أذكر أني قبل ثورة يناير كنت أحرص على قراءة كل كتب وكتيبات ومقالات طارق البشري، وأتعامل معها بنفس المنطق الذي كنت أتعامل به مع أعمال يحيى حقي، وهو أن كل ما يكتبه هذا الرجل مهم، كل عبارة يكتبها لها قيمتها، بل كل حرف له مغزاه، وأن كل ما يكتب ينطلق من نقاء وتجرد كاملين، وإلمام وتعمق كافيين، وعابر لكل انتماءات التيارات والتحزب الضيقة، لكن حالي لم يعد كذلك مع طارق البشري، بعد ثورة يناير!. وأذكر أني قبل ثورة يناير كنت أهتم جداً بكل ما يكتب محمد سليم العوا، وكل حوار معه سواء في برنامج أو صحيفة، كما أن محاضراته في منتداه التي كانت تنقلها قناة الجزيرة، لم أكن أحرص عليها فقط، بل ألفت إليها انتباه، من كان يهمني أن يتأملوا ويستفيدوا من هذا التعبير بوضوح وطلاقة،عن هذا التفكير الثاقب، لكن حالي لم يعد كذلك مع محمد سليم العوا، بعد ثورة يناير!. وأذكر أني قبل ثورة يناير كنت أحرص على متابعة كل كتابات وأراء فهمي هويدي، بل أني قاطعت كل الصحف الحكومية "المسماة قومية" لمدة تقارب خمس سنوات قبل ثورة يناير، واعتبرت ذلك عملاً وطنياً، ودعوت إلى مثله كل أصدقائي وكل من يمكن أن أتحاور معهم في ذلك، لكن وحده "أهرام الثلاثاء" أستثنيته من هذه المقاطعة، لأن فيه يكتب هويدي مقاله الأسبوعي، بل وكنت أحتفظ بهذا المقال في ملف خاص، لكن حالي لم يعد كذلك مع فهمي هويدي، بعد ثورة يناير!. والحق أن شخصيات أخرى، غير البشري والعوا وهويدي، في مجالات شتى، من الكتابة السياسية والفكرية والدينية، إلى مشتغلين في السياسة والاقتصاد والثقافة والفنون والرياضة.. الخ، حدث لي معهم شئ مماثل، بعد ثورة يناير!. والحق أيضاً ان هذه ليست اول مرة يحدث لي فيها هذا الأمر، فذلك ذاته هو ما حدث لي مع عديدين، على مر مراحل حياتي!. فكنت وأنا لم أزل طالباً في جامعة المنصورة، وأقوم برحلتي السنوية إلى معرض الكتاب الدولي في القاهرة، أحرص ضمن ما أحرص عليه على اقتناء كتب محمد عمارة، لكن لم ألبث بعد ذلك أن فقدت هذه الرغبة تماماً!. وكنت وأنا لا أزال طالباً أيضاً، أحرص كل الحرص، على كل ما يكتب صلاح عيسى، سواء ما كتبه من دراسات تاريخية مثل "الثورة العرابية"، أو سخريات راقية مثل (الاهبارية) في جريدة "الأهالي"، لكن منذ سنوات عديدة ربما منذ تولى تحرير جريدة "القاهرة" او قبلها بقليل فقدت نهائياً كل اهتمام، بكل ما يكتب أو يقول!. وكذلك تماماً، ما حدث لي مع آخرين غير قليلين، مثل الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، وقد كان شاعري الأول والمفضل في مراحلي المبكرة، وحتى كتاب نثري له، مثل كتابه المتفرد الذي لا يعرفه كثيرون الآن بعنوان "محمد وهؤلاء"، كنت أقرأه أكثر من مرة، لكني منذ سنوات طويلة كففت عن الاهتمام بالشاعر الكبير بحق، الذي توقف عن الشعر وقد تصور أنه أصبح المفكر الكبير لكن عن غير حق. لقد خذلنا كثيرون، لكن سوف يتبقى منهم في نظرنا بعض ما أنجزوه في مراحلهم الأولى، سوف يبقى مثلاً من حجازي قصيدته أو ملحمته الشعرية عام 1970 (الرحلة ابتدأت) وقصائد أخرى في الستينيات (التي لا يكف عن التنديد بها الآن، على نحو به مرض أو هوس من نوع ما!)، وسوف يبقى مثلاً من البشري كتابه المرجع "الحركة السياسية في مصر".. وهكذا. ولست أتحدث في هذه السطور، عن الذين لن يبقى منهم "أي شئ"!. بل أخص بالذكر في هذه السطور، بعض نماذج، من عديدين لم يعد حالنا معهم، مثلما كان..!. ثم يخطر لنا ملاحظة (أو حاشية) لها علاقة بما عرضناه في المقال، قد نضيف فيها القول:أما بعض شخصيات (أو رموز) ما عرف بتيار استقلال القضاء، التي كنا نجلها ونعتد بها ونامل خيراً كثيراً، قبيل ثورة 25 يناير (مثل الغرياني الخضيري الأخوين مكي)، فتلك مع الأسف الشديد بعد الثورة: حدث عنها ولا حرج!. لأننا صدمنا فيها وخذلنا عديد أو عدد منها كثيراً. Comment *