيس أن يراجع مشاهد الثورة بالفيديو، ويتعظ قبل أن يراها على الهواء مباشرة. Comment *